فخر السويدي : ربما علينا أن نبدأ من هنا كوميدياً!

يُقال أنه حينما اجتمع المخرج العظيم بيلي وايلدر مع شريكه دايموند لكتابة سيناريو جديد تحول لاحقًا لأحد روائع «وايلدر» بطبيعة الحال، إلا أنه توقف قليلًا في لحظة «جفاف» في الإلهام وقال: «كان الأمر ليبدو أسهل لو كان لوبيتش معنا» ليجيبه دايموند: «نعم، لكننا ما زلنا نمتلك لمسة لوبيتش»، فرد بيلي وايلدر قائلًا: «لا… لقد ذهب لوبيتش وذهبت اللمسة معه».

لقد كان المخرج العظيم أرنست لوبيتش أيقونة كوميدية يؤسس لمنهجية مختلفة في الكوميديا ومن هنا كان الحديث دائمًا في صناعة الكوميديا عن «لمسة لوبيتش»، والتي قال عنها نقاد مجلة كراسايترون الفرنسية أنها «تلك الجودة التي تجعل الكوميديا فيه حزينة قليلًا والتراجيديا مضحكة قليلًا»، فيما يعبر عنها الناقد البريطاني فريديريك رافاييل بأنها «لا تكمن فيما يتم فعله وإنما فيما يتم التلميح له»!! 

 وهي اللمسة التي أصبحت تحمل عدة معايير كالمفارقة الناعمة، وهي حينما تظن أن الموقف الكوميدي قد انتهى بنكتة جيدة، يبرز فجأة وبطريقة ذكية معنى كوميدي آخر!! كما تعني بطريقة أخرى وأوسع، الأسلوب الذكي في الإيحاء وليس التصريح، وفي السخرية من الموقف دون الفظاظة في التعبير عنه، وفي التحكم بإيقاع الكوميديا، حيث تأتي النكتة بطريقة سلسلة وانسياب هاديء، دون المباشرة الفجة، وإذا ما أردنا التعبير المباشر عن هذه اللمسة أيضًا، فسنقول إنها لا تعتمد  على الحوارات فقط في تقديم النكتة، بل تأتي الصورة وعملية التحرير والمونتاج والتلميحات البصرية كشريك أساسي في النكتة، لقد اعتدنا على اختزال كل هذا بما نسميه «كوميديا الموقف»، حتى نقف إزاء ما نسميه أيضًا بـ«كوميديا التهريج»!

«كوميديا الموقف» كانت قد تأسست فعليًا مع أمثال شابلن وباستر كيتون – لم يكن الصوت حينها قد دخل السينما وبالتالي لم يكن هناك أي فرصة لتبادل الحوارات والإضحاك من خلالها – ومن ثم يأتي هارول لويد و الطريفين لوريل وهاردي والأخوة ماكس وآخرين قبل أن يأتي الأيقونة الفرنسية الكوميدية جاك تاتي، والشعبية روان أتكينسون الشهير بـ«مستر بن».

فخر السويدي (2024)
فخر السويدي (2024)

إذن … ما الذي يدعوني لسرد سريع ومختصر حول الكوميديا عند الحديث عن فيلم «فخر السويدي»؟! قبل أن أجيب؛ لا بد وأن أشير إلى أن تركيبة الفيلم السردية التقليدية لم تكن محكمة بالشكل الكافي، والتذبذب الملحوظ في مسار القصة ومنحنيات الأحداث سيكون أمرًا ملحوظًا للغاية، لكن هذا الأمر في حالة هذا الفيلم ليس أمرًا مانعًا من التصريح الذي قلته في مداخلتي بعد عرض الفيلم الأول في مهرجان أفلام السعودية 11: «إذا كنا نطمع بعمل أفلام كوميدية سعودية فعلينا أن نبدأ من هنا»، حيث – ومن خلال متابعتي القديمة والدقيقة للأعمال السعودية – لم أشاهد عملًا كوميديًا بمثل هذا المستوى من الجودة والإتقان وحشد معايير الكوميديا الفعلية كما شاهدت في «فخر السويدي»، بداية من قصة تقليدية ساذجة، تتحول لمسرح أحداث كوميدية متلاحقة، تتناوب فيها جميع الشخصيات في الطرافة والإضحاك، وتأخذ الكاميرا نصيبها من صناعة النكتة، ويصل فيها الممثلون الشباب والجدد بأداء جميل لمرحلة منسجمة ومتناغمة، رغم اختلاف طباعهم، وطريقة تفكيرهم، وانفعالاتهم المضحكة، حسب شخصياتهم في الفيلم.

فخر السويدي (2024)
فخر السويدي (2024)

 القصة تدور حول مدير مدرسة ثانوية أهلية، يسعى لتحقيق ذاته، وإثبات جدارته، من خلال افتتاح صف شرعي، وهو التخصص الذي يحيل في ذهنية المجتمع السعودي، أو على الأقل من عاشر تلك الفترة، إلى ذلك الصف الأسهل والأكثر مشاكسة، وتملصًا من الدراسة، وبالمقابل الصف الذي يتجه إليه افتراضًا الطلاب غير المُجدين، وحتى ذوي الأفكار المحافظة، لكنه في الغالب ليس الصف الذي يمكن أخذه على محمل الجد مقابل الصفوف العلمية! وهنا يبدأ الصراع المتوقع، في محاولة المدير إنجاح فكرته المفاجئة هذه، وإثبات خطأ أخيه الأكثر وجاهة ومسؤولية وجدية، والذي يسعى بدوره إلى إجهاض محاولات أخيه الأكبر، مدير المدرسة، من أجل مصلحة المدرسة كما يعتقد، وحصولها على استثمارات داعمة، هنا صراع القصة البسيط وسط طبيعة شخصية المدير الساذجة والحمقاء أحيانًا، والتي يتنازع داخلها رغبته المفرطة في النجاح وتحقيق ما يشعر به بمعنى حياته وجدواها، وطبيعته المتأصلة في الطيبة والحنية والمراعاة، ووسط مجموعة من الطلاب «غريبي الأطوار» لحد ما، وهم من طبقات مختلفة وخلفيات اجتماعية متباينة، وإن خمنت أن هناك الكثير من المعاني الأخلاقية والاجتماعية الجيدة، مثل: الصداقة و«الفزعة»، والوفاء والتعاطف والطموح والشغف، ستبرز عبر مشاهد الفيلم وعلاقات الطلاب فلن يكون تخمينك خاطئًا.

فخر السويدي (2024)
فخر السويدي (2024)

 الآن، هل فعلًا بدت القصة تقليدية ومتوقعة؟ بالطبع هي كذلك، ولكن! – وهذا ما يجعل الفيلم مثيرًا للحديث عنه -، هو ذكاء الفيلم وتميزه، حيث خلى من كل التعقيدات المٌفتعلة في تقديم هذه القصة، بجانب معالجته بطريقة كوميدية ومضحكة للغاية، مع قدر جيد من التنفيذ الفني الذي نجح فيه مخرجا العمل السعوديان أسامة صالح وعبدالله بامجبور، ومن قبلهما ورشة كتابة النص بقيادة الشاب يزيد الموسى، لذا فحينما أُعد قائمتي لأفضل الأفلام السعودية خلال السنوات الأخيرة – والتي تكاد تقتصر على الأعمال الدرامية – فسيكون هذا الفيلم هو الكوميدي الوحيد الذي يفرض نفسه عن جدارة، ويشق طريقه إلى تلك القائمة بتميز واستحقاق.

وأخيرًا، لا أعتقد بكل صراحة أنني سأرى عملًا كوميديًا سعوديًا يستلهم «لمسة لوبيتش» بشكل متكامل ومتقن، لكنني حاليًا سأكتفي بالقول أن «فخر السويدي»، هو أقرب الأفلام الكوميدية السعودية حتى الآن التي نجحت في ملامسة تخوم تلك اللمسة العبقرية التي ميّزت سينما لوبيتش. ولهذا، أتمنى من قلبي أن تبدأ الكوميديا السعودية من هنا.

سلمى وقمر : ذالك الشيء المهمش في حياتي !

ما السؤال الذي يمكن أن يتبادر إلى ذهنك حينما تشاهد الفيلم الطويل الأول لمخرج أفلام قصيرة ناجح في نظرك؟ بالتأكيد ستتساءل إذا ما كان سينجح هذه المرة مع تجربة أصعب، تحتاج لكتابة سردية متقنة، ومن ثم تقديمها بطريقة إخراجية مميزة، تحمل القدر المهم من التعبير الفني. ومن هنا كنت متشوقًا لرؤية فيلم «سلمى وقمر» المشارك في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة في مهرجان أفلام السعودية في دورته الحادية عشرة، عطفًا على مشاهدتي لأول أفلامها «القندرجي» عام 2008، والذي نال تقديرًا نقديًا جيدًا، وشارك في عدة مهرجانات دولية مثل «كان» في ركن الأفلام القصيرة الواعدة، ومهرجان بيروت، ومهرجان الخليج، والذي فاز فيه كثاني أفضل فيلم، وكان يحكي قصة رجل يعمل في إصلاح الأحذية، تستدعي زيارة امرأة له العديد من الذكريات، ومن ثم فيلمها الثاني «حرمة»، والذي فاز في مهرجان بيروت بالجائزة الذهبية كأفضل فيلم قصير، كما عرض في مهرجان برلين ضمن قسم «المنتدى»، حول قصة امرأة أرملة تواجه العديد من التحديات في حياتها. ومن لا يعرف عهد كامل مخرجة، ربما عرفها كممثلة جيدة، شاركت في فيلم هيفاء المنصور الشهير «وجدة» عام 2012، كما حققت مشاركة نوعية على صعيد دولي حينما شاركت في المسلسل البريطاني «Collateral» عام 2018، والفيلم الأمريكي «Being» عام 2019، وغيرها من الأعمال الأجنبية في عدة أدوار بسيطة.

مهرجان أفلام السعودية 11: سلمى وقمر ... ذاك الجزء المهمش من حياتي!!
فيلم (سلمى وقمر- 2024)

لنعد إلى السؤال الأول: هل حافظت عهد، كمخرجة، على نجاحها وأسلوبها ولمستها الخاصة، التي شعرنا بها في أفلامها القصيرة، حينما تصدت لفيلمها الطويل الأول؟ في البداية، تقدم عهد فيلمها هذا كجزء من حياتها وتجربتها الخاصة، وبالتالي كانت لمسة إنسانية جميلة، حينما أهدت الفيلم لروح سائقها الخاص، حينما كانت طفلة يافعة. ومن هنا تأتي قصة الفيلم: عائلة في حالة مادية جيدة تعود للتسعينات، مكونة من أب سعودي وأم من أصول فلسطينية، كانا قد التقيا أثناء الدراسة في أمريكا، يحظيان بطفلة واحدة هي «سلمى»، يتخذ لها أبوها سائقًا سودانيًا جديدًا هو «قمر»، سيكون متكفلًا بنقلها إلى المدرسة والعناية بها، حتى عودتها إلى المنزل. ثم سيقفز الفيلم إلى مرحلة زمنية، حيث نرى «سلمى» في الثانوية، بكل عنفوان واندفاعات الفتاة المراهقة، بأداء رائع من الممثلة رولا دخيل الله، يكشف عن شخصية مرحة ومغامرة وفضولية، وإحساس إنساني وعاطفي. لا شيء أكثر من ذلك على مستوى حبكة الفيلم وتسلسل أحداثه، وهو ما تعيه جيدًا المخرجة عهد، حيث لم تكن تطرح فيلمًا تشويقيًا يهدف إلى سلسلة أحداث متصاعدة، بقدر ما كانت تهدف إلى بسط مساحة كبيرة من الحالة الإنسانية، تتعلق بالاحتياج العاطفي، وبالاعتياد الآمن، وبالطبع طبيعة العلاقات الطبقية، حينما يزاحم الشعور الإنساني تلك الصورة الذهنية النمطية.

ومن هنا يمكنني القول إن عهد كامل نجحت في هذا الجانب، بينما يأتي نجاحها الأهم في محافظتها على أسلوبها الخاص إخراجيًا؛ فهي تقدم مشاهدها بقدر أكبر من الهدوء والروية، وتحاول إبراز شخصيات أبطالها كمؤثر فاعل دون افتعال في تكوين الأثر المطلوب للمشاهد. ما زالت تعتني بحركة الكاميرا وتكوين الكادر بشكل سلس ومريح للرؤية البصرية، وتستعين بإيقاعات هادئة لا تحتمل كثرة التقطيع والتنقل. ما زالت المرأة موضوعًا مهمًا في حكاياتها، بشكل إنساني أكثر من كونها ضحية انفعالية محتجة وثائرة. ما زالت تقدم حوارات معقولة، وربما مقتضبة، وحينما تضيف لها لمسة طريفة كوميدية، فهي لا تبدو مقحمة أو منفرة. وبالطبع، عنايتها الشديدة في تقديم الممثلين وضمان نجاحهم في تقديم شخصياتهم، وهو الأمر الذي برز في أغلب الممثلين، وعلى رأسهم بطلة الفيلم، الممثلة الصاعدة رولا دخيل الله، وهو ما لا يمكن استغرابه، فعهد نفسها أثبتت قدرتها التمثيلية من قبل.

فيلم (سلمى وقمر- 2024)
فيلم (سلمى وقمر- 2024)

وأخيرًا… نعم، لقد نجحت المخرجة عهد كامل في تقديم فيلم لطيف وجيد، واحتفظت بسمتها الخاصة التي عرفها بها متابعوها منذ بداياتها، وأضافت عملًا سعوديًا دراميًا يعطينا الأمل بوجود ظاهرة ممتدة وناجحة من أعمال الدراما، التي ستشكل يومًا ما هوية السينما السعودية، بعيدًا عن الأفلام الشعبوية والتجارية.

سلمى وقمر
فيلم (سلمى وقمر- 2024)

فيلم الافتتاح ( سوار ) : ماذا يعني أن يكون ابنك !!

ما زلت أذكر الحادثة!.. لقد كانت «قضية رأي عام» حينها؛في مطلع الألفية الجديدة تكتشف عائلة سعودية من نجران أن ابنهم تبدل أثناء الولادة في المستشفى بابن آخر لعائلة تركية، كان الأمر مفزعًا حينها، لا يمكن استيعابه، كيف لكل هذه المشاعر واللحظات الفريدة والأوقات الجميلة وحتى المعاناة التي قضيتها مع هذا الابن أن تتلاشى أمام فكرة أنه ليس ابنك في الحقيقة؟! الأمر لا يظهر كمُجرد حادثة غريبة تثير الحنق والكثير جدًا من التعاطف بقدر ما هو مُساءلة وجودية أيضًا لحقيقة العلاقة التي تتجاوز الروابط البيولوجية.

 أن يكون فيلم الافتتاح هو العرض الأول لإعادة رواية هذه الحادثة لهو اختيار جيد ومثير يعبر عن رسالة مهرجان أفلام السعودية، هذا المهرجان الأصيل وحذاقة منظميه كما هي عادة المهرجانات وسِمتها في اختيار فيلم الافتتاح لكونه عرضًا أوليًا أو فيلمًا يحمل قدرة خاصة على إثارة الجدل أو غرابة التجربة. 

على أنني هنا لن أفوت فرصة العتب الكبير على الكثير ممن غادروا حفل الافتتاح قبل مشاهدة الفيلم مكتفين بالبروتوكولات الشكلية ومسيرات السجادة الحمراء وفلاشات الكاميرا واللقاءات الإعلامية الساذجة، لم يكن هذا سلوكًا سينمائيًا مراعيًا يا أصحاب، فقبل العرض كان المخرج أسامة الخريجي وبخطوة جميلة قد دعا جميع العاملين في الفيلم -والذين لا أشك أنهم مروا بأوقات صعبة وعصيبة لإنجاز هذا العمل – للوقوف على خشبة المسرح، كانت مشاهدة الفيلم أكثر من كافية لإظهار التقدير اللازم. حسنًا لندع العتب جانبًا ولنتوجه إلى الفيلم بشكل مباشر. «سوار» الفيلم الروائي الطويل الأول للمخرج والمنتج أسامة الخريجي وهو يشير عبر الاسم -أو كما أفهم- إلى السوار الذي يوضع على المولود ويحمل بياناته كاملة بعد ولادته ولكنه بطريقة سيمولوجية أيضًا سيشير إلى مفهوم العائلة كسوار لأفرادها.

 انتهج المخرج – المشارك أيضًا في الكتابة – الشكل الروائي في سرد الرواية، وذلك من خلال تقسيم الفيلم لثلاثة فصول، حيث سيتعلق الفصل الأول والذي أسماه «شك» بالعائلة التركية، نرى العائلة ووضعها المادي والاجتماعي وكل الصعوبات المهنية المعتادة التي تواجه رب العائلة وحالات التنمر والإقصاء التي يمر بها الابن بسبب شكله وملامحه التي تعبر بطبيعة الحال عن إنسان الجزيرة العربية وليس العرق التركي، إنه الولد الذي تم تبديله.

فيلم سوار (2025)
فيلم سوار (2025)

لكن الأمر المهم الذي سنراه هنا هو الحالة الشعورية التي تعيشها العائلة وتحديدًا الأب والذي لم يكن راضيًا في البداية عن إجراء اختبار الحمض النووي «DNA»، ولم يكن مستعدًا على الإطلاق لقبول فكرة أن ابنه «يعقوب» ليس ابنه فعليًا حالة من التوتر المؤسفة استطاع المخرج تجميعها في زخم متواصل يصل في ذروته عند مشهد جميل أبدع الممثلون الأتراك في تأديته حينما يتوقف على جانب الطريق وينزل مفكرًا بحزن وألم يدفعه للبكاء؛ لم يكن الأمر مجرد شك، بل هو حالة من الاضطراب والتوتر والقلق والرغبة في الهروب عن مواجهة الواقع.

ينتقل الفيلم في ثلثه الثاني إلى السعودية، وتحديدًا نجران بكل تقاليدها، والطبيعة العفوية الطريفة والمرحة للإنسان النجراني، وتحت عنوان «إشاعة» والذي فيما أعتقد يشير إلى إشاعة تبديل الأولاد دون أن تدرك العائلة أنها هي من سيختارها القدر لتصدق على هذه الإشاعة، لربما كان العنوان سيبدو أكثر صدقًا وتعبيرًا لو كان «أصالة» أو «انتماء» لأن هذا الفصل خلافًا للفصل المتعلق بالعائلة التركية سيعبر هنا عن حالة مختلفة تمامًا وهي حالة الأصالة في التقاليد الاجتماعية فيما يتعلق باللبس -«الجمبية» مثلا- أو حفلات الزواج أو طبيعة العلاقات الصبيانية والتراتيب العائلية الهرمية، كما يتعلق بقوة الانتماء الأسري والاجتماعي.

فيلم سوار (2025)
فيلم سوار (2025)

 فهذا الابن «علي» وبأداء جميل وطريف يحمل نتيجة التربية عمقًا لا محدودًا في الانتماء العائلي، ويتجلى هذا أكثر في المشهد الأكثر تأثيرًا حينما يعود أبوه إلى السيارة ويتساءل الابن «علي» ما إذا كان قد دخل أبوه في عراك مع شخص ما؟ وأنه وبكل شجاعةٍ معلنةٍ لن يصمت أمام من يتعدى على والده أو يهينه، بل سيسحق كل من يتجرأ على ذلك. 

لقد كان ذروة هذا الفصل وقمة الحشد العاطفي الذي جمعه المخرج والأكثر تعبيرًا عن الارتباك النفسي والذهني لدى المشاهد الذي يدرك حقيقة أن هذا الابن بلهجته وتعابيره الطريفة وتمسكه المفرط بتقاليد المجتمع النجراني هو ابن العائلة التركية.

ثم سنأتي في الفصل الأخير من الفيلم، بعنوان «قضية»، وهو أضعف الفصول، لكنه كما يبدو وحسب رؤية الكاتب ومخرج العمل قد احتاج إلى توضيح حيثيات القضية ذاتها، وهو الأمر الذي لم يكن ملائمًا أمام الحالة العاطفية والتأملية التي عشناها خلال الفصلين السابقين، فكلما سعى الفيلم لتقديم تفسيرات معينة سيبدو أضعف فنيًا، حيث أعتقد أن الفيلم في الأصل لم يكن ليطرح حلولًا، ولكنه سيكتفي بأن نعيش ونشعر بالحالة ذاتها دون أي إملاءات مُعينة، لكن رؤية العمل كما أفهمها هي رصد ما حدث وتجلية لأي غموض ممكن، وعرض تداعيات هذه المصيبة التي حلت بعائلتين مختلفتين تمامًا.

فيلم سوار (2025)
فيلم سوار (2025)

فعلى المستوى الفلسفي سنجد أنفسنا أمام تساؤل مضني: هل الأبوة علاقة بيولوجية؟ هل الهوية نتيجة الطبيعة الجينية أم هي ما يمكن أن نصبح عليه بسبب التنشئة والبيئة؟! ثم ماذا عن الموقف الحقيقي في الاختيار؟ والتي ستقودنا في نفس الوقت لمأزق الحرية؛ فبحسب فلسفة سارتر الوجودية وشيء من فلسفة هايدغر ربما نمر بما يسمى «التحول الوجودي» حيث لا نكتشف حقيقتنا ونعرف ما نحن عليه من حيث ما وجدنا أنفسنا فيه، وإنما من خلال ما نختاره بوعي، ومسؤولية، حينما تلطمنا الحياة بكارثة أو مأساة ما. هذا الأمر سيدركه كل أب يضع نفسه مكان أبطال القصة وسيلح عليه السؤال دائمًا: «ماذا يعني أن يكون هذا ابني وأنا أبوه؟! وهذا تحديدًا برأيي ما كان يجب على الفيلم أن يُعمقه رغم اللمحات غير القليلة التي رأيناها تنحى هذا المنحى.

فيلم سوار (2025)
فيلم سوار (2025)

أخيرًا سأحيي المخرج وكتاب العمل على الفيلم كما أشيد بعدد من اللقطات الجميلة وزوايا التصوير، التي قام بها مدير التصوير والمخرج أيضًا بلال البدر، رغم تحفظي على شيء من التكاسل في تحريك الكاميرا، وتنويع اللقطات، لضخ قدر أكبر من المعنى، لكنني سأقبل كل شيء أمام اللقطة الطويلة البارعة في ختام الفيلم.

بالنسبة للأداءات ومع نجاح جميع الممثلين الأتراك، فستحسب للمخرج ميزة إدارة الممثلين بهذه الطريقة الجيدة، والذين أشاهدهم لأول مرة باستثناء الممثلة السعودية سارة بهلكي، والتي نجحت رغم اختلاف اللهجة والبيئة والدور الجديد كليًا في تقديم شخصية الأم السعودية النجرانية بشكل جيد ومؤثر -أو على الأقل حسب رؤية شخص لم يتشرف حتى الآن بزيارة نجران ومعرفة طبيعة أهلها-، إضافة إلى الممثلين الذين أشاهدهم للمرة الأولى، مثل: فهيد محمد آل دمنان بدور الأب «حمد»،  وحسن محمد آل شكوان بدور العم «حسن»، بأداء سلس ومتوائم مع أغلب المشاهد، دون انفعالات مزعجة، وبالطبع الابن «علي» والذي قدمه ببراعة مبهجة الطفل علي محمد آل شكوان، واستحوذ على كل المشاهد المضحكة، وهو الأمر الذي جعل من مواقفه الدرامية التراجيدية أكثر تأثيرًا.

فيلم «سوار» تجربة أولى جيدة لصناع العمل وإضافة تستحق الحديث واختيار ذكي من المهرجان.

The King of Laughter 2021

*7/10

فيلم ايطالي جيد حول سيرة أسطورة المسرح الهزلي النابولية إدواردو سكاربيتا. الذي يواجه في عز نجاحه محاكمة اتهامه بمحاكمة مسرحية جادة . فاز النجم الإيطالي توني سيرفيلو بجائزة أفضل ممثل في مهرجان فينيسيا عن دوره هنا كما فاز الفيلم كأفضل أزياء

Ballad of a White Cow 2020

*8/10

فيلم إيراني جميل,كان قد شارك في برلين من اخراج مريم مادام وبهتاش سانيها حول امرأة بطفلة صماء يعدم زوجها لكنها بعد سنة ستأتي مفاجأة تسوق حياتها بطرق غامضة في ظاهرها منحة من السماء!

My Little Loves 1974

*7.5/10

Mes Petites Amoureuses

الفيلم الثاني لجان اوستاشي الذي لم يخرج سوى فيلمين روائيين طويلين هذامع فيلمه الرائع جدا والافضل The Mother and the Whore بينماله عدد من الافلام الوثائقية اشهرها Zero . هنا رحلة الصبي دانيال الذي انتقل مع والدته من الريف لجنوب فرنسا ليعيش بطريقة مختلفة بعيدا عن المدرسة ووسط عمله في محل إصلاح دراجات وصحبته للكبار وأفكاره حول الجنس اللآخر . ليدرك حينها أنه نضج مبكرا عن أقرانه

Sweet Smell of Success 1957

*7/10

دراما نوار من الخمسينات , في عالم الاعلام والصحف ..  كاتب عمود في برودواي قوي وغير الأخلاقي . يُجبر الوكيل الصحفي عديم الضمير سيدني فالكو على تفكيك قصة شقيقته الرومانسية مع موسيقي جاز.

A Good Marriage 1982

*7/10

مع الفرنسي اللامع إريك رومر ومحاولاته الدؤوبة لتشريح العلاقات العاطفية في أفلامه .. هنا سابين تقرر انها لن ترتبط إلا بعلاقة جادة تتجه فيها للزواج من رجل مناسب وبالرغم من غرابة موقفها كما تراه أمها إلا أن صديقتها تتفهم هذا الشيء وتشجعها عليه من خلال تعريفها بابن عمها التي سترى سابين فيه الرجل المناسب . فازت الممثلة باتريس روماند بدور سابين كأفضل ممثلة في مهرجان فينيسيا

The Batman 2022

*8.5/10

سيكون أحد أفضل أفلام السنة وبالطبع أحد أفضل الأعمال المقدمة عن الشخصية الأسطورية الأشهر في السوبر هيروز ” باتمان ” وربما أيضا أفضل هذه الأعمال منحيث الإخراج الذي برع فيه مات ريفيز كثيرا وقدم غوثام كمدينة بكل سوداويتها وتعفنها الفاسد وشخصياتها المضطربة بجانب شخصية بروس واين المرتابة . فيما القصة تبدو مثيرة ومشوقة للغاية . فهناك قاتل تسلسلي مختل يستهدف كبار الشخصيات في مجتمع غوثام السياسي .

The Fifth Seal 1976

*7.5/10


فيلم هنغاري جميل ، وبشكل جدلي حيث يعود لعام 1944 في بودابست زمن الحرب ، حينما اجتمع صانع ساعات وبائع كتب ونجار وضيف عابر في جلسة شرب ونقاش بمشاركة مالك الحانة ، فيما ستتتغير الأمور ونظرتهم لأنفسهم والحياة حينما يطرح صانع الساعات سؤالًا افتراضيًا فلسفيا !!