المرأة في سينما 2017 ذاتاً وموضوعاً !

في الحفل الأخير عام لجوائز الغولدن غلوب 2017 كان – وبحسب ماكان منتظرا أو متوقعا عند الكثير – قد تم  الاعلان عن فوز مسلسل ” حكاية خادمة ” The Handmaid’s Tale في موسمه الأول كأفضل مسلسل درامي في السنة !! لم يكن الأمر متعلقا فحسب بمستوى القصة الدرامي وغرابتها المثيرة وإنما تبدو المعالجة هنا لموضوع ” المرأة ” ككيان وهوية إنسانية أكثر بعدا وعمقا … وأكثر سوداوية !! حينما تعلن فكرة المسلسل التي كتبها بروس ميلر أن النظام الأبوي البطريركي ليس نظاما تاريخيا يمكن السخرية منه فحسب .. بل فكرة مرعبة ومحتملة في ظل النزعات البشرية التي تتعامل مع الأمور ببراغماتية محضة ! ففكرة المسلسل تدور في المستقبل القريب حيث تبدو البشرية على حافة الانقراض حينما تتوقف النساء تماما عن الحمل والإنجاب لسبب ما سوى مجموعة نادرة من النساء اللاتي تقوم الحكومة الأمريكية حينها باعتقالهن واستغلالهن في الخدمة والانجاب وفق نظام ديكتاتوري ثيوقراطي صارم .. إنها فكرة موحشة أن كل التقدم التي حققته المجتمعات البشرية في مجال حقوق المرأة واستقلالها هو رهين النظام والقانون الذي يصنعه ” الذكور ” انفسهم !!
وعلى نفس المستوى من جوائز الغولدن غلوب يفوز كأفضل مسلسل قصير من نفس العام مسلسل Big Little Lies بنجماته الثلاث نيكول كيدمان وريس ويترسبون وشايلين وودلي والذي يتناول ” المرأة ” بشكل مختلف ينحو للإثارة والتشويق لكنه في المقابل يضع المرأة كمحور حدث حينما تكون ضحية تحرش واغتصاب وعنف منزلي !!
هذا الأمر لايبدو جديدا على مستوى التلفزيون أو السينما وانما هو امتداد متسق لسنوات سابقة يشكل فيها هذا الطرح نوعا من الصدى أيضا والانعكاس لتعالي صوت المرأة حقوقيا في العالم أجمع وبروز كل مظاهر الاضطهاد او التمييز التي تعانيه في محتلف المجتمعات وان كنت أعتقد ان مسلسل “حكاية خادمة ” يرمي حجر الجلة لمسافة أبعد مما كانت عليه سابقا !!
ربما أقرب صورة سينمائية لما سبق الحديث عنه هو الفيلم السويسري الذي قدمته المخرجة بيترا فولب عام 2017 في فيلم ” الامر الإلهي / The Divine Order ” حينما عادت بالزمن الى مطلع السبعينات في الريف السويسري حيث يبدو مجتمعا صغيرا يهتز استقراره ” الذكوري ” حينما تتأثر بعض النساء والزوجات بحركة مايو 1968 التي بدأت في المدن السويسرية الكبرى مطالبة بحق المرأة في التصويت !! وصراعها ضد ” الرجل ” في اكتساب مزيد من الاستقلال .
وحيث أن من يقف خلف الفيلم ” امرأة ” فهذا سيقودنا بطبيعة الحال إلى ابرز مخرجات 2017 والتي تتصدرها المخرجة الأفضل تاريخيا – بحسب وجهة نظري – والتي كانت المرأة محورا أساسيا في أفلامها وهي البلجيكية ذات التسعين عاما آغنيس فاردا صاحبة الروائع السينمائية مثل Le Bonheur 1956 , Cleo from 5 to 7 , Vagabond لكنها اختارت لعام 2017 أن تقدم فيلما وثائقيا جميلا ولطيفا للغاية بعنوان Faces Places حيث تتجحول في الريف الفرنسي مع المصور المحترف JR ليقوموا بتشكيل صداقات جديدة ورسم الكثير من الوجوه على الحوائط والجدران .
فيما يأتي أيضا اسم المخرجة الأمريكية صوفيا كوبولا باعتبارها اسما نسائيا بارزا لعام 2017 حيث فازت في مهرجان كان 2017 كافضل إخراج عبر فيلمها ” The Beguiled ” والذي تضع فيه صوفيا مجموعة من الفتيات في محل اختبار نفسي مضطرب عبر قصة بنات يحتمين في مدرسة بفرجينيا فترة الحرب الأمريكية الأهلية يتفاجأن بقدوم جندي جريح فيتولين رعايته والاهتمام به مما يدفع الامور الى نزاعات مضطربة وغير متوقعة .
وفي المقابل فإن النجمة أنجلينا جولي والمعروفة ايضا بمبادراتها الإنسانية كسفيرة للأمم المتحدة ونشاطاتها المتعددة في مجال حقوق المرأة وغيرها تعود مرة أخرى للإخراج هذا العام 2017 لتحقق فيلمها الروائي الطويل الرابع والأكثر نجاحا بتحقيقه أعجابا نقديا وجماهيريا حينما اعتمدت على أحداث واقعية من كتاب بنفس الاسم ” First They Killed My Father ” والذي تروي فيه الكاتبة والناشطة الكمبودية لونغ اونغ تجربتها الفظيعة حينما كانت طفلة تحت حكم الخمير الحمر !! وكان الفيلم قد حقق ترشيحا مهما كأفضل فيلم بلغة اجنبية في جوائز الغولدن غلوب 2017
بينما النجاح الابرز سينمائيا لعام 2017 سيكون من نصيب الممثلة ذات الخمس وثلاثين عاما غريتا غيرويغ والتي استطاعت أن تحصل على ترشيحين مهمين هما في الاوسكار هما افضل نص أصلي وافضل مخرجة في تجربتها الثانية عن فيلم هو الآخر كان مرشحا لاوسكار أفضل فيلم وأفضل ممثلة وهو فيلم الدراما الكوميدية Lady Bird حيث تروي غريتا هنا بالذهاب لمرحلة عمرية مضطربة لدى الفتيات ومقلقة بشأن تشكيل هويتها الأنثوية عبر حكاية فتاة الثانوية المندفعة التي لاتجد شيئا يجذبها في حيتها ومدينتها ساكرامنتو وسط توتر علاقتها داخل العائلة وقلقها من فرصة القبول في الكلية ورغبتها في انهاء روايتها الرومانسية الأولى !!
بقي أن اشير في النهاية إلى أن هناك عددا من المخرجات المميزات لعام 2017 قدمن أفلاما جميلة ذات موضوعات مختلفة وإن كانت في النهاية ذات نفس إنساني وحقوقي مثل الأمريكية كاثرين بيغلو في فيلم DETROIT
في قصة تعود للستينات حول الغارة التي شنتها الشرطة في ديترويت ضد إحدى الانتفاضات الشعبية بشيء من الممارسة العنصرية ضد السود , و النيوزلندية نيكي كارو بفيلم THE ZOOKEEPER’S WIFE تعود بدراما تاريخية حول عملية انقاذ المئات من الناس والحيوانات في حديقة حيوان في وارسو ايام الهجوم النازي في الحرب العالمية الثانية , و الاسكتلندية ليني رامزي بفيلم YOU WERE NEVER REALLY HERE حيث شاركت في مهرجان كان أيضا عبر قصة جندي محارب قديم يسعى لإنقاذ فتاة من عملية المتاجرة بالجنس , واليابانية نعومي كاواسي في قصة رومانسية عاطفية تجمع لعلاقة بين مصور فوتغرافي يعاني من تدرج ضعف البصر بفتاة ذات واقع منفصل ! والسعودية هيفاء المنصور في فيلم بايوغرافي باسم Mary Shelley عن العلاقة العاطفية المبكرة لماري شيللي مؤلفة الرواية الشهيرة ” فرانكشتاين “.

  • نشر في مجلة زهرة الخليج /أبريل 2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *