ربما أبرز مايمكن أن يلاحظه الكثير من المشاهدين لأفلام السينما الأمريكية هو التفاوت الواضح في الأـداء والتمثيل مابين مرحلة بداية السينما وكلاسيكياتها والمرحلة الحالية التي يبرز فيها الكثير جدا من نجوم الأداء الاستثنائي والأدوار التي تظل عالقة في الأذهان … لاشك أن شيئا ما قد حدث !!
ماحدث هو مزيج وامتداد مابين المسرحي الروسي ستانيسلافسكي .. المخرج ومعلم التمثيل الهنغاري لي ستراسبيرغ … “استديو الممثل” . ومحور الأمر كله هو في الهنغاري ستراسبيرغ الذي استلهم تجربة ستانيسلافسكي واستغل انضمامه لاستديو الممثل ليقدم نظريته ” الأسلوبية ” او ” الطريقة ” في التمثيل ويحدث هذا الفارق الذي لاحظناه خاصة إذا ماعرفنا ان من أبرز تلاميذه الذين استفادوا منه وطبقوا نظريته في التمثيل هم نجوم السينما مثل باول نيومان ومارلون براندو ومارلين مونرو وآل باشينو وداستن هوفمان وجين فوندا والين بريستن وجولي هاريس وغيرهم كثير وبالطبع .. جيمس دين الذي قال بعد ترشيحه لأوسكار أفضل ممثل عن فيلم المخرج إليا كازان East of Eden)) عام 1955 عن ( استديو الممثل ) إنه “أعظم مدرسة في المسرح و أفضل شيء يمكن أن يحدث لممثل” وبطبيعة الحال كان ستراسبيرغ واليا كازان ممن يقومون على التعليم في ” استديو الممثل ” الذي يعتبر حينها أرقى مدرسة تعليم للتمثيل في أمريكا بفضل وجود ستراسبيرغ تحديدا الذي قال عنه ميل غوسو ” أحدث ثورة في فن التمثيل لها تأثير عميق على الأداء في المسرح والأفلام الأمريكية ” بالرغم من أن ستراسبيرغ كان قد ترك ” استديو الممثل ” في مطلع السبعينات بعد ثلاثين سنة من العمل وتوجه مع زوجته آنا لإنشاء معهد Lee Strasberg Theatre and Film Institute ليواصل تطبيق نظريته في التمثيل ” الأسلوبية ” والوصول إلى أكبر قدر ممكن من الموهوبين بدل الطريقة الانتقائية في الاختيار والتي كان يعتمدها ” استديو الممثل ” مما وسع بالفعل مستوى تأثيره الكبير لعدة أجيال من الممثلين حتى يومنا هذا .
والآن مايلزم معرفته هو هذه النظرية في التمثيل التي درسها ستراسبيرغ لعقود والتي تسمى مابين ” الأسلوبية ” أو ” الطريقة ” أو حتى ” الذاكرة الشعورية ” .. وحينما يصف ستراسبيرغ نفسه نظريته فهو يقول : ” إن مجالي الاكتشاف اللذين كانا مهمين في عملي في أستديو الممثل وفي فصولي الخاصة هما الارتجال والذاكرة العاطفية. وأخيرًا باستخدام هذه التقنيات التي يمكن أن يعبر عنها الممثل المشاعر المناسبة المطلوبة للشخصية ” . وبالعودة الى الناقد ميل غوسو فإنه مسرحيا كان ستراسبيرغ يدفع الممثل الى التعمق في الشخصية ليس على المسرح فحسب وإنما ماقبل ذلك وقبل رفع الستار ومعرفة تاريخ الشخصية التي ربما تعود الى الطفولة لأن الشخصية التي تظهر أخيرا على المسرح إنما هي نتيجة وذروة وجود الشخصية !! يبدو الأمر متطرفا بعض الشيء للوهلة الأولى لكنه في الحقيقة هو محور أداء الشخصية بشكل كامل ومقنع ومؤثر وهنا يأتي مايمكن أن نسميه بالذاكرة الشعورية أو العاطفية حيث يرى ستراسبيرغ ان استدعاء هذه الذاكرة للمشاعر والعواطف ستدفع الممثل إلى الانغماس في الدور بحيث لايبدو الا انه هو نفس الشخصية التي يؤديها وليس ممثلا يؤدي شخصية في فيلم !! حيث يرى ستراسبيرغ ان التمثيل مجرد أداء لكن التقمص هو الشيء الأصعب والحقيقي في إبراز الشخصية . ولذا سيكون على الممثل حينها أن يبني هذه الذاكرة الشعورية من خلال التحضير للشخصية لدرجة العيش وفق ظروفها فالممثل الذي يريد أن يقدم شخصية رجل متشرد في الشوارع سيكون عليه أن يعيش لفترة ليست قصيرة كرجل متشرد ومن هنا يستطيع بناء ذاكرة شعورية عاطفية ستساعده فيما بعد في تأدية الدور بشكل حقيقي . ولذا لطالما سمعنا عن استعدادات الممثلين الغريبة تجاه أدوارهم كما فعل مارلون براندو حينما مكث لأسابيع في المستشفى دون حراك لمجرد أنه سيؤدي شخصية جندي طريح الفراش !! وفي الوقت الحالي ستستمع الكثير من مثل هذه التجارب كدخول السجن وتعلم حرفة معينة والتدرب على الموسيقى او الرقص والمبارزة وركوب البحر والامواج والحيوانات والعيش في مصحة نفسية والانعزال في غابة وعدم التنظف والحصول على كدمات وكسور وأشياء كثيرة يقوم بها الممثلون حاليا في مرحلة التجهز والاعداد لأداء دور معين وستفهم حينها أن هذا نوع من تطبيق ” الأسلوبية ” والاعتماد على الذاكرة الشعورية كما كان يكرسها ستراسبيرغ لسنوات طويلة .