اللون في السينما … تاريخه وغايته !!

كان المخرج الروسي العظيم أندري تاركوفسكي يعتقد ” أن اللون يشكل عائقا رئيسيا في خلق الإحساس الحقيقي بالصدق على الشاشة !! وأنه اصبح ضرورة تجارية أكثر منها إمكانية جمالية ”
ولذا فهو يتفهم كثيرا أن يكون هناك توجه لتحقيق الافلام بالأبيض والأسود في عقود السينما الأخيرة فهي بطريقة ما تشي برؤية فنية وجمالية يعبر عنها مخرج العمل ويعتقد أنها الأنسب حينها.
ولذا حتى تاركوفسكي نفسه لم يقدم من أعماله السبعة الشهيرة فيلما ملونا بالكامل سوى آخر أفلامه ” The Sacrifice 1986 ” وهذا مايعطي حديثه قيمة إضافية حينما يقول ( إن إدراك اللون هو ظاهرة فسيولوجية وسيكيلوجية … وينبغي فعل شيء لتحييده إذا أراد الفنان أن يكون أمينا للحياة . هنا يتعين عليه أن يقوم بمحاولة لتحييد اللون وتخفيف آثاره على الجمهور )
بالتأكيد هي وجهة نظر من مخرج كبير ومهم لكننا في المقابل يمكن أن ننظر إلى اللون بشكل مختلف حينما نشاهد بعض أعمال كبار المخرجين أيضا … كوروساوا مثلا في فيلمه Dreams 1990
لكننا بعيدا عن الجانب الفني في النظر لموضوع اللون لنلقي نظرة سريعة حول دخول اللون في السينما ..
بداية فإنه لايمكننا تحديد تاريخ على وجه الدقة أو فلم يمكن اعتباره بداية عصر الألوان في السينما. فهو كالصوت تماما ظل لفترة طويلة عنصرا من عناصر التجربة السينمائية ثم جاء أخيرا كنتيجة تراكمية . ففي بداية السينما كانت هناك محاولات واسعة الانتشار  للتلوين اليدوي  في الشرائط السينمائية وخاصة في الأفلام القصيرة جداالتي لاتكلفها هذه العملية اقتصاديا ويذكر أن ميليس قام بتوظيف احدى وعشرين سيدة في استديوهات مونتريه للقيام بالتلوين اليدوي كما كان يفعل أديسون كذلك حينما صبغ جزءا من فلمه ” سرقة القطار الكبرى ” – أول فلم ويسترن- وهو مشهد انفجار البارود.
وعندما زاد طول الأفلام كان لابد من حل آخر وهو مافعله الفرنسي  شارل باتيه عام 1905 – او نابليون السينما كما يسميه المؤرخ السينمائي جورج سادول- حينما اخترع طريقة آلية  تقوم على تلوين الشريط السينمائي بعد تصويره عن طريق ألواح مثقوبة يمر عليها الشريط حيث تتطابق هذه الثقوب مع المناطق المراد تلوينها بستة ألوان متاحة.وبحلول عام 1910 كان عند شارل باتيه واخيه مايزيد عن خمسمائة عاملة للتلوين بهذه الطريقة التي كانت تسمى الاستنسل.وفي حلول الثلاثينات الميلادية كانت هذه الطريقة منتشرة في كل أوربا .
اما في أمريكا فكانت هناك طريقة أخرى للتلوين تم تسجيلها في مدينة سانت لويس عام 1916وتعرف باسم عملية هاند شيجل وهي طريقة تتيح استعمال ثلاثة ألوان في الأفلام ذات الميزانيات الكبيرة مثل فلم ” شبح الأوبرا” عام 1925لروبيرت جوليان.
وعندما أصبحت السينما صناعة عالمية كبرى خلال العشرينات كان هناك حاجة  لانتاج كمية كبيرة من النسخ ادى الى تطور طرائق الصبغ والتلوين والتي كانت تعتمد على تلوين آلي يأتي بعد التصوير وكان البعض يقوم بتلوين مشاهد معينة فقط من الفلم.مع ماتتضمنه هذه الطريقة من مشاكل وعدم دقة خاصة من دخول الصوت حيث أصبحت الصبغات تؤثر على الصوت نفسه المسجل على شريط السليو لويد. وهنا جاء دور شركة ” ايستمان كوداك ”  التي اخترعت عام 1929 شريط السونو كروم  وهو شريط سليولويدحساس بالأبيض والأسود  متاح أصلا بأصباغ متعددة تطابق تلك التي تستعمل في الطريقة الآلية السابقة وهذا مايعني ان عملية الصبغ أصبحت تتم قبل التصوير لابعده كما كان. ولذا فقد كان على المنتج أو المخرج أن يختار الفلم الخام بالصبغة التي تلائم مايريد هو تحقيقه من مؤثرات خاصة. وهكذا استمر مجال التصوير السينمائي الملون يسير بخطى سريعة ليصل الى الطريقة المثالية المتبعة حاليا.مارا خلالها بعدد كبير ومتسارع من التجارب والمحاولات أهمها مافعلته شركة ” تكنيكلر” التي استمرت حتى السبعينات وساعدت طريقتها الجديدة التي خرجت في العشرينات على الاستخدام التجاري واتاحة انتاج نسخ متعددة من الأفلام الطويلة.واصبحت طريقة شركة التكنيكلر هي الأشهر والمعتمدة حتى عند كبريات شركات الانتاج السينمائي الأمريكية.وكان الفلم الشهير ” ذهب مع الريح ” الأنموذج الأمثل لنجاح وفعالية طريقة التكنيكلر بقدر اقل من عيوب التلوين.ورغم ان تكاليف هذه الطريقة حدت من انتشارها الا ان الشركة استطاعت التغلب على ذلك في عام 1941 من خلال انتاج شريط مونوباك تكنيكلر.
 
 
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *