اذا ماجاء الحديث عن التأريخ السينمائي وأبرز كتبه فسيأتي المؤرخ والناقد السينمائي الفرنسي جورج سادول في مقدمة كل الاسماء الأخرى ممسكا بكتابه الهام والاشهر ” تاريخ السينما في العالم ” الذي أضحى الآن مرجعا مهما ومصدرا لكل من يبحث في تاريخ السينما ويكتب عنها.
ولد جورج سادول في باريس عام 1904 وكان صحفيا وكاتبا سينمائيا لكنه حصل على دكتورة في تاريخ الفن من جامعة موسكو ودرس في المعهد السينمائي الفرنسي وكتب عدد من الاعمال السينمائية المؤثرة كما كتب سيرا ذاتية عن مشاهير السينما مثل جورج ميليس وشارلي شابلن , وفي الثلاثينات الميلادية كان شيوعيا ماركسيا مما جعل البعض ينتقده معتقدا ان نظرياته السينمائية كانت قد تأثرت بتوجهاته السياسية .وتوفي جورج سادول في باريس عام 1967 بعد تسع سنوات من تاليفه الاول لكتابه الشهير ” تاريخ السينما في العالم ” وهو انموذج لما كان عليه جورج سادول من الدقة وبذل الجهد والتحري في تاليف هذا الكتاب . فكان قد أنها بداية في كتابة تاريخ السينما منذ نشأتها حتى عام 1919 في أربعة أجزاء ضخمة مركزا فيها على ستة أو سبعة من الدول الاساسية المتقدمة في الانتاج السينمائي دون اهتمام يذكر بالسينمات الاخرى القادمة من أفريقيا وآسيا واميكا اللاتينية . لكنه استمر ولمدة ثمانية عشر سنة يقوم بتعديله والاضافة اليه في كل طبعة حتى انهاه عام 1958 تحتى مسمى ” تاريخ السينما في العالم ” متحدثا باسترسال عن اكثر من خمسين دولة ذات انتاج سينمائي بعد عناء كبير وسنوات من السفر والتنقل والتردد على المكتبات السينمائية وحضور أكثر من مائة مهرجان سينمائي حول العالم والانتقال للعيش في دول متعددة ليكون اقرب الى ادراك انتاجها السينمائي حيث زار الهند والصين والايابان والمكسيك وكوبا والبرازيل والارجنتين والاتحاد السوفيتي وتشيكسلوفاكيا – في وقته- ورومانيا وهنغاريا ويوغسلافيا وتونس والجزائر ومصر وسوريا ولبنان وكان على حد قوله في زياراته هذه يمتنع عن زيارة المتاحف والاماكن السياحية ويحبس نفسه في قاعات العرض ليشاهد مايقارب المائة فلم من الافلام الطويلة في كل بلد حتى خرج الكتاب في طبعته الفرنسية فيما يقرب الخمسمائة واربعين صفحة وتم ترجمته الى اكثر من عشرين لغة مع ان سادول كان يحرص في طبعة كل ترجمة ان يكثف اهتمامه بسينما تلك البلد ويوسع صفحاتها كما حدث في الطبعة العربية التي كتبها استجابة لما عهدت اليه اليونسكو بكتابة مقتطفات مكرسة عن السينما العربية وتاريخها وحالها الحاضر وتطوراتها . وهو مع ذلك يقول عن كتابه هذا ” انها لصفحات قليلة تعجز عن احتواء سبعين عاما من التاريخ في سبعين بلدا خصوصا اذا ماأريد للكتاب أن يظل مقروءا وان لايأتي شبيها بدليل للهاتف يعدد اسماء السينمائيين وعناوين الأفلام ”
وقد احتوى كتابه ” تاريخ السينما في العالم ” على سبعة وعشرين فصلا ابتداها بنشأة السينما منذ اختراعها وبداياتها مع لوميير وميليس وباتيه مرورا بما سماه بالاندفاع الامريكي الأول وفلم الفن عند فرنسا والسينما الشمالية الايطالية ثم مادعاه بالارتقاء الامريكي والكشوف الالمانية والانطباعية الفرنسية والانفجار السوفيتي .ثم بناء هوليوود وظهور السينما الناطقة قبل ان يعود مرة اخرى الى الواقعية الشعرية الفرنسية وانطلاقة السينما السوفيتية الجديدة ونهضات في انجلترا واوربا ثم الحديث عن الواقعية الايطالية الجديدة والموجة الفرنسية فترة الخمسينات الميلادية ثم تحدث في الفصول الاخرى عن السينما في العالم مثل امريكا اللاتينية والشرق الاقصى والسينما الاسيوية والهندية والعالم العربي والسينما الافريقية متحدثا عن عدد من الدول التي لايكاد يوجد لها أي اثر سينمائي حاليا او لاتمتلك أي صناعة سينمائية مطلقا. وقد تحدث عن التاريخ السينمائي في السعودي فترة الستينات الميلادية معتقدا ان القانون حينها يحرم وجود سينمات مخصصة للعرب في حين ان التواجد الموظفين الغربيين في كبرى الشركات السعودية مثل ارامكو كان يحضى بصالات سينمائية تستقبل آخر انتاجات هوليوود وكيف انه في عام 1965 كانت السعودية الدولة الوحيدة في العالم العربي التي يجهل سكانها رسميا كل شيء عن السينما ويستشهد ايضا بكلام محرر جريدة لوموند الفرنسية ايريك رولو الذي ذكر انه في تلك الفترة تجاوز الملك فيصل ذلك القانون الذي يحرم السينما وافتتاح دور العرض وذلك باقامة شبكة تلفزيونية رغم معارضة واحتجاجات الجهات الدينية في البلد وكيف ان البرامج حينها كانت دينية تعليمية في باديء الامر قبل ان تتطور الى صيغة اكثر تسرية عبر عرض ميلودرامات مصرية يجتزأ منها تلك المشاهد التي تبدو فيها النساء على شيء من التعري..
واخيرا فانه بقدر مايعني كل مهتم بالسينما وتاريخها مثل هذا الكتاب فانه من المؤسف ان يكون مثل هذا التأريخ السينمائي قد وقف عند منتصف الستينات الميلادية والاكثر أسفا هو الانجد مؤلفا عربيا قد عني بكتابة التأريخ السينمائي وتقصيه في البلدان العربية ونضطر الى الرجوع دائما الى مثل جورج سادول للتعرف على هذا التاريخ.