في عام 2000 كان هناك مجموعة من الهنود الهندوس المتعصبين قد توجهوا الى موقع تصوير فيلم Water في فاراناسي ليقوموا بتخريب الموقع والديكورات وتهديد العاملين واحراق الصور التي تحمل صورة المخرجة الهندية ديبا ميهتا احتجاجا على فيلمها الذي يرون فيه تشويها وتعارضا مع التعاليم الدينية الهندوسية ! كان على الفيلم أن يتوقف أكثر من اربع سنوات قبل أن يستأنف التصوير في سيرلانكا تحت اسم وهمي لتجنب لفت الانتباه في الوقت الذي تداعي صناع السينما في العالم لتأييد المخرجة والوقوف معها وعلى رأسهم المخرج والمنتج الشهير جورج لوكاس الذي نشر أعلانا في صفحة كاملة على مجلة “فارايتي” لدعم ديبا ميهتا في نضالها لصنع هذا الفيلم عندما أوضحت السلطات الهندية نواياها لإغلاق الإنتاج. قبل أن تقوم إحدى شركات إنتاج كندية مثل تيلي فيلم كندا ونوبل نوميد بكتشر وديفيد هاميلتون برودكشن وغيرها بالمشاركة في إنتاج الفيلم وتتقدم به كندا لسباق الأوسكار ليحصل على ترشيح افضل فيلم أجنبي عام 2005 .
هذا الفيلم الجدلي الذي أثار كل هذا الغضب والاستياء وواجه مثل هذه التعثرات قبل خروجه للنور يأتي كثالث أفلام ” ثلاثية العناصر : نار , أرض , ماء ” والتي تقول ديبا عن سبب إطلاق هذه الاسماء على أفلامها الثلاثة : ” أن هذه العناصر هي التي تغذينا وترعانا , في القوت نفسه تملك القدرة على تدميرنا , كل أفلام الثلاثية تتعامل مع حالات الانبعاث والموت ” . وكانت ديبا قد بدات هذه الثلاثية عام 1996 مع فيلم ” نار ” حول علاقة اجتماعية عاطفية بين امرأتين من الطبقة الوسطى ثم عام 1998 مع فيلم ” أرض ” والذي يدور حول قصة حب وسط نزاعات سياسية عنصرية في الاربعينات مابين الهنودس والمسلمين في الهند . وأخيرا أفضل أفلام الثلاثية واكثرها نجاحا هذا الفيلم ” ماء ” والذي فضلا عن ترشيحه لأوسكار أفضل فيلم أجنبي كان قد حصل على اشادة كبيرة من نقاد السينما في جميع المهرجانات التي شارك فيها وتواجد حينها في قوائم النقابات والجمعيات السينمائية كما حضي باعجاب جماهيري ملفت انعكس أيضا على احتفاء وتقدير كبير للمخرجة ديبا نفسها بفضل صدقها وشجاعتها وعدم استسلامها أمام كل العوائق والتهديدات لأيصال صوتها ورسالتها الإنسانية. ولايمكن بطبيعة الحال أن يخفى الخيط الرفيع الذي يربط بين أفلام الثلاثية والذي تعبر عنه المخرجة نفسها حينما تقول ( إذا كان فيلمي ” نار ” عن السياسة الجنسية فإن فيملي ” أرض ” عن السياسة القومية بينما فيلمي ” ماء ” عن السياسة الدينية واثرها على الفرد ” ) وهذا يعطينا فكرة كافية عن محتوى الفيلم الذي أثار غضب المتعصبين الهندوس حيث تتعرض المخرجة ديبا بشجاعة وحس إنساني عالي ومؤثر جدا لقصة الطفلة ذات الثمان سنوات ” شويا ” التي يتوفى عنها خطيبها المفترض !! وهنا حسب تقاليد دينية متعنتة ورؤية بطريركية لتعاليم مانو الهندوسية القديمة فإنه عند وفاة الزوج يتبقى أمام الزوج ثلاثة خيارات فقط .. أن تتزوج شقيق زوجها الأصغر أو ان تحرق مع زوجها المتوفي أو ان تبقى أرملى معزولة طيلة حياتها لاتخالط سوى نظيراتها من الارامل في مسكن معزول يلبسن البياض ويتجنبن الكثير من مباهج متع الحياة ومخالطة الناس في عملية تطهير حيث يتم اعتابر الأرملة فألا سيئا وموت زوجها وزر يقع عليها ! ولذا لإان الفتاة الصغيرة شويا تجد نفسها وقد سلمها اهلها إلى بيت الارامل لتعيش هناك حكاية حياة جديدة وسط علاقات مختلفة وأحداث تخترق برائتها الصغيرة . تقول المخرجة ديبا – ذات النشأة الهندوسية وابنة موزع أفلام في دلهي والتي درست الفلسفة في جامعة نيودلهي وقدمت أول اعمالها فيلما وثائقيا قصيرا عن ” زواج القاصرات ” ثم هاجرت لكندا لممارسة العمل الفني والتي يلهمها المخرج الهندي الأول ” ساتياجيت راي ” ويعجبها اليابانيان ميزغوشي واوزو والايطالي فيتوريو دي سيكا -عن فيلمها هذا والذي استمدت قصته من فترة الثلاثينات مع أواخر حياة المهاتما غاندي الذي كان يتنقل بين مدن الهند وأريافها : ” يعكس الفيلم بشكل أو بآخر مايحدث في الهند من نهوض للأصولية الهندوسية والتشدد الديني والحساسية المفرطة تجاه مايثير الشكوك , وإذا استطاع الفيلم أن يلهم الناس لفعل شيء ما في ثقافتهم الخاصة فذلك أمر هام ”
- تم نشر المقال في مجلة زهرة الخليج