قبل فترة نشرة مجلة ” فوربس ” الامريكية للمال والأعمال قائمة بأكثر الممثلين النجوم دخلا خلال عام 2017 في عالم السينما حيث تشير الأرقام الكبيرة جدا إلى ارتفاع القيمة التسويقية للنجوم الممثلين وإيمان شركات الإنتاج بأهمية ‘امل وجود النجم الممثل في الفيلم لجذب الجماهير . حيث تشير مجموع مادخله أعلى 20 ،جما ممثلا إلى 720 مليون دولار يتصدرهم النجم مارك والبرغ بمبلغ 68 مليون دلار عن فيلم Transformers: The Last Knight وهو مايعد مبلغا ضخما حتى بقياس ميزانية الفيلم العامة التي بلغت 217 مليون دلار ثم يليه دوين جونسون 65 مليون دولار , وفين ديزل 54 مليون دلار إلى آخر القائمة التي ضمت ايضا في المراتب العشر الأولى نجوم التمثيل في السينما الهندية مثل أكشاي كومار و سلمان خانت وشارو خان بمبالغ تتراوح مابين 35-38 مليون دولار .
ولكي نفهم كيف وصلت الامور إلى هذا الحد ربما علينا ان نعود عقودا من السنوات إلى الوراء والمرحلة التي تم فيها خلق فكرة ” النجم ” بعد فترة من التردد التي وجد المنتجون أنفسهم فيها مابين إعطاء النجم قيمة كعامل جذب جماهيري أو الخشية من إدراك هذا النجم لقيمته مما قد تدفعه لفرض شروطه واستقلاليته والمغالاة في أجره !
في مطلع القرن التاسع عشر حينما بدأت السينما ذاتها كان عليها أن تجد مكانا مناسبا امام الفن المسرحي الأهم والأشهر حينها خاصة مع حداثتها وقصر مدة عرضها التي لم تتجاوز في البداية الخمس عشرة دقيقة ولم يكن الممثل السينمائي ليجد أي مكانة قريبة من نجوم المسرح وقتها . والى وقت متأخر من بداية السينما كانت رابطة مخرجي برلين المسرحيين مثلا ترفض السماح لممثلي المسرح بالعمل في الأفلام باعتبارها فنا لايرقى لسمعة المسرح.وكذا الحال في بداية السينما اليابانية حينما رفضت مسارح الكابوكي السماح لممثليها بالظهور في الأفلام السينمائية. وفي أمريكا نفسها كان الممثلون في البداية يخجلون من وضع اسماءهم على الأفلام او مايطلقون عليها استهزاء ” صور الصفيح المهرولة “!!
لكن الأمور اصبحت تتجه بشكل آخر حيث اصبح الجمهور يرغب أكثر بالتعرف على هؤلاء الممثلين النجوم ويطالب ايضا بالكشف عن اسمائهم بدلا من اطلاق الألقاب عليهم كما كانت العادة مثل فتاة البايوغراف ” نسبة لشركة بايوغراف التي تظهر فلورانس لورانس في أفلامها والتي يمكن اعتبارها اول نجمة سينمائية بالمعنى الحديث و “ماري الصغيرة ” للممثلة ماري بيكفورد وغيرها .
وبالرغم من ممانعة المنتجين الذين كانوا وقتها يقفون على رأسه الهرم في الصناعة السينمائية ابتداء من المغامرة بإعطاء كل هذه القيمة للنجوم إلا أن بعضهم تعامل مع الأمر بطريقة مختلفة لتحقيق مكاسب أكبر كما هو حال شركة “أدولف زوكور ” التي اصبحت فيما بعد الشركة الكبرى الشهيرة ” بارمونت ” فقد عملت على تطوير النجمات تحديدا ولكن وفق عقود احتكارية مما دفع هوليود ايضا إلى صياغة سيناريوهات خاصة لمثل هؤلاء النجوم من الممثلين والممثلات والتي استطاع البعض منهم التحرر من هذا النظام وتلك العقود الاحتكارية لينتهي الوضع بإنشاء مايسمى بشركة ” الفنانون المتحدون ” بأسماء كبيرة مثل شارلي شابلن ودغلاس فيربانكس وماري بيكفورد معلنين استقلالهم التام عن كبار استديوهات شركات هوليود ومحققين في نفس الوقت نجاحا مشهودا مع بداية إنتاج الشركة تحديدا وتعثرها لاحقا لتتم العودة من جديد لسلطة الشركات المنتجة الكبرى في مرحلة مايسمى بنظام الاستديو.قبل ان تتغير فكرة ” النجم ” أيضا حينما قامت شركات الانتاج لاحقا باغراق الجمهور بمختلف وسائل الدعاية من صور فوتغرافية وصور حائطية وبطاقات بريدية اضافة لمجلات السينما التي تقوم بالترويج لهؤلاء النجوم جاعلة منهم اناسا اشبه بالأساطيرويقال انه كان في هوليوود وحدها مالايقل عن خمسمائة مراسل صحفي لنقل آخر أخبار النجوم وتحركاتهم واسرارهم وترى الكاتبة تري مارغريت ان هولييود حينها كانت ثالث اكبر مصدر للاخبار بعد واشنطون ونيويورك ونحو مائة الف كلمة كانت تخرج يوميا منها ونشأت حينها العديد من الاندية الخاصة بمعجبي نجم معين
لكن أطرف مايمكن الحديث عنه في موضوع استثمار النجوم وابرازهم تلك الفترة هو ماذكره الكاتب والمؤرخ السينمائي دافيد أي كوك في كتابه ” تاريخ السينما الروائية ” حينما أراد كارل ليمبل احد المنتجين المستقلين ان يعلن عن انتقال “فتاة البايوغراف ” فلورانس لورانس من شركة “بايوغراف ” الى شركته “الشركة المستقلة للأفلام ” حيث قام بعملية مفبركة ناجحة فبعد التعاقد مع فلورانس قام باشاعة خبر موتها ذاكرا اسمها الحقيقي لأول مرة عبر تقارير صحفية مجهولة ولاتحمل توقيعا . ثم أتبع ذلك بعمل حملة اعلانية كبيرة باسم شركته لنفي اشاعة موت الممثلة وانها مجرد كذبة للتشويش حول انتقال الممثلة فلورانس وتأكيدا لهذا الأمر فقد وعد كنغ باغوت الممثل الأول لشركة كارل ليمبل والذي يظهر اسمه لأول مرة كذلك بأن يرافق الممثلة فلورانس الى سانت لويس لحضور افتتاح أول أفلامها مع ” الشركة المستقلة للأفلام” مما دفع الكثير جدا من الجماهير والمعجبين الى التجمع والاحتشاد عند محطة القطار ليحضوا برؤية نجمتهم “فتاة البايوغراف” السابقة وهي على قيد الحياة. ويقال ان بعض المهووسين قاموا بتمزيق شيئا من ملابسها للاحتفاظ بها كذكرى ليعلن بذلك عن احدى اهم عوامل الجذب الجماهيري ومحاوراقتصاديات السينما التي مازلنا نرى تأثيرها حتى هذا اليوم.