ربما يكون المخرج البريطاني ” ألفريد هيتشكوك ” هو الاسم الاشهر والابرز عالميا حتى عند الذين لم يشاهدوا أفلامه أو يقرأوا القصص التشويقية التي انتحلت اسمه .. ولم يكن مستغربا أن تسمع شخصا يتحدث او معلقا رياضيا ليصف توالي الأحداث وغرابتها الغامضة او المشوقة بأنها جاءت ” بطريقة هيتشكوكية ” حيث يحل الاسم بديلا لمعاني التوشق والغموض والاثارة !! وهذا مايدفع لتساؤل دائما عن السبب بكونه ” سيد الإثارة ” كما يطلق عليه والدور الذي أضافه للسينما عبر أفلامه المتعددة والشهيرة فيلما لم ينتظمها مخرج من قبله أو بعده بهذا الشكل !!
في البداية كان ألفريد هيتشكوك ( 1899 – 1980 ) قد بدأ العمل في بريطانيا ليحضى بنجاح لافت و شعبية كبيرة في الأفلام الصامتة و الناطقة المبكرة , حتى انتقل إلى الولايات المتحدة في عام 1939 ليكمل مسيرته في هوليود وحتى وقت وفاته عام 1980 بعد أكثر من نصف قرن من العمل المجهد والتفكير الخلاق والقصص الاستثنائية ليترك من بعده إرثا عظيما من روائع السينما العالمية وتحفها الشهيرة من مثل
The 39 Steps التسع و ثلاثون درجة (1935) عن شخص يتورط في قضية عالمية و يفر من العدالة بلمسات كوميدية خفيفة ,
The Lady Vanishes المرأة التي اختفت (1938) عن شابة تتعرف على سيدة مسنة في قطار ثم تختفي المرأة المسنة و تتهم الشابة بالهلوسة ,
Rebecca ريبيكا (1940) شابة تتزوج من أرمل ثري و تعيش في قصره لكن شبح الزوجة الأولى يؤرقها ,
Shadow of a Doubt ظل الشك (1943) عن قاتل للأرامل المسنات الذي ينتقل إلى قرية صغيرة و علاقته من ابنة أخته التي تحمل نفس اسمه ,
Notorious نوتوريوس (1946) عن امرأة يتم توظيفها كجاسوسة للإيقاع بمجموعة من النازيين ,
Rear Window النافذة الخلفية (1954) عن شخص مقعد يقضي يومه بمراقبة جيرانه و يبدأ يشك بوقوع جريمة قتل في الحي ,
Vertigo فيرتيقو (1958) عن محقق خاص يكلف بملاحقة زوجة شخص ثري ثم يقع في حبها ,
North by Northwest الشمال في الشمال الغربي (1959) عن منظمة سرية تعتقل شخص بالخطأ تظن أنه جاسوس ,
Psycho سايكو (1960) عن امرأة تسرق مبلغ كبير من المال و تهرب من المدينة.
وحينما نعود للسؤال الأول عن السبب في كون هيتشكوك هو سيد الاثارة والغموض والتشويق بلا منازع فلن نكتفي بالإجابة البدهية التي تعول على مستوى قصصه فائقة الجودة والمفعمة بأجواء من الإثارة وحبكة الحدث مما اشتهر به هيتشكوك بشكل أكبر من غيره وإنما علينا أن نضيف لذلك رؤيته الخاصة في سرد هذه القصص وأسلوبه الفريد في معالجتها من حيث توظيف جميع الأدوات من موسيقى تصويرية و مونتاج و حركة الكاميرا وزوايا الالتقاط والتي أصبحت من علاماته المميزة حيث تتحرك بشكل مشابه لمنظور الشخص لإجبار المشاهد للتفاعل مع المشهد , كما يتميز بإختياره للكوادر التي تلبي أفضل غرض مطلوب من المشهد ( من خوف , تعاطف , إثارة ) و إستخدام المونتاج و الموسيقى بطريقة عبقرية جدا تجعل من مشاهدة معبأة بالمشاعر ويمكن ملاحظة ذلك في مشهد القتل الشهير في فلمه سايكو (1960) وصرخات الممثلة المفزعة تحت دش الاستحمام والذي يشاع وقتها ان الكثير من الفتيات اصبحن يخشين الاستحمام للأثر الذي أحدثه المشهد حينها فيما سنلاحظ من جهة أخرى أن غالب أفلام هيتشكوك تدور حول قصة الهوية الخاطئة أو الفار من العدالة أو عن جريمة قتل مخطط لها أو العميل السري و المؤامرات الدولية و وجود النساء الشقروات الباردات بقالب إثارة نفسية .فيما لايتوانى عن استخدام الكثير من الإشارات الجنسية و الكوميديا السوداء في أغلب أفلامه مما يجعل المشاهد أكثر تفاعلا معها .
وحيث ان هيتشكوك فرض نفسه كأيقونة سينمائية في السرد والاخراج فمن الطبيعي أن يلقي بأثره على الكبير على أجيال من صناع الأفلام الذين أتو بعده من مثل الفرنسي فرانسوا تروفو ( الأربع مئة ضربة , اقتل عازف البيانو ) والذي قام بكتابة مقال شهير جدا يتحدث فيه عن سينما هيتشكوك و بالأخص فلم ظل الشك كما قام بإخراج مجموعة من الأفلام بها محاكاة لما كان يصنعه هيتشكوك فضلا عن التحية التي قدمها تروفو لهذا المخرج العظيم في آخر أفلامه دون أن ننسى بطبيعة الحال الكتاب الشهير لتروفو حينما أجرى لقاء مطولا وشيقا مع هيتشكوك . كما يمكننا الاشارة ايضا للمخرج الأمريكي براين دي بالما ( كاري , سكارفيس ) حيث أخرج بعض الأفلام التي فيها احتكاك مباشر بهيتشكوك.فيما يرى البعض ان المخرج ديفيد فينشر ( سبعة , نادي القتال , زوردياك ) يأتي كامتداد لجيل المخرجين المتأثرين بهيتشكوك في عالم صناعة افلام الاثارة والغموض فضلا عن أن عددا من المخرجين كانوا قد استعانوا بنفس الموسيقار الذي عزف أشهر المقطوعات في أفلام هيتشكوك , (بيرنارد هيرمان ) مما جعل أفلامهم تحمل الطابع الهيتشكوكي بشكل عالي .