مجالس " الأفلام " الحكومية … أنموذج النجاح الكوري !

في العشرين من مارس هذا العام 2018 أعلنت الهيئة العامة للثقافة في السعودية مايمكن اعتباره مفصلية في صناعة السينما السعودية ونجاحاتها المنتظرة ..حينما أعلنت عن إنشاء ” المجلس السعودي للأفلام ”  معبرة عن هذا الأمر بأنه ” يأتي دعما للتنمية المستدامة لقطاع صناعة الأفلام في المملكة … و دعم المواهب، وتطوير القدرات الاستثمارية، لخلق قطاع حيوي ومزدهر لصناعة الأفلام والمحتوى الإبداعي.” كما غرد حساب الهيئة في تويتر .
فيما جاء في الخبر الذي حملته الصحف والمواقع الإخبارية ذالك الوقت بأن إنشاء هذا المجلس ” يهدف إلى تطوير قطاع حيوي وبيئة مزدهرة لصناعة الأفلام والمحتوى في المملكة، من خلال آليات التنمية الاستراتيجية والمستدامة، عبر المحاور الرئيسة للقطاع: “برامج التنمية والرعاية المتكاملة للمواهب، والأطر التشريعية والتنفيذية الداعمة والمرنة، والبنية التحتية والتقنية المتطورة للإنتاج الفني، وإتاحة الحلول والخيارات التمويلية، ومبادرات تطوير القطاع الثقافي بشكل عام في المملكة والترويج له ولهوية المملكة وثقافتها، داخل وخارج المملكة”
وقد بدا لي مثل هذا الإعلان عن أهداف المجلس وتطلعاته جذابا ومشجعا بدرجة كبيرة مما دعاني إلى العودة لاستقراء إحدى أهم تجارب المجالس العالمية للأفلام والتي تأتي بدعم حكومي طموح كما هو الحال مع هيئة الثقافة هنا فوجدت أن في تجربة ” مجلس الأفلام الكوري KOFIC/ ” مايبدو شيئا ملهما للغاية .

كوريا الجنوبية كغيرها كانت قد بدأت السينما منذ مرحلتها الصامتة في العشرينات ثم مرت بمرحلة العصر الذهبي كما يطلق عليه أواخر الخمسينات والستينات قبل ان تتراجع كثيرا بفعل السياسة وغيرها  في السبعينات لكنها تصل لأفضل مراحلها فنيا وتجاريا وانتشارا منذ نهاية التسعينات وحتى الان لدرجة انها في عام 2005  كانت من الدول القليلة التي يتم فيها عرض الأفلام المحلية أكثر من الأجنبيةأجبية المستوردة من امريكا وأوربا وغيرها !  وذلك بسبب القوانين التي تضع قيودًا على عدد الأفلام الأجنبية التي يمكن عرضها في كل مسرح سنويًا. في المسارح ، يجب تشغيل الأفلام الكورية لمدة 73 يومًا في السنة منذ عام 2006. على الكابل سيتم تخفيض حصة الأفلام المحلية بنسبة 25٪ إلى 20٪ بعد اتفاقية التجارة الحرة بين كوريا والولايات المتحدة.
هذه النتيجة تتزامن مع اعلان مجلس الأفلام الكوري وذروة نشاطه والذي كان قد بدأ عام 1973 ثم تحول لمسمى لجنة الأفلام الكورية عام 1999  ويصبح أكثر فعالية قبل ان يستقر عام 2004 على مسمى مجلس الأفلام الكوري خاصة بعد ان اصبح مضربا للمثل في المجتمع السينمائي العالمي في تحقيق الدعم والانتشار والنجاح الفني والتجاري حيث تصنف كوريا الجنوبية حاليا ضمن اكثر 10 دول في العالم دخلا في شباك التذاكر ( السابعة ) وحضورا جماهيريا في السينما ( الخامسة ) حسب احصائيات مابين اعوام 2012-2016 !! والنجاح الاكبر ان 8 أفلام كورية ضمن أكثر 10 أفلام دخلا في شباك التذاكر في كوريا لعام 2016 !! نجاح استثماري هائل يتزامن مع النجاح الفني العالمي!

ومن هنا يقفز السؤال الأهم : ماالذي فعله مجلس الأفلام الكوري والذي يمكن ان يكون ملهما ل للمجلس السعودي للأفلام بغض النظر عن الاختلاف مابيننا تاريخيا وتكريسا للفن ووجود أرضية للصناعة – ففي النهاية هناك ولابد مايمكن التماسه في هذه التجربة الناجحة !!
دعونا ننظر الى مايعلنه المجلس عن نفسه : ” يسعى مجلس الأفلام الكوري KOFIC وهو هيئة مدعومة من قبل الحكومة الى تعزيز ودعم الأفلام الكورية في كوريا وفي الخارج .هدف KOFIC  الأساسي هو تعزيز ودعم إنتاج الأفلام الكورية من خلال التمويل والبحث والتعليم والتدريب كما تسعى الى زيادة تطوير الأسواق الدولية للأفلام الكورية وتعزيز التفاهم بين الثقافات من خلال التبادلات الثقافية القائمة على الأفلام ”
هذا الاعلان لهوية المجلس واهدافه لم يكن مجرد مرسوما دعائيا
حيث حدث التالي:
1984 تأسيس اكاديمية فنون سينمائية
1997 إنشاء استديوهات وصندوق ترويج للأفلام الكورية
1998 الإطار القانوني للمجلس والصناعة
2007 أنشاء صندوق دعم الأفلام وتنميتها
2012 افتتاح مركز اعمال الكوري للأفلام ببكين!!
وعلى مستوى التفاصيل هناك الكثير مما يمكن معرفته واستفادته باستلهام هذه التجربة الفريدة سواء من حيث كيفية التعليم والتدريب او آلية الدعم المادي او استراتيجية الاستثمار باستقطاب الشركات الخارجية ودفع الشركات المحلية الكبرى للاستثمار في صناعة السينما أو شروط التوزيع في الصالات!
بطبيعة الحال كان من الممكن استلهام تجربة أكثر قربا من حيث اللغة والثقافة والهوية لكننا للأسف لانجد أي تجربة عربية تقوم على اساس الدعم الحكومي والمؤسساتي المتقن ليمكن الاستفادة منها فضلا عن كون ” التجربة الكورية ” تكاد تكون مثالا وأنموذجا ناجحا للكثير من الدول مما يستدعي حقيقة أن يقوم ” المجلس السعودي للأفلام ” بدراسة التجربة ومعرفة أساسيات نجاحها ومايمكن تطبيقه على الواقع السعودي خاصة وأن الدعم المادي والذي يبدو  قاسما مشتركا بيننا يتوفر بشكل مشجع .

  • تم نشر المقال في مجلة ” زهرة الخليج “

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *