تاكاهاتا … رحيل السيد الياباني !

في أبريل الماضي من عام 2018 افتقدت السينما العالمية وعوالم الأنميشن اليابانية أحد أعظم وابرز مخرجي أفلام الأنميشن ايساو تاكاهاتا الذي توفي عن سن الثالثة والثمانين بمرض السرطان بعد مسيرة حافلة جدا بدأت منذ الخمسينات الميلادية روائيا ثم صداقته الطويلة مع المخرج الياباني الابرز هياو ميازاكي والتي أثمرت علاقتهما المقربة إلى إنشاء استديو ” غيبلي ” الشهير بتقديم عدد من روائع أفلام الأنميشن اليابانية والتي حققت نجاحات وجوائز عالمية كثيرة وحضيت بشهرة واسعة .والتي  كانت ” ديزني ” قد حصلت على حقوق توزيع ماينتجه الاستديو .

حاليا تحضى اليابان بالعديد من المخرجين الشباب والمخضرمين لأفلام الأنميشن لكن الجميع يبدو ملهما من قبل الكبار أمثال ميازاكي وتاكاهاتا الذي وبحسب الانيماتور ياسو اوتسوكا أن تاكاهاتا الذي يكبر ميازاكي بست سنوات كان هو من أثر عليه ليكون ذا مسؤولية اجتماعية في أعماله بعد ان كان غارقا في الرسوم والكتب الهزلية وهو ماسيبدو واضحا بالنظر الى مجموعة أفلام تاكاهاتا ومسلسلاته والتي تبدو متفاوتة التصنيف مابين الواقعية والمغامرة والفانتازيا والتاريخ والخيال العلمي لكنها ذات ثيمة واحدة على مستوى تبني القيم الانسانية والحس الشاعري الجميل والقصص المؤثرة . وان كانت هذه الثيمة تبدو مشتركة في الكثير من أفلام الأنميشن اليابانية والذي يتباين مخرجوها في طريقة معالجتها وسردها حيث ينحو ميازاكي مثلا لذلك الطرح الفانتازي المفعم بالخيالات الصافية وأبعادها الميتافيزيقية فيما يظهر لنا تاكاهاتا كمخرج أكثر تنوعا من هذه الجهة .

والأمر الملفت ايضا حينما نقول أن تاكاهاتا وصديقه مياراكي هما أكثر مخرجين يابانيين شاهد الناس في المنطقة العربية تحديدا أعمالهما فهما من يقف خلف المسلسل الشهير Future Boy Conan والذي عرض في المنطقة العربية باسم ” عدنان ولينا ” فيما قام تاكاهاتا أيضا بإخراج كامل حلقات المسلسل الشهير الآخر ” هايدي ” .

أما على مستوى الأفلام الطويلة فإن تاكاهاتا لم يتجاوز العشرة أفلام لكن ماصنعه في أواخر أفلامه هي روائع مهمة في تاريخ أفلام الأنميشن إجمالا , فبعد أن بدأ أول أفلامه الطويلة عام 1968  بفيلم  Horus, Prince of the Sun -حول صبي يملك سيفا اسطوريا يريد حماية قريته دون ان يحضى بثقة أهل القرية – لم يعد الى الإخراج المستقل إلا بعد 13 سنة عام 1981  بفيلم عائلي كوميدي حول الفتاة تاكيموتي تشي التي تعيش مع والدها المزعج  وتسعى لتجمعه من جديد بأمها التي تركته – , ثم بعد ذلك بسنة عام 1982  يقدم فيلما موسيقيا فانتازيا حول شاب عازف تشيلو يتلقى مساعدة بعض الحيوانات حتى يتمكن من العزف بشكل جميل .

لكن أحد اشهر وأفضل أفلامه يأتي بعد ست سنوات عام 1988  والذي يحتل حاليا مرتبة متقدمة (56  ) في قائمة الموقع الشهير IMDB  لأفضل 250  فيلم وهو ” Grave of the Fireflies / قبر اليراعات ” وهو فيلم دراما حرب مؤثر جدا حول الطفل سيتيسكو وأخته سيتا وهما يواجها أهوال مابعد الحرب العالمية الثانية حيث يبدو كل شيء مدمرا بعد ان فقدوا أهلهم ومنزلهم وعليهم أن يصارعوا من أجل البقاء أحياء !!

بعد ثلاث سنوات في عام 1991  يواصل تاكاهاتا حسه الدرامي لكن هذه المرة بواقعية اجتماعية عبر فيلم Only Yesterday عائلي جميل للغاية بشيء من الحس الرومانسي وهو يتتبع حياة الآنسة تيكو التي قررت ان تأخذ إجازة من عملها لتجرب حياة الريف في زيارة لصهرها حيث تعيدها هناك الذكريات الى طفولتها حيث العائلة والمدرسة والمراهقة بسرد جميل يجعل هذا الفيلم أحد ابرز ماقدمه تاكاهاتا أيضا. ثم ثلاث سنوات أخرى ويقدم تاكاهاتا عام 1994 فيلما كوميديا فانتازيا باسم ” حرب الراكون The Raccoon War حينما تجتمع حويانات الراكون لاتخاذ حلول جذرية لمواجهة توسع مدينة طوكيو الذي سيقضي على طبيعة حياتهم ومنازلهم .بعدها في عام 1999 يواصل تاكاهاتا حسه الكوميدي بفيلم طريف للغاية وتحريك فريد حول يوميات عائلة يامادا المضحكة وغريبة الأطوار بفيلم My Neighbors the Yamadas . بعدها ستوقف تاكاهاتا 11 سنة قبل أن يعود عام 2010  بفيلم دراما عائلية باسم Anne of Green Gables حول الفتاة آن منذ طفولتها في السنة الحداية عشر حتى بلوغها السابعة عشر حينما يتوجب عليها أن تتخذ قرارت مهمة في حياتها.

 لكن الفيلم الأكثر إنجازا لايساو تاكاهاتا هو آخر أفلامه التي قدمها عام 2013  وترشح لأاوسكار أفضل فيلم انميشن كما حصد العديد من الجوائز في مختلف المهرجانات وتم اختياره عند كثير من النقابات والجمعيات السينمائية كأحد أفضل أفلام السنة وهو الفيلم الذي ألف تاكاهاتا قصته وكتبه وأخرجه بأسلوب بصري فريد للغاية معبرا بسرد جميل عن قصة دراما فانتازية باسم ” حكاية الامير كاغويا / The Tale of the Princess Kaguya  ” والتي يجدها رجل وزوجته داخل ساق من الخيزران حيث تنمو بسرعة من طفلة صغيرة لفتاة شابة جميلة وغامضة تاسر من حولها قبل أن يتوجب عليها مواجهة مصيرها !!

كان فيلما يصلح ان يكون الختام الأجمل لأعمال الراحل العظيم ايساو تاكاهاتا الذي ترك أثره الكبير في عالم الأنميشن الجذاب .

  • نشر في مجلة ” زهرة الخليج “

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *