لقطة طويلة …..رؤية فنية وتجربة تحدي وإمعان واقعي !

في افتتاحية فلم ” لمسة الشرTouch of Evil ” الذي أخرجه اورسن ويلز عام 1958 تبتديء اللقطة الأولى من الفلم على قنبلة موقوتة بيد شخص يعمل على توقيتها ثم يسمع ضحكة امرأة من بعيد فيسرع الى احدى السيارات الواقفة ويضع القنبلة المؤقتة في الشنطة الخلفية للسيارة وبعدها تنتقل الكاميرا لنرى المرأة التي كانت تضحك وهي تسير بجانب رجل ليركبان السيارة وينطلقان تحت نظر الكاميرا التي تبتعد لتكشف عن بلدة صغيرة تعج بالمشاة والباعة والجنود والمحلات المفتوحة ويمران بجانب رجل مكسيكي وزوجته الامريكية وهما يمشيان ليقفان سويا عند مدخل الحدود مابين امريكا والمكسيك  ثم تتجاوزهما السيارة لتتابع الكاميرا الزوجين وهما يتحدثان الى ان يدوي انفجار كبير تتطاير معه اجزاء السيارة المحترقة التي تنتقل اليها الكاميرا بشكل مباشر… ماالشيء الجديد الذي حدث ليستحق وصف المشهد بهذه الطريقة ؟ انها احدى عبقريات المخرج الكبير اورسن ويلز حينما صور هذا المشهد الافتتاحي للفلم بلقطة واحدة فقط لمدة ثلاث دقائق كعمل فريد لايستخدم عادة حيث اعتاد المخرجون على القطع الكثير والانتقال بالكاميرا حين التصوير لتقديم مشاهدهم. انه امتداد لتلك العبقرية المذهلة التي قدمها اورسن ويلز للسينما حينما اخرج فلمه الخالد ” المواطن كين ” عام 1941 الذي يمكن اعتباره دستورا في اللغة السينمائية.
 ولفترة طويلة ظلت اللقطة الطويلة عملا يتفنن فيه المخرجون ويسعون الى توظيفها بشكل جميل كما هو عند مارتن سكورسيزي مثلا الذي يوظف هذا الأسلوب لكشف هوية المكان وشخصياته الا انه في عام 1992 يقدم احد كبار مخرجي امريكا روبرت التمان افتتاحيته الشهيرة ذات اللقطة الواحدة التي بلغت ست دقائق في فلمه الرائع ”  The Player ” المرشح لأوسكاري افضل مخرج وأفضل نص مقتبس و الذي يصور فيه التمان لعبة الانتاج السينمائي في هوليوود بطريقة ذكية وطريفة حول مدير انتاج ” تيم روبنز” الذي يرتكب جريمة قتل ويعتقد انه نجى من الاتهام قبل ان يأتي من يبتزه بشكل سافر.كان المشهد الافتتاحي لهذا الفلم في مكتب مدير الانتاج حينما تتراجع الكاميرا لتكشف عن مكاتب واستديوهات كثيرة واناس تنتقل فيما بينها وتقوم الكاميرا بتتبع بعض المارة والتقاط حواراتها والذي كانت ايضا تتضمن حوارا عن لقطة اورسن ويلز الشهيرة السابقة . قبل ان تعود الكاميرا مرة اخرى الى المكتب.
وفي عام 2002 يحقق المخرج الفرنسي  غاسبر نو مدة قياسية في اللقطة الطويلة حينما قدم فلمه الخطير والموغل في العنف ” Irreversible  ”  الذي كان كل مشهد منه بلقطة واحدة تستمر لأكثر من عشر دقائق وبطريق سردية مشابهة للفلم الشهير  ” MEMENTO ” حيث يبتديء الفلم من نهايته عودا الى البداية . وهو من تمثيل مونيكا بللوشي وفينسينت كاسل ويحكي قصة رجل يبحث عمن اغتصب زوجته لينتقم منه وكان الفلم أثار الكثير من الجدل حينما عرض في كان تلك السنة حتى ان بعض الحضور لم يستطع اكماله وخرج من الصالة كما ذكرت الاخبار حينها  .
اما الانجاز الأكبر في اللقطة الواحدة فهو ذلك العمل المذهل الذي قدمه المخرج الروسي الكسندر سوكوروف عام 2002 في فلمه ” Russian Ark ” حيث لم ينطق كلمة ” CUT” سوى مرة واحدة فقط حينما انتهى من تصوير الفلم لانه صوره كله ولمدة ساعة و ست وثلاثين دقيقة بلقطة واحدة فقط !!! كانت عيناه قد دمعت حينما نطق بهذه الكلمة معلنا عن انجازه الكبير وغير المسبوق والذي كان من الممكن لأدنى خطأ ان يعيد من البداية كما حصل ثلاث مرات ونجح في الرابعة كما ان التحضير لهذا العمل كان قد استغرق اربع سنوات بينما كان لزاما على المخرج ان يصور خلال يوم واحدفقط استطاع ان يأخذ اذنا بذلك من ادارة المتحف الذي تدور فيه أحداث الفلم حيث وبشكل مغاير للسرد الدرامي المعتاد يستعرض الفلم التاريخ الكبير لروسيا خلال ثلاثمئة سنة من خلال تجوال يقوم به ارستقراطي فرنسي في متحف ” صومعة الناسك ” ليشهد في أكثر من 33 غرفة صورا من هذا التاريخ ويحضر ثلاث اوركسترات  عزفت حية أثناء التصوير ويواجه اكثر من 2000 ممثل و4500 عملوا في هذا الفلم والأمر الطريف هو حاجز اللغة بين المخرج الروسي والمصور الألماني الا ان كل هذه العقبات والمهمات الصعبة لم تكن لتمنع خروج هذا الفلم الفريد الذي ترشح لعدد من الجوائز السينمائية كأخراج وتصوير أهمها في مهرجان كان ومهرجان الفلم الاوربي.
وفي عام 2015 يكرر الألماني التجربة بصعوبة أخرى على مستوى مختلف بفيلم لايخلو من إثارة وحركة بلقطة واحدة فقط رافق فيها المصور ستورلا براندث شخصيات الفيلم وكأنه مصور إخباري في جولة معركة شوارع !! تدور القصة حول فتاة اسبانية تتعرف ليلا في برلين على مجموعة من الشباب وترافقهم حيث كانوا يخططون لعملية جريئة .الفيلم بطبيعة الحال حقق اعجابا نقديا وجماهيريا وحقق حضورا وجوائز عدة في مهرجان برلين . فيما تأتي آخر التجارب على هذا المستوى عبر الفيلم النرويجي هذا العام U – July 22 والذي شارك في مهرجان برلين أيضا حيث اعتمد مخرجه ايريك بوبي لقظة واحد طيلة الفيلم باستثناء اللقطات الافتتاحية المستندة على أرشيف حقيقي لصور تفجيرات إرهابية في أوسلو بينما قصة الفيلم المعتمدة على وقائع حقيقية تدور حول هجوم إرهابي تزامن تلك اللحظة على مخيم شبابي في جزيرة اوتويا قام به متطرف يميني كان يقتنص أعضاء المخيم ببندقيته بينما نحن سنرافق طيلة الفيلنم إحدى الفتيات وهي في حالة فزع مابين الهروب والبحث عن اختها .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *