ماالذي يعنيه فيلم سعودي في صالات السينما ؟
إذا مانظرنا لحداثة العرض السينمائي في الصالات التجارية والتي بدأت منذ أقل من سنتين فقط ومن ثم حداثة التجربة السينمائية السعودية ذاتها حيث يأتي الفيلم ( مسامير ) كثالث فيلم سعودي يتم عرضه تجاريا في صالات السينما بعد الفيلم الأول ( رولم ) لمخرجه عبدالإله القرشي و فيلم ( شيهانة ) المنتج من التلفزيون السعودي والتي لم تحقق نجاحا او حضورا ملفتا ولم تدم طويلا في صالات العرض فإننا يمكن أن نغير في سؤال المقدمة ليصبح :
مالذي يعنيه فيلم سعودي ناجح في صالات السينما ؟
وهنا علينا أن نستبين كلمات السؤال بشكل أدق فحينما نقول سعودي فهولايعبر فقط عن جنسية المنتج وكاتب العمل ومخرجيه والقائمين خلفه ( ميركوت ) بقيادة مالك نجر وعبدالعزيز المزيني وليس تعبيرا عن موضوع الفيلم وطبيعة البيئة التي تجري فيها أحداثه وإنما الأهم من ذلك هو أن ( مسامير ) بهويته وشخصياته ملتصق بذهنية المشاهد السعودي منذ فترة طويلة تقارب العشر سنوات حينما بدأ مالك نجر بطرح مقاطع وفيديوهات قصيرة على اليوتيوب محققا نجاحا كبيرا في المتابعة ومكرسا العديد من الثيمات والشخصيات في الثقافة المرئية داخل أوساط الشباب السعودي وعوالم النكتة المحكية ولذا فإن حجم الانتظار للفيلم كان بحجم الإقبال الشديد الذي حضي به الفيلم منذ أول عروضه في التاسع من يناير 2020 حيث تصدر شباك التذاكر السعودي لفترة طويلة وسط مجموعة من عروض الأفلام الأجنبية ومنها الأفلام التي حصلت على ترشيحات أوسكارية . أليس الامر مذهلا بهذا الشكل !!
هذا النجاح المهم ربما كان مترقبا لحد ما عند البعض حيث كان المتداول منذ افتتاح الصالات السينمائية أن أبرز المرشحين من الانتاجات السعودية لتحقيق نجاحا تجاريا وإقبالا جماهيريا هي تلك الأعمال التي حشدت عددا كبيرا من المتابعين والمترقبين لسنوات طويلة عبر اليوتيوب والقنوات مثل ( مسامير ) و ( شباب البومب ) و ( تلفاز 11 ) او الأعلام التي سيمثلها نجوم كبيرة ذات شعبية طاغية مثل الممثل النجم ( ناصر القصبي ) وهذا مااتضح أيضا في عروض مسرحية ( الذيب في القليب ) ضمن موسم الترفيه في الرياض حينما أكمل 40 عرضا بحضور مكتمل في كل مرة !!
ومع ذلك فإن معاينة نجاح ( مسامير ) واقعيا هي حينما يحدثك الكثير أنهم لم يتمكنوا من الحصول على تذاكر عرض وحتى بعد أسبوعين من بدايته وهو أمر ملفت ومفعم أيضا بالكثير من المشاعر الجيدة التي تعزز الأمل والتطلع لسينما سعودية ومن ثم الأمل في دفع ( المنتج ) السعودي لخوض غمار التجربة إذا اتخذ أسباب النجاح بشكل فعلي وتعامل مع الأمر بأسرار الصناعة السينمائية والتي لاتشابه الإنتاج التلفزيوني الذي اعتاده . ولذا فإن نجاح فيلم ( مسامير ) المبهج هذا ربما يمثل انعطافة لافتة في مسيرة الإنتاج السينمائي السعودي .
هل هذا هو النجاح الوحيد !! لا بالطبع ففكرة الإقبال الجماهيري والنجاح التجاري ليست كافية لمبدعين مثل مالك وعبدالعزيز واللذين عملا بجهد كبير خلال سنوات طويلة قبل أن يتوجاها بهذا الفيلم . ولذا فإن النجاح الآخر يتمثل في الانطباع العام الذي أحدثه الفيلم لدى المشاهدين … حالة جيدة إجمالا من الرضى وشعور مستمر من المتعة أثناء المشاهدة وحديث طويل حول الفيلم وشخصياته من مختلف المشاهدين بتفاوت أعمارهم مع كل عرض وهم يرون الشخصيات التي عهدوها لسنوات ( سلتوح ’ الكلب , سعد غنام , بندر … ) وهم يخوضون مغامرة جديدة وربما مختلفة نوعا ما لكنها مازالت نفس الشخصيات العابثة والمضحكة .
يقول الكاتب والمثقف الروائي السعودي المعروف سعد الدوسري في مقالة له مبررا هذا النجاح ( هناك من يعمل برؤية واضحة وبجدول زمني وبقراءة واقعية للمعطيات والمتطلبات والتحولات … فحجم الاحترافية في العمل عالية على درجة تجعلك تؤمن بأنك أمام فريق يدرك تماما ماذا يعمل وإلى أين يتجه .. وأظن أن تجربة فيلم مسامير يجب أن تكون أيقونة محلية تقدم لصناعة الأفلام الشباب الخطوات الرئيسية للنجاح خاصة أنهم في غمار تحد لايقبل أنصاف الحلول )
بينما غرد الكاتب عبد السلام الوايل الإستاذ المشارك في العلوم الاجتماعية بجامعة الملك سعود بعد مشاهدته للفيلم في تحليل طبيعة موضوع الفيلم قائلا ( الثيمة الرئيسية في فيلم مسامير من وجهة نظري كانت هي العدالة الاجتماعية , وتجلى طرح هذه الثيمة على طول الفيلم في توزيع الاعتراف المجتمعي بالإنجاز والثمار المتأتية عنه وقصره على قاعدة اجتماعية ضيقة , أي القاعدة التي يمثلها الدكتور رئيس نادي ” الابطال ” وشريكه فليس هناك صراع يذكر بين الخير والشر بل صراع بين قوى اجتماعية في مواجهة الشر .. لم يكن الخط التراجيدي حيا في الفيلم لكن شخصيات الشبان الثلاثة رسمت ببراعة .. فما ينتهي الفيلم بتوزيع باهت للاعتراف المجتمعي ) فيما علق الدكتور خالد اليحيى بعد التدشين الرسمي الخاص للفيلم في الخامس من يناير والذي كان وسط احتفالية رائعة واحتفائية كبيرة تعتبر حدثا جديدا مشبعا بالاعتزاز على مستوى سعودي حضره الكثير من المعنيين بالصناعة ومشاهير السوشل ميديا وصناع الأفلام والمثقفين والفنانين حيث قال ( صنع بشغف , بانتماء , بمرح , وبالكثير من الأمنيات لمستقبل باذخ )
والآن بعد هذا الاعتراف الجماهيري الكبير من حيث الحضور والتعليقات لنصل إلى النقطة الأهم في الحديث عن المستوى الفني للفيلم وهو برأيي مايهتم له كثيرا صناع الفيلم الذين لايمكن إلا أن تلحظ تطلعهم الدائم للأفضل وشغفهم الحقيقي بالنجاح والإنجاز .. لنقل مبدأيا ان الفيلم على مستوى الشكل كان جيدا بدرجة مرضية ومتوقعا بطبيعة الحال فهو يلتزم بالثيمة البصرية والشكلية لهوية مسامير المعروفة مع بعض الإضافات في مستوى الرسم والتفاصيل وبالطبع التحريك والإخراج الذي كان في فترات كثيرة يعمل على محاكاة ثيم الرسوم المتحركة الشهيره وإيقاعها وهي نقطة جميلة تحسب للفيلم , وفيما اختار صناع الفيلم موضوعا تمتزج فيه الكوميديا بالإثارة والتشويق والخيال العلمي وشيء من الغموض وتوظيف جميع الشخصيات المعروفة بأدوار محددة فإني أعتقد أن هذا الموضوع ليس هو الخيار الأفضل للإنطلاق بالرغم من أنه يتيح مساحة كبيرة للتحرك .. فالقصة أن الثلاثي المعروف والكسول ( سلتوح , الكلب , سعد ) يتوجهون بعد فقدانهم لمسكنهم الخاص لإنشاء نادي للأبطال ويساهمون في إنقاذ المدينة من أحد الأشرار الذي يمتلك مادة قاتلة ستسبب دمارا كبيرا للمنطقة بموازاة الخط الآخر المتعلق بفتاة ذكية وطموحة جدا تتوصل لاختراع روبوت متطور يقوم بمختلف المهام لكنها لاتجد التشجيع الكافي الذي يتبنى عملها وبطبيعة الحال سيحدث ذلك التقاطع المنتظر بين الخطين .. تأتي المشكلة برأيي من عدة جهات .. فالنص مفتعل بطريقة تقليدية للغاية وساهم التوظيف الدعائي والاعلاني لعدد من الشركات والمنتجات في تعزيز هذا الافتعال ولا يمكن إلا أن تلاحظ أيضا الافتعال في توظيف الشخصيات ذاتها بعدد من الأدوار والأحداث وكأنه محاولة إرضاء لمختلف المشاهدين . ومن جهة أخرى فإن سردية الفيلم كانت متباينة جدا ومتعثرة أحيانا ففي حين أن النص يأخذ حرية أكبر بمشاهد عادية ليتحرك فيها أكثر مما ينبغي وكأنه ذلك الإحساس من صناع الفيلم بالراحة حينما يتحركون في هذه المساحة فيعززون الخط الكوميدي الذي يجيدونه واعتادوا عليه على حساب السرد والإيقاع فضلا عن ان صناع الفيلم لم يتخلصوا تماما من الأراء الشخصية والمواقف الذاتية تجاه الكثير من القضايا والصراعات الاجتماعية وإطلاق الحكم والمواعظ المباشرة- وهو ماكان ينجح كثيرا في السابق- فكان يتم التعليق بحدة فيها وهو للأمانة مابدا مضحكا للجمهور لكنه برأيي لم يكن إيجابيا للنص وبالتالي سنلحظ قبل أن ينتهي الفيلم أننا جلسنا فترة طويلة لمتابعة الحدث والذي كان متوقعا باستثناء إحدى الخدع الجميلة في النهاية والذي يكشف عنها الفيلم لكن الأغلب ستجد أنهم يتحدثون عن طول مدة الفيلم التي قاربت الساعتين لقصة تستحق أقل حتى لاتبدو بهذا الترهل دون أن ننسى أن الفلم مدعم بعدة أغان تأتي بين الفينة والأخرى كانت جيدة بالمجمل ولايخفى الغرض من ورائها في تكريس الأغنية كثيمة شعبوية كما هو الحادث في حلقات سابقة من مسامير ومنها مايستحق بالفعل وليس كلها .
وإذا ماأردت تلخيص الرأي النقدي من جديد تجاه الفيلم فسأقول انه فيلم ناجح تمكن من تحقيق أكثر التطلعات المنتظرة وتمت فيه العناية بجهد وحرص بكل عوامل الفيلم ومعاييره لإشباع الجمهور سوى الجانب السردي الذي في رواية الحدث وبناء الشخصيات ومستوى تفاعلها مع الحدث ومساحة الحركة التي من المفترض أن يوفرها النص غالبا بشكل متزن فعلى سبيل المثال في مرحلة مايسمى بالتهيئة او البداية والتمهيد والتي تكون غالبا في كل نص وفيلم ربما أخذ هنا الوقت الكثير للتعبير عن حالة البؤس والفراغ الذي عاشه الابطال الثلاثة بعد أن فقدوا سكنهم المتواضع ليعيشوا مرحلة التشرد قبل ان تتفاقم الأحداث مع إنشاء نادي للأبطال الخارقين.
لكن في النهاية علينا ألا ننسى أن هذا النجاح من التجربة الأولى لأول فيلم سعودي أنميشن والمتوج مؤخرا بالعرض على المنصة الأشهر و الأولى في المشاهدة عالميا ( نتفليكس ) هو مبشر مبهج لما هو قادم وبحسب مسيرة استديو ميركوت بمقاتليه مالك وعبدالعزيز – الذي بدأ بمقاطع فيديو على اليوتيوب الى حلقات متسلسلة ومن ثم تجربة فيلم قصير ناجح ومتفوق يتجاوز 40 دقيقة بعنوان ” تحريات كلب ” وعمل آخر مختلف في موضوعه وشخصيات يمثل أعلى مراحل النضج السردي والقصصي برأيي ” يعرب ” – فإننا سنترقب مستوى آخر أكثر إتقانا وتعبيرا فنيا .