الدوغما … آخر الحركات السينمائية جدلا !

إذا كنا تحدثنا سابقا عن مجموعة من الحركات السينمائية والتوجهات التي أثرت حتى هذا اليوم في طبيعة الإنتاج السينمائي فنيا منذ العشرينات مع التعبيرية الألمانية مرورا بالواقعية الإيطالية وحتى نهاية الموجة الفرنسية فإننا يمكننا مواصلة الحديث عن هذه الحركات التي اشتهرت حتى لو لم تملك التأثير الكبير كما هي الحركات السابقة وأعني هنا حركة ” الدوغما ” التي ظهرت منتصف التسعينات وقدمت مجموعة من الأفلام الأخاذة لكنها بطبيعة الحال وصيرورة الإنتاج السينمائي ومتطلبات الجمهور لايمكن أن تستمر أو تملك التأثير الكافي خاصة إذا مالاحظنا كونها حركة متأخرة نسبيا وحتى مؤسسيها لم يلتزموا تماما تجاهها وإن كانت آثارها مازالت باقية على مجمل أفلامهم حتى هذا اليوم .
بداية فإن مصطلح ” الدوغما ” كما نعرف هو مصطلح فكري أخلاقوي يشير إلى الجمود الاعتقادي والوثوقية الشديدة تجاه رأي أو قرار ولايقبل التساؤل والنقد والنقاش وإعادة النظر . وربما من هنا جاء تسمية هذه الحركة التي ظهرت عام 1995 من السينما الدنماركية عبر أبرز مخرجيها الدنماركيين مثل مؤسسها المخرج الكبير المثير للجدل دوما لارس فون ترير وصديقه توماس فينتربرج ثم فيما بعد انضم اليهم كريستيان ليفرينج وسورن كراج جاكوبسن .
وحينها كانت الحركة قد أثارت الكثير من الجدل واللغط مابين الإعجاب والانزعاج لكنها لم تكن لتمر دون ملاحظة واهتمام العالم السينمائي حينها حينما قدم هؤلاء المخرجون أفلامهم التي تعبر عن هذا الاتجاه الجديد والذي يمكننا أن نفهم الكثير عنه عبر معرفتنا بالقواعد العشرة التي وضعوها وهي :

  • يجب أن يتم التصوير في الموقع الأصلي للحدث دون إضافة أي ديكورات أو محسنات للموقع
  • لايجب أن يتم الفصل بين الصوت والصورة أثناء التصوير حيث يسجل الصوت بشكل مباشر بما في ذلك الموسيقى التي لاتضاف إن لم تكن معزوفة إثناء التصوير
  • يجب أن تكون الكاميرا محمولة باليد
  • يجب أن يكون الفيلم ملونا
  • تمنع جميع المؤثرات البصرية والمرشحات الضوئية
  • يمنع اصطناع أي حدث مثل القتل واستخدام الأسلحة
  • لايمكن الإيهام بالزمان أو المكان فكل مايحدث هو آنيا وفي نفس المكان المصور فيه
  • لاتقبل أفلام التصنيف أو النوع أو مايسمى Genre
  • مقاس الفيلم يجب أن يكون المقاس الأكاديمي 35 ملم
  • لافضل لاسم المخرج ومن الأفضل عدم وضعه على الفيلم

وبقدر ماتبدو هذه القواعد صعبة للوهلة الأولى إلا أن مؤسس الدوغما لارس فون ترير يقول ” إن فكرة وضع قواعد أو حدود لنفسك عندما تفكر فيها تجدها شيئا تفعله في معظم الوقت ولكن بالتأكيد هو أكثر إثارة عندما تفعله على الملأ بشكل عام وتنشره ”
فيما يمكننا أن نشير إلى أن المخرجين الذين وضعوا هذه القواعد جاءت كما يقولون إجابة لسؤال : ما أكثر الأشياء التي نكرهها في السينما اليوم والتي نقوم بها حينما نقدم على صناعة فيلم ما .!!
وبالرغم من الالتزام الكبير تجاه هذه القواعد إلا أنه أحيانا مايحدث خرق معين ولو بجزء خفيف كما اعترف بذلك المخرج الكبير توماس فينتربرج في أحد اشهر أفلام هذه الحركة وأوائلها وهو الفيلم الرائع عام 1998  The Celebration ويحكي الفيلم عن اجتماع عائلي احتفالا بميلاد الأب حيث تجري الأمور بشكل غير جيد حينما تنكشف بعض الاسرار العائلية . وكان الفيلم حينها قد رشح في الغولدن غلوب كأفضل فيلم أجنبي فيما حصل في مهرجان كان على جائزة لجنة التحكيم . وهذا يقودنا أيضا لذكر أحد أبرز أفلام الدوغما منذ بدايتها وهو فيلم مؤسسها لارس فون ترير في نفس العام تدليلا على هذه الحركة وهو فيلم  The Idiots الذي شارك في مهرجان كان أيضا لكن الفيلم الأبرز والأكثر نجاحا لمؤسس الحركة ترير وتعبيرا عنها كان قبلها بسنتين عام 1996 بمجرد أن تم الإعلان عن هذه الحركة وهو فيلم Breaking the Waves الفائز بجائزة لجنة التحكيم الكبرى في مهرجان كان والمرشح لأفضل فيلم دراما في الغولدن غلوب وأفضل ممثلة بدور رئيسي في الأوسكار لإيميلي واتسون وهي تؤدي شخصية زوجة غير مستقرة عقليا تشعر بالذنب تجاه مصاب زوجها بالشلل ويدفعها هذا للموافقة على ارتكاب أفعال غريبة .
وبالطبع فهناك أفلام أخرى قدمها مخرجون كانوا قد التزموا بقواعد الدوغما .وبغض النظر عن توقف هذه الحركة وتراجع حتى مخرجيها عن تقديم أفلام وفق قواعدها الحادة والشديدة هذه إلا أن ماتشير إليه حركة الدوغما هو تحريض التجربة والتنويع في التعبير الفني وكسر القوالب والتحديات المعهودة وإظهار مايمكن أن يفعله المخرج للسينما .
 

  • نشر في مجلة ” زهرة الخليج “

اللون في السينما … تاريخه وغايته !!

كان المخرج الروسي العظيم أندري تاركوفسكي يعتقد ” أن اللون يشكل عائقا رئيسيا في خلق الإحساس الحقيقي بالصدق على الشاشة !! وأنه اصبح ضرورة تجارية أكثر منها إمكانية جمالية ”
ولذا فهو يتفهم كثيرا أن يكون هناك توجه لتحقيق الافلام بالأبيض والأسود في عقود السينما الأخيرة فهي بطريقة ما تشي برؤية فنية وجمالية يعبر عنها مخرج العمل ويعتقد أنها الأنسب حينها.
ولذا حتى تاركوفسكي نفسه لم يقدم من أعماله السبعة الشهيرة فيلما ملونا بالكامل سوى آخر أفلامه ” The Sacrifice 1986 ” وهذا مايعطي حديثه قيمة إضافية حينما يقول ( إن إدراك اللون هو ظاهرة فسيولوجية وسيكيلوجية … وينبغي فعل شيء لتحييده إذا أراد الفنان أن يكون أمينا للحياة . هنا يتعين عليه أن يقوم بمحاولة لتحييد اللون وتخفيف آثاره على الجمهور )
بالتأكيد هي وجهة نظر من مخرج كبير ومهم لكننا في المقابل يمكن أن ننظر إلى اللون بشكل مختلف حينما نشاهد بعض أعمال كبار المخرجين أيضا … كوروساوا مثلا في فيلمه Dreams 1990
لكننا بعيدا عن الجانب الفني في النظر لموضوع اللون لنلقي نظرة سريعة حول دخول اللون في السينما ..
بداية فإنه لايمكننا تحديد تاريخ على وجه الدقة أو فلم يمكن اعتباره بداية عصر الألوان في السينما. فهو كالصوت تماما ظل لفترة طويلة عنصرا من عناصر التجربة السينمائية ثم جاء أخيرا كنتيجة تراكمية . ففي بداية السينما كانت هناك محاولات واسعة الانتشار  للتلوين اليدوي  في الشرائط السينمائية وخاصة في الأفلام القصيرة جداالتي لاتكلفها هذه العملية اقتصاديا ويذكر أن ميليس قام بتوظيف احدى وعشرين سيدة في استديوهات مونتريه للقيام بالتلوين اليدوي كما كان يفعل أديسون كذلك حينما صبغ جزءا من فلمه ” سرقة القطار الكبرى ” – أول فلم ويسترن- وهو مشهد انفجار البارود.
وعندما زاد طول الأفلام كان لابد من حل آخر وهو مافعله الفرنسي  شارل باتيه عام 1905 – او نابليون السينما كما يسميه المؤرخ السينمائي جورج سادول- حينما اخترع طريقة آلية  تقوم على تلوين الشريط السينمائي بعد تصويره عن طريق ألواح مثقوبة يمر عليها الشريط حيث تتطابق هذه الثقوب مع المناطق المراد تلوينها بستة ألوان متاحة.وبحلول عام 1910 كان عند شارل باتيه واخيه مايزيد عن خمسمائة عاملة للتلوين بهذه الطريقة التي كانت تسمى الاستنسل.وفي حلول الثلاثينات الميلادية كانت هذه الطريقة منتشرة في كل أوربا .
اما في أمريكا فكانت هناك طريقة أخرى للتلوين تم تسجيلها في مدينة سانت لويس عام 1916وتعرف باسم عملية هاند شيجل وهي طريقة تتيح استعمال ثلاثة ألوان في الأفلام ذات الميزانيات الكبيرة مثل فلم ” شبح الأوبرا” عام 1925لروبيرت جوليان.
وعندما أصبحت السينما صناعة عالمية كبرى خلال العشرينات كان هناك حاجة  لانتاج كمية كبيرة من النسخ ادى الى تطور طرائق الصبغ والتلوين والتي كانت تعتمد على تلوين آلي يأتي بعد التصوير وكان البعض يقوم بتلوين مشاهد معينة فقط من الفلم.مع ماتتضمنه هذه الطريقة من مشاكل وعدم دقة خاصة من دخول الصوت حيث أصبحت الصبغات تؤثر على الصوت نفسه المسجل على شريط السليو لويد. وهنا جاء دور شركة ” ايستمان كوداك ”  التي اخترعت عام 1929 شريط السونو كروم  وهو شريط سليولويدحساس بالأبيض والأسود  متاح أصلا بأصباغ متعددة تطابق تلك التي تستعمل في الطريقة الآلية السابقة وهذا مايعني ان عملية الصبغ أصبحت تتم قبل التصوير لابعده كما كان. ولذا فقد كان على المنتج أو المخرج أن يختار الفلم الخام بالصبغة التي تلائم مايريد هو تحقيقه من مؤثرات خاصة. وهكذا استمر مجال التصوير السينمائي الملون يسير بخطى سريعة ليصل الى الطريقة المثالية المتبعة حاليا.مارا خلالها بعدد كبير ومتسارع من التجارب والمحاولات أهمها مافعلته شركة ” تكنيكلر” التي استمرت حتى السبعينات وساعدت طريقتها الجديدة التي خرجت في العشرينات على الاستخدام التجاري واتاحة انتاج نسخ متعددة من الأفلام الطويلة.واصبحت طريقة شركة التكنيكلر هي الأشهر والمعتمدة حتى عند كبريات شركات الانتاج السينمائي الأمريكية.وكان الفلم الشهير ” ذهب مع الريح ” الأنموذج الأمثل لنجاح وفعالية طريقة التكنيكلر بقدر اقل من عيوب التلوين.ورغم ان تكاليف هذه الطريقة حدت من انتشارها الا ان الشركة استطاعت التغلب على ذلك في عام 1941 من خلال انتاج شريط مونوباك تكنيكلر.
 
 
 

شارل باتيه …. نابليون السينما في فجرها الأول !

يقال أن لويس لوميير” مخترع السينما مع أخيه ” قال لمصوره الذي يعمل معه ذات يوم : “أنت تعلم بأن الوظيفة التي اعرضها عليك ليس لها مستقبل فهي تشبه عمل لاعبي السيرك يمكن ان تدوم ستة شهور أو سنة وربما أكثر أو أقل “
ربما كان لوميير مترددا بشأن هذه الصناعة ومستقبلها وهذا تحديدا ماتجاوزه شارل باتيه(1863-1957) منذ البداية لكي يكون امبراطوريته الضخمة.
لقد ارتبط اختراع السينما وبدايتها بالفرنسيين الأخوين لوميير بسبب اختراعاهما آلة العرض التي سمياها ” سينماتوغراف” مستفيدين من أبحاث سابقة في هذا المجال أهمها ماكان يعمله المخترع الأشهر الأمريكي توماس أديسون . ففي الثاني والعشرين من مارس سنة 1985 كان الأخوين لومييرقد استأجرا مقهى في باريس لعرض أفلامهما التي لايتجاوز الواحد منهما دقيقتين مثل ” العمال يغادرون مصنع لوميير” ليسجلا بذلك بداية العهد السينمائي والفن السابع. الا ان المفارقة في الأمر أن فرنسيا آخر كان أكثر ثقة وتفاؤلا بهذه الصناعة الفنية الجديدة واليه سيعود السبب الرئيسي في ترسيخ هذه الصناعة وتطويرها ونشرها في العالم .
فقد قام شارل باتيه رجل صناعة الفوتغرافيا السابق المولود سنة 1863 مع اخيه اميل بانشاء شركة باتيه التي كان شعارها ديكا يصيح وكأنه يوقظ الناس على معجزة السينما ثم يبيض ذهبا ينتشر في الاتجاهات التي مر بها نابليون. والحقيقة أن لقب ” نابليون السينما ” كان قد أطلقه المؤرخ السينمائي الأشهر الفرنسي جورج سادول لأنه استطاع خلال عقد واحد أن يؤسس امبراطورية صناعية واسعة سمحت لفرنسا بتحقيق السيطرة على سوق السينما العالمية حتى بداية الحرب حتى ان هذه الشركة استطاعت شراء حقوق شركة الاخوة لوميير ذاتهاوتولت الاشراف على تصميم كاميرا متطورة استطاعت فرض وجودها لدرجة ان بعض التقديرات قالت ان ستين بالمائة من كل الأفلام التي تم تصويرها قبل عام 1918 استخدمت فيها كاميرا باتيه.
والى جانب ذلك ايضا كان باتيه يقوم بتصنيع الفلم الخام وقد اسس عام 1902 شركة لمستلزمات الانتاج كما انه في السنوات التالية ابتدأ افتتاح وكالات اجنبية لتسويق منتجاته تحولت فيما بعد الى شركات انتاج ضخمة في اسبانيا وايطاليا وبريطانيا وايطاليا وحتى في امريكا ثم في جميع انحاء العالم و ينسب لباتيه الفضل الحقيقي في تأسيس صناعات سينمائية في استراليا واليابان والبرازيل والهند. كما امتلكت شركة باتيه دور عرض دائمة في جميع أنحاء العالم فضلا عن انشاء أفخم صالة سينمائية في العالم ” اومينياباتيه ” في باريس عام 1906. وفي جانب تسويق الأفلام وصلت شركة باتيه من الانتشار والنفوذ للدرجة التي كانت تسوق من الأفلام ضعف الأفلام التي تنتجها الشركات الامريكية مجتمعة عام 1908 وضعف ماتنتجه الشركات البريطانية عام1909 وكانت أرباح الشركة تسير بشكل متصاعد حتى وصلت الى خمسين او مائة ضعف تكلفة الانتاج . وقد استطاع باتيه ان يصبح الموزع لأفلام منافسه الخاسر جورج ميليس ” ساحر الضوء” الذي الذي كان مسيطرا على السينما الفرنسية بين عامي 1898-1904 قبل دخول باتيه هذا المجال يوم ان كانت افلام ميليس الخيالية المصنوعة بتقاليد مسرحية ذات شهرة واسعة جعلت بعض المنتجين يضطرون لمحاكاة اسلوبه ليتمكنوا من منافسته وهو كما يقول المؤرخ السينمائي دافيد كوك : “أول فنان سينمائي يكتشف امكانات السينما في السرد الروائي ” ويروي دافيد قصة ظريفة – يعتقد البعض انها مختلقة- وهي انه عندما كان ميليس يقوم بتصوير لقطة في أحد شوارع باريس  تعطلت الكاميرا فجأة بينما كان يصور حافلة تخرج من احد الأنفاق ثم عادت الكاميرا للعمل وهناك عربة لنقل الموتى تسير في نفس المكان الذي كانت فيه الحافلة وحينما عرض ميليس الفلم بدا الأمر وكأن الحافلة قد تحولت الى عربة نقل الموتى مما جعل جورج ميليس يدرك امكانات التلاعب الزمكاني من خلال التوليف الفني.
ومن الأشياء التي نجح فيها شارل باتيه حينما عين “فريدنان زيكا” مديرا عاما لاستديوهات الشركة الضخمة وهو الرجل متعدد المواهب الذي جاء من عالم الغناء في الصالات الموسيقية بحس مرهف لما يريده الجمهور حيث قدم لهم اعمالا هزلية ممزوجة بالسحر والجريمة ومستعينا بعدد من خبراء التصوير والتركيب والابتكار واستطاع زيكا ان يتفوق  احيانا حتى على جورج ميليس الذي لايرغب في الخروج من الاستديوهات عكس زيكا المولع بالتصوير في الهواء الطلق .وقد استمر زيكا مديرا للانتاج الى أن تم حل الشركة. كما نجحت ايضا شركة باتيه في ضم موهبة اخرى هو الفنان الكوميدي ” ماكس ليندير ” الذي اشتهر عالميا من خلال تجسيده لدور الرجل سيء الحظ  وهو يجول شوارع باريس قبل الحرب في عدد كبير من الأفلام القصيرة وهو ماترك اثرا كبيرا فيما بعد على أعمال الممثل الأنجليزي المعروف شارلي شابلن.
ومن الابتكارات الناجحة لشركة باتيه هي  الجريدة السينمائية ” باتيه جازيت ” عام 1910 التي كانت تقوم اسبوعيا بنقل الأخبار المصورة من مكانها الى أنحاء العالم وكانت ايضا تجذب الجمهور لمشاهدة الأفلام التي تعرض في الصالة بعد عرض عدد الجريدة السينمائية الأسبوعي وقد استمرت هذه الجريدة في الصدور حتى عام 1956اي بعد سنوات من تفكيك شركة باتيه.
جاءت المنافسة القوية لشركة باتيه من قبل شركة جومون التي بدأت متواضعة لكنها تطورت باتباع اساليب باتيه في التوسع  من خلال الانتاج وتصنيع الأجهزة السينمائية والتوزيع وبناء الاستديوهات وصالات العرض وارتبطت نجاحاتها بعد ان تولت ادارتها  ” اليس جي ” أول مخرجة سينمائية عام 1906. ثم اصبحت استديوهات شركة جومون هي الأكبر في العالم وظل هذا التنافس محموما حتى جاءت الحرب العالمية الأولى 1914 التي ألقت بظلالها الكبير على الصناعة السينمائية وانحسر الاحتكار الفرنسي في الوقت الذي بدأت فيها الصناعة السينمائية الأمريكية بالازدهار كما نهضت صناعات سينمائية عالمية في كل مكان بعد الحرب .
وفي عام 1929 كان شارل باتيه وهو يقترب من الشيخوخة يعلن اعتزاله بعد ان تخلى عن امتيازاته المتعددة وباع العديد من ممتلكات الشركة وفروعها في العالم وانسحب من كل ارتباطاته السينمائية معلنا غروب شمس احدى الامبراطوريات السينمائية الضخمة ومسجلا اسمه كواحد من أهم صناع السينما وروادها.
 

الأسلوبية … ثورة في التمثيل !

ربما أبرز مايمكن أن يلاحظه الكثير من المشاهدين لأفلام السينما الأمريكية هو التفاوت الواضح في الأـداء والتمثيل مابين مرحلة بداية السينما وكلاسيكياتها والمرحلة الحالية التي يبرز فيها الكثير جدا من نجوم الأداء الاستثنائي والأدوار التي تظل عالقة في الأذهان … لاشك أن شيئا ما قد حدث !!
ماحدث هو مزيج وامتداد مابين المسرحي الروسي ستانيسلافسكي .. المخرج ومعلم التمثيل الهنغاري لي ستراسبيرغ … “استديو الممثل” . ومحور الأمر كله هو في الهنغاري ستراسبيرغ الذي استلهم تجربة ستانيسلافسكي واستغل انضمامه لاستديو الممثل ليقدم نظريته ” الأسلوبية ” او ” الطريقة ” في التمثيل ويحدث هذا الفارق الذي لاحظناه خاصة إذا ماعرفنا ان من أبرز تلاميذه الذين استفادوا منه وطبقوا نظريته في التمثيل هم نجوم السينما مثل باول نيومان ومارلون براندو ومارلين مونرو وآل باشينو وداستن هوفمان وجين فوندا والين بريستن وجولي هاريس وغيرهم كثير  وبالطبع .. جيمس دين الذي قال بعد ترشيحه لأوسكار أفضل ممثل عن فيلم المخرج إليا كازان East of Eden)) عام 1955 عن ( استديو الممثل ) إنه “أعظم مدرسة في المسرح و أفضل شيء يمكن أن يحدث لممثل” وبطبيعة الحال كان ستراسبيرغ واليا كازان ممن يقومون على التعليم في ” استديو الممثل ” الذي يعتبر حينها أرقى مدرسة تعليم للتمثيل في أمريكا بفضل وجود ستراسبيرغ تحديدا الذي قال عنه  ميل غوسو ” أحدث ثورة في فن التمثيل لها تأثير عميق على الأداء في المسرح والأفلام الأمريكية ” بالرغم من أن ستراسبيرغ كان قد ترك ” استديو الممثل ” في مطلع السبعينات بعد ثلاثين سنة من العمل وتوجه مع زوجته آنا لإنشاء معهد Lee Strasberg Theatre and Film Institute ليواصل تطبيق نظريته في التمثيل ” الأسلوبية ” والوصول إلى أكبر قدر ممكن من الموهوبين بدل الطريقة الانتقائية في الاختيار والتي كان يعتمدها ” استديو الممثل ” مما وسع بالفعل مستوى تأثيره الكبير لعدة أجيال من الممثلين حتى يومنا هذا .
والآن مايلزم معرفته هو هذه النظرية في التمثيل التي درسها ستراسبيرغ لعقود والتي تسمى مابين ” الأسلوبية ” أو ” الطريقة ” أو حتى ” الذاكرة الشعورية ” .. وحينما يصف ستراسبيرغ نفسه نظريته فهو يقول : ” إن مجالي الاكتشاف اللذين كانا مهمين في عملي في أستديو الممثل وفي فصولي الخاصة هما الارتجال والذاكرة العاطفية. وأخيرًا باستخدام هذه التقنيات التي يمكن أن يعبر عنها الممثل المشاعر المناسبة المطلوبة للشخصية ” . وبالعودة الى الناقد ميل غوسو فإنه مسرحيا كان ستراسبيرغ يدفع الممثل الى التعمق في الشخصية ليس على المسرح فحسب وإنما ماقبل ذلك وقبل رفع الستار ومعرفة تاريخ الشخصية التي ربما تعود الى الطفولة لأن الشخصية التي تظهر أخيرا على المسرح إنما هي نتيجة وذروة وجود الشخصية !! يبدو الأمر متطرفا بعض الشيء للوهلة الأولى لكنه في الحقيقة هو محور أداء الشخصية بشكل كامل ومقنع ومؤثر وهنا يأتي مايمكن أن نسميه بالذاكرة الشعورية أو العاطفية حيث يرى ستراسبيرغ ان استدعاء هذه الذاكرة للمشاعر والعواطف ستدفع الممثل إلى الانغماس في الدور بحيث لايبدو الا انه هو نفس الشخصية التي يؤديها وليس ممثلا يؤدي شخصية في فيلم !! حيث يرى ستراسبيرغ ان التمثيل مجرد أداء لكن التقمص هو الشيء الأصعب والحقيقي في إبراز الشخصية . ولذا سيكون على الممثل حينها أن يبني هذه الذاكرة الشعورية من خلال التحضير للشخصية لدرجة العيش وفق ظروفها فالممثل الذي يريد أن يقدم شخصية رجل متشرد في الشوارع سيكون عليه أن يعيش لفترة ليست قصيرة كرجل متشرد ومن هنا يستطيع بناء ذاكرة شعورية عاطفية ستساعده فيما بعد في تأدية الدور بشكل حقيقي . ولذا لطالما سمعنا عن استعدادات الممثلين الغريبة تجاه أدوارهم كما فعل مارلون براندو حينما مكث لأسابيع في المستشفى دون حراك لمجرد أنه سيؤدي شخصية جندي طريح الفراش !! وفي الوقت الحالي ستستمع الكثير من مثل هذه التجارب كدخول السجن وتعلم حرفة معينة والتدرب على الموسيقى او الرقص والمبارزة وركوب البحر والامواج والحيوانات والعيش في مصحة نفسية والانعزال في غابة وعدم التنظف والحصول على كدمات وكسور وأشياء كثيرة يقوم بها الممثلون حاليا في مرحلة التجهز والاعداد لأداء دور معين وستفهم حينها أن هذا نوع من تطبيق ” الأسلوبية ” والاعتماد على الذاكرة الشعورية كما كان يكرسها ستراسبيرغ لسنوات طويلة .

حديث المخرجين…شيء من الإلهام !!

ليس أكثر إلهاما وتشويقا لمحبي السينما وصناعة الأفلام من أحاديث المخرجين حول تجاربهم ورؤيتم الفنية وملهميهم في عوالم السينما .الإعجاب الكبير الذي يحمله فرانسوا تروفو أحدرواد الموجة الفرنسية الجديدة للمخرج الكبير الفريد هيتشكوك حمله على إجراء لقائه الشهير معه . شابلن كتب عن سيرة حياته وبينويل نشر مذكراته الطريفة وتاركوفسكي أعلن عن رؤيته الفنية للسينما بشكلها الأعمق من خلال كتابه الشهير ” النحت في الزمن ” فيما سجل بريسون مدوناته في السينماتوغراف بينما أعلن فيلليني عن الشيء الكثير في كتابه ” أنا فيلليني ” والقائمة تطول في ذكر العديد من المخرجين الذي كتبوا وألفوا أو الذين كانت لهم لقاءات موسعة استطاع الجمهور من خلالها أن يعرف شيئا عن حياتهم وأفلامهم ورؤيتهم السينمائية .
وفي عام 1995 قدمت إحدى الشركات الفرنسية فيلما طريفا في فكرته مكتسب أهميته من عدد المخرجين الذين حشدتهم في هذا الفيلم باسم Lumière and Company حيث طلبت من هؤلاء المخرجين القيام بتوصير فيلم قصير جدا بنفس الكاميرا التي استخدمها لومير نفسه والذي يعزي اليه اختراع السينما !! كان الأمر مثيرا بجانب تلك القاءات السريعة مع المخرجين حول السينما ورؤيتهم لها وسبب قيامهم بإخراج الأفلام ورسالتهم حولها ..مثل اليوناني ثيودور انجليوبولوس والايراني عباس كياروستامي والامريكي ديفيد لينش والمصري يوسف شاهين والصيني زانغ ييمو وسبايك لي وليلوش وهينيكه وفندرز.
وهنا أيضا يمكن لنا أن نلقي نظرة سريعة على كتاب شيق وممتع باسم ” دروس في السينما ” جمعت فيه الاستاذة ناديا صبري عددا من لقاءات المخرجين الكباركما نشرت في بعض المجلات الفرنسية :
فالمخرج الايطالي برناردوبيرتولوشي الحائز على أوسكار افضل مخرج عن فلم ” الامبراطور الأخير ” حيث يبدي اعجابه الكبير بالمخرج الفرنسي جان رينوار أحد أشهر مخرجي الموجة الفرنسية الجديدة  وفلمه ” قوانين اللعبة ” حين يقول : (اذا ماطلب مني تدريس الاخراج السينمائي سأشعر صراحة بالاحراج , أظن أني لن أعرف كيف أبدأ . ربما سأكتفي بعرض الأفلام . وسيكون أول خيار لي بالتأكيد هو فلم ” قانون اللعبة ” للمخرج الفرنسي جان رينوار. سأشرح كيف نجح رينوار في هذا الفلم في بناء جسر بين الانطباعية التي هي فن والده الرسام وبين الفن الحديث.قد أحاول عرض أو إثبات كيف حقق هذا الفلم الهدف الذ تحاول كل الأفلام بلوغه : وهو ان تأخذنا الى مكان ما  ).
بينما المخرج الياباني الأشهر حاليا تاكيشي كيتانو فهو بالطبع سيكون أهم ملهميه هو امبراطور السينما اليابانية ومخرجها الأول أكيرا كيروساوا فهو يقول : ( ليس من قبيل الصدفة أن أذكر كيروساوا ! انه استاذي غير لمنازع في السينما واذا سألني شخص ” ماهو الفلم ؟ ” سأرسله لمشاهدة ” راشمون والساموراي السبعة ” وماهو رائع عن كيروساوا دقة الصورة على مستوى الكادر وتحديد وضع الشخصيات فالتشكيل دوما متكامل حتى عند حركة الكاميرا , يمكننا أخذأربع وعشرين صورة من كل ثانية وعمل لوحة ن كل ذلك واذا كانت السينما المثالية تعاقب الصور بشكل كامل فان كيروساوا هو الوحيد الذي وصل الى هذا المستوى).
أما المخرج ديفيد لينش المثير دوما بأفلامه وغموضه مثل ” طريق موهلاند والرجل الفيل ” فهو يقدم اختياره الدقيق لأربعة أفلام  التي يرى أنها تمثل  نماذج متألقة كثيرا في اخراج المشهد . وهي ” ثمانية ونصف ” لفليلليني ” لاظهار كيف توصل فيلليني لبلوغ سينما مماثلة في نتيجتها لبعض مافعله الفنانون في الرسم التجريدي أي الحفاظ على ايصا عاطفة دون ان يظهر هذا بشكل مباشر ودون شرح بتاتا. وفلم ” سنست بولفارد ” للأسباب نفسها الى حد ما وحيث ان اسلوب بيلي وايلدر لايقارن بأسلوب فيلليني الا انه قد توصل الى نتيجة مماثلة تقريبا بخلق نوع من الجو التجريدي أقل بالسحر المحض من كل أنواع اختراع الاساليب والتقنيات فهو وصف لنا هوليوود التي لم توجد لكنه جعلنا نصدقها وندخلها كما الحلم تقريبا. وثالثا هو فلم ” عطلة السيد هولو ” لنظرة المخرج ” تاتي ” التي لاتصدق في المجتمع حيث نرى في الفلم معرفته العميقة وحبه الحقيقي للكائن البشري وليس بوسعنا سوى عمل الشيء نفسه . واخيرا فلم ” النوافذ الخلفية ” للطريقة الذكية التي توصل عبرها هيتشكوك في خلق واعادة خلق عالم حقيقي في ساحة تك العمارة)
وبالنسبة لأوليفر ستون فهو يقول ( عندما اشاهد اول خمسة عشر لقطة من فلم طويل اعرف ميدور في ذهن المخرج على وجه الخصوص ان كان عنده شيء يقوله. مايهمني هو نظرته الى العالم والباقي ديكور بما ذلك الممثلون والسيناريو وعليه فاني احب افلاما مثل ” ماغنوليا ” لأن عند اندرسون وجهة نظر )
ويعلق مارتن سكورسيزي الذي  يعتبر ان كل مشهد هو تجربة في حد ذاتها ( كان لدينا استاذان كبيران في تاريخ السينما وصفا القوانين الاساسية للفلم ” غريفيث” في السينما الصامتة و ” ويلز ” في السينما الناطقة غير ان السينمائيين حاليا يشعرون ان عليهم التجديد وعمل مابوسعهم لاكتشاف لغة سينمائية جديدة )

الأزياء … شيء من جمالية الفيلم السينمائي

في عام 1948 بدا الاعتراف الفعلي بالقيمة الفنية والعامل المهم والمؤثر للأزياء والملابس في الفيلم السينمائي، حينما منحت أكاديمية الأوسكار وبعد 20 عاماً من بداية حفلات توزيع جوائزها، أول جائزة في هذا الشأن لفيلم هاملت / Hamlet لأفلام الأبيض والأسود، وفيلم Joan of Arc للأفلام الملونة، حيث اعتادت الأكاديمية تقسيم الجائزة بين النوعين، ثم في عام 1958 تم دمجها لتكون جائزة أفضل تصميم أزياء لفيلم واحد سواء أكان ملوناً أم بالأبيض والأسود قبل أن يعود الفصل من جديد لسنوات محدودة.
كان اللافت أيضاً أنه في بداية الجائزة، كانت الأفلام الفائزة بأوسكار أفضل تصميم أزياء من أفلام الأسود والأبيض هي أفلام تحكي الواقع المعاصر، بينما الأفلام الفائزة من الأفلام الملونة هي غالباً ما تكون من أفلام الملحميات والمسرحيات، وهنا تظهر قوة اللون في الإفصاح أيضاً عن قوة الأزياء. بينما يمكن ملاحظة أمر مثير آخر في هذه الجائزة منذ الستينات وحتى اليوم، وبعد أن تم دمج الجائزة بشكل نهائي لتتنافس أفلام الأبيض والأسود والأفلام الملونة معاً، وهو أن الأفلام الفائزة دائماً هي أفلام تعود للماضي أو أفلام الخيال العلمي والفانتازيا – ولذا كان فيلم Black Panther هو الفائز في آخر حفلات الأوسكار، بينما طيلة هذا التاريخ لم يفز فيلم يحكي واقعاً معاصراً لتاريخ إنتاج الفيلم وأحداثاً حديثة، سوى بضع مرات قليلة منها Travels with My Aunt عام 1972 وفيلم The Adventures of Priscilla, Queen of the Desert عام 1994.
كانت هذه لمحة سريعة تعبر عن الاعتراف بقيمة تصميم الأزياء، والذي ربما يأتي استجابة متأخرة نوعاً ما للشكل الفني الذي كان معتاداً منذ أيام المسرح، ويمثل قوة تعبيرية عن معنى القصة وفكرة العمل الفني ومغزاها.
الأزياء ليست عنصراً منعزلاً
يقول لوت أزنر في مجلة السينما التي خصصت عام 1948 عدداً خاصاً عن الأزياء حينها: «الملابس في الفيلم لا تكون مطلقاً عنصراً فنياً منعزلاً، وينبغي النظر إليها من جهة أسلوب خاص للإخراج في إمكانها أن تزيد أو تنتقص من تأثيره»، بينما في مقولة أخرى جميلة عنونها كلود أوتان لاراه، الذي عمل في تصميم الأزياء والملابس حتى قبل أن يكون مخرجاً: «على صانع ملابس السينما أن يكسو الشخصيات»، مشيراً بهذه المقولة إلى قوة الأزياء والملابس في التعبير عن الشخصيات وهويتها وحتى سلوكياتها. يقول جاك مانويل: «إذا أردنا حقاً أن نعتبر السينما عيناً فضولية تحوم حول الإنسان قانصة مواقفه وحركاته وانفعالاته، فإن علينا أن نقر بأن الملبس هو أقرب شيء إلى الفرد، فهو الذي يقترن بشكله ويجمله أو على العكس يميزه ويؤكد شخصيته».
النماذج الاجتماعية
إذا كانت الملابس ستحدد للوهلة الأولى جنسية الممثل أو مرجعه، كما هو الزي المكسيكي أو ملابس الهنود الحمر في أي فيلم من أفلام الغرب الأميركي الشهيرة، فإن الأهم أيضاً هو تحديد النماذج الاجتماعية وتفاوت الطبقات، وهذا يمكن ملاحظته في أي فيلم من حقبة الخمسينات مثلاً. وربما تجاوز الأمر التعبير الموضوعي في الفيلم إلى التصميم الفني في الشكل، كما هي أفلام حقبة العصور البريطانية الشهيرة كالعصرين الإليزابيثي والفيكتوري، والتي كثيراً ما تكون حاضرة في موسم الجوائز، وهو ما يفسر وجود فيلمين مرشحين للجائزة في آخر حفلات الأوسكار من بين خمسة أفلام وهما Mary Queen of Scots, The Favourite.
التعبير العاطفي
في إضافة جميلة حول هذا الموضوع يذكرها الناقد مارسيل مارتن في كتابه «اللغة السينمائية» حول التعبير العاطفي الذي يمكن أن تحدثه الأزياء، خاصة مع دخول اللون كتعبير عن تغير حال الشخصية ذاتها، حيث يقول: «يستطيع صانع الملابس أن يخلق مؤثرات سيكولوجية بالغة الدلالة»، ثم يستشهد بوصف آل سوريو في كتاب (العالم الفيلمي)، حيث يضرب مثلاً بالتطور العاطفي الذي حصل لشخصية ماريان في الفيلم الشهير روبن هود، حيث كانت في البداية ترتدي الأحمر مثل شخصية جنسبورن، باعتبارها أحد أنصاره وتابعيه لكنها فيما بعد حينما تتقرب رويداً للبطل روبن هود، فإنها تتحول في لبسها على نوع من الملابس الفاتحة التي يسود فيها اللون الأخضر وهو لون البطل الشعبي روبن هود نفسه.

  • نشر في مجلة ” زهرة الخليج “

في تاريخ السينما … كيف جاءت النجوم !!

قبل فترة نشرة مجلة ” فوربس ” الامريكية للمال والأعمال قائمة بأكثر الممثلين النجوم دخلا خلال عام 2017  في عالم السينما حيث تشير الأرقام الكبيرة جدا إلى ارتفاع القيمة التسويقية للنجوم الممثلين وإيمان  شركات الإنتاج بأهمية ‘امل وجود النجم الممثل في الفيلم  لجذب الجماهير . حيث تشير مجموع مادخله أعلى 20  ،جما ممثلا إلى 720  مليون دولار  يتصدرهم النجم مارك والبرغ بمبلغ  68 مليون دلار عن فيلم Transformers: The Last Knight وهو مايعد مبلغا ضخما حتى بقياس ميزانية الفيلم العامة التي بلغت 217  مليون دلار  ثم يليه  دوين جونسون 65  مليون دولار  , وفين ديزل 54 مليون دلار إلى آخر القائمة التي ضمت ايضا في المراتب العشر الأولى نجوم التمثيل في السينما الهندية مثل أكشاي كومار و سلمان خانت وشارو خان بمبالغ تتراوح مابين 35-38  مليون دولار .
ولكي نفهم كيف وصلت الامور إلى هذا الحد ربما علينا ان نعود عقودا من السنوات إلى الوراء والمرحلة التي تم فيها خلق فكرة ” النجم ” بعد فترة من التردد التي وجد المنتجون أنفسهم فيها مابين إعطاء النجم قيمة   كعامل جذب جماهيري  أو الخشية من إدراك هذا النجم لقيمته مما قد تدفعه لفرض شروطه واستقلاليته والمغالاة في أجره !
في مطلع القرن التاسع عشر حينما بدأت السينما ذاتها كان عليها أن تجد مكانا مناسبا امام الفن المسرحي الأهم والأشهر حينها خاصة مع حداثتها وقصر مدة عرضها التي لم تتجاوز في البداية الخمس عشرة دقيقة ولم يكن الممثل السينمائي ليجد أي مكانة قريبة من نجوم المسرح وقتها . والى وقت متأخر من بداية السينما كانت رابطة مخرجي برلين المسرحيين مثلا ترفض السماح لممثلي المسرح بالعمل في الأفلام باعتبارها فنا لايرقى لسمعة المسرح.وكذا الحال في بداية السينما اليابانية حينما رفضت مسارح الكابوكي السماح لممثليها بالظهور في الأفلام السينمائية. وفي أمريكا نفسها كان الممثلون في البداية يخجلون من وضع اسماءهم على الأفلام او مايطلقون عليها استهزاء ” صور الصفيح المهرولة “!!
لكن الأمور اصبحت تتجه بشكل آخر حيث اصبح الجمهور يرغب أكثر بالتعرف على هؤلاء الممثلين النجوم ويطالب ايضا بالكشف عن اسمائهم بدلا من اطلاق الألقاب عليهم كما كانت العادة مثل فتاة البايوغراف ” نسبة لشركة بايوغراف التي تظهر فلورانس لورانس في أفلامها والتي يمكن اعتبارها اول نجمة سينمائية بالمعنى الحديث و “ماري الصغيرة ” للممثلة ماري بيكفورد وغيرها .
وبالرغم من ممانعة المنتجين الذين كانوا وقتها يقفون على رأسه الهرم في الصناعة السينمائية ابتداء من المغامرة بإعطاء كل هذه القيمة للنجوم إلا أن بعضهم تعامل مع الأمر بطريقة مختلفة لتحقيق مكاسب أكبر كما هو حال شركة “أدولف زوكور ” التي اصبحت فيما بعد الشركة الكبرى الشهيرة ” بارمونت ” فقد عملت على تطوير النجمات تحديدا ولكن وفق عقود احتكارية مما دفع هوليود ايضا إلى صياغة سيناريوهات خاصة لمثل هؤلاء النجوم من الممثلين والممثلات  والتي استطاع البعض منهم التحرر من هذا النظام وتلك العقود الاحتكارية لينتهي الوضع بإنشاء مايسمى بشركة ” الفنانون المتحدون ” بأسماء كبيرة مثل شارلي شابلن ودغلاس فيربانكس وماري بيكفورد معلنين استقلالهم التام عن كبار استديوهات شركات هوليود ومحققين في نفس الوقت نجاحا مشهودا مع بداية إنتاج الشركة تحديدا وتعثرها لاحقا لتتم العودة من جديد لسلطة الشركات المنتجة الكبرى في مرحلة مايسمى بنظام الاستديو.قبل ان تتغير فكرة ” النجم ” أيضا حينما قامت شركات الانتاج لاحقا  باغراق الجمهور بمختلف وسائل الدعاية من صور فوتغرافية وصور حائطية وبطاقات بريدية اضافة لمجلات السينما التي تقوم بالترويج لهؤلاء النجوم جاعلة منهم اناسا اشبه بالأساطيرويقال انه كان في هوليوود وحدها مالايقل عن خمسمائة مراسل صحفي  لنقل آخر أخبار النجوم وتحركاتهم واسرارهم وترى الكاتبة تري مارغريت ان هولييود حينها كانت ثالث اكبر مصدر للاخبار بعد واشنطون ونيويورك ونحو مائة الف كلمة كانت تخرج يوميا منها  ونشأت حينها العديد من الاندية الخاصة بمعجبي نجم معين
لكن أطرف مايمكن الحديث عنه في موضوع استثمار النجوم وابرازهم  تلك الفترة هو ماذكره الكاتب والمؤرخ السينمائي دافيد أي كوك في كتابه ” تاريخ السينما الروائية ” حينما أراد كارل ليمبل احد المنتجين المستقلين ان يعلن عن انتقال “فتاة البايوغراف ” فلورانس لورانس من شركة “بايوغراف ” الى شركته “الشركة المستقلة للأفلام ” حيث قام بعملية مفبركة ناجحة فبعد التعاقد مع فلورانس قام باشاعة خبر موتها ذاكرا اسمها الحقيقي لأول مرة عبر تقارير صحفية مجهولة ولاتحمل توقيعا . ثم أتبع ذلك بعمل حملة اعلانية كبيرة باسم شركته لنفي اشاعة موت الممثلة وانها مجرد كذبة للتشويش حول انتقال الممثلة فلورانس وتأكيدا لهذا الأمر فقد وعد كنغ باغوت الممثل الأول لشركة كارل ليمبل والذي يظهر اسمه لأول مرة كذلك بأن يرافق الممثلة فلورانس الى سانت لويس لحضور افتتاح أول أفلامها مع ” الشركة المستقلة للأفلام”  مما دفع الكثير جدا من الجماهير والمعجبين الى التجمع والاحتشاد عند محطة القطار ليحضوا برؤية  نجمتهم “فتاة البايوغراف” السابقة وهي على قيد الحياة. ويقال ان بعض المهووسين قاموا بتمزيق شيئا من ملابسها للاحتفاظ بها كذكرى  ليعلن بذلك عن احدى اهم عوامل الجذب الجماهيري ومحاوراقتصاديات السينما التي مازلنا نرى تأثيرها حتى هذا اليوم.

عن أفلام الخيال العلمي !

منذ بدأت الحكاية مع الإنسان كان هناك الخيال. كانت الفانتازيا وقصص الميثولوجيا من مكونات القصة الأساسية، ولذا لم يكن مستغرباً أن تتأثر الفنون حينما تكونت وتطورت بهذا الأمر، منذ الأدب بتنوعاته الشعرية والقصصية والملحمية، وحتى ظهور المسرح إلى مطلع القرن الـ19 مع بروز السينما، حيث جاء الخيال كمحور أساسي في قصص الأفلام، ومنها الخيال العلمي، والذي تراوحت تعريفاته ما بين كونه «يدور حول مستقبل العلم والعلماء»، كما يقول أزيك أسيموف، أو تعريفاً أكثر شمولية يقدمه الأميركي جي أو بايللي بأنه «يترجم المكتشفات والمخترعات والتطورات التكنولوجية قريبة الظهور أو التي لم تظهر بعد إلى مشاكل إنسانية ومغامرات درامية».
الفيلم الأول
بطبيعة الحال ومنذ قام جورج ميليس بفيلمه التاريخي A Trip to the Moon عام 1902، وهو الفيلم الأول في هذا المجال، معتمداً على بعض الخدع البصرية لإظهار مركبة تصل إلى القمر، مروراً بفيلم فرانكشتاين /‏Frankenstein عام 1910، وهو فيلم مقتبس عن رواية ماري شيلي حول العالم، الذي يخلق وحشة عبر الكهرباء، ثم فيلم الدكتور جيكل والسيد هايد /‏ Dr. Jekyll and Mr. Hyde عام 1920، استناداً إلى القصة النفسية لروبرت لويس ستيفنسون. وحتى يومنا هذا فإن أفلام الخيال العلمي لا تقدم سوى تصور تخيلي معتمد في أساسه على العلم، لكنه ليس ذلك العلم القطعي في ثبوته ودلالته، كما هي أفلام الكواكب والكائنات الحية عليها، والتقدم الذهني والعاطفي للروبوتات وغير ذلك.
حضور مكثف
في المقابل لم تكن هذه أفلام الخيال العلمي، لتحظى بمثل هذا الحضور المكثف سينمائياً، لولا الإقبال الجماهيري والشعبية الكبيرة من محبي هذا النوع من القصص، والتي كثيراً ما استخدمت أيضاً كنوع من الإسقاطات الاجتماعية والسياسية، كما فعل المخرج الألماني الهارب إلى أميركا فريتز لانج، عبر فيلمه الشهير ميتروبوليس Metropolis عام 1927، الذي يدور حول قصة مدينة مستقبلية ذات طبقية فجة ومقسمة ما بين الطبقة العاملة ومخططي المدينة، إلا أن ابن العقل المدبر للمدينة سيقع في حب شخص من الطبقة العاملة والذي يعتقد أنه يتنبأ بقدوم المنقذ المخلص للمدينة من مشاكلها والظلم الطبقي فيها.
لكن هذه البدايات الشهيرة منذ السينما الصامتة، عبر أفلام قصيرة ثم فيلم هولغر مادسن «رحلة إلى كوكب المريخ» A Trip to Mars عام 1920، الذي يعد حينها أطول فيلم خيال علمي حيث تجاوز الساعة والنصف، لم تكن أفلام الخيال العلمي لتحظى بالاعتراف الكبير وتؤسس لنفسها مكانة مهمة بين أصناف الأفلام السينمائية، وتجلب كل هذه الإمكانات الإنتاجية الهائلة، ورصد الأموال الضخمة طمعاً في استرداد أضعافها من الجمهور؛ لولا أن مخرجاً عظيماً مثل ستانلي كيوبريك قدم عام 1968 فيلمه الشهير والتاريخي A Space Odyssey، الذي يعده البعض أفضل أفلام الخيال العلمي، حيث يروي الفيلم معتمداً على قصة قصيرة كتبها أرثر كلارك حكاية مركبة ترسل للفضاء، يتمرد فيها جهازها الآلي على الطاقم، محاولاً الاستبداد بالسيطرة على المركبة بما فيها. لكن الفيلم كان أبعد من ذلك على المستوى الفلسفي حسب المعالجة التي قدمها كيوبريك. وباعتباره فيلماً في الستينات، فقد كان أشبه بالتنبؤ المستقبلي لصراع البشر والآلة.
مرحلة أخرى
انتقل فيلم الخيال العلمي لمرحلة أخرى خاصة مع نجاح سلسلة جورج لوكاس «حرب النجوم» التي بدأت نهاية السبعينات، ولا تزال ترسل أجزاءها حتى هذا اليوم لإضافة العديد من المليارات عبر شباك التذكر، أو ربما تلك الأفلام المفردة كما فعل ريدلي سكوت عام 2015 بفيلم «المريخي» The Martian، حيث حقق عائدات مالية بأكثر من نصف مليار، حيث لم تكن تكلفة الفيلم تتجاوز 110 ملايين دولار، فضلاً عن النجاح الفني، حينما تم ترشيح الفيلم لسبع جوائز أوسكار، منها «أفضل فيلم وسيناريو» كما هي الحال مع فيلم خيال علمي آخر شهير Gravity عام 2013، محققاً الأرباح والتكلفة تقريباً، لكنه أضاف لذلك الفوز بـ«أوسكار أفضل إخراج». ومع تزايد ظاهرة العناية الكبيرة بأفلام الخيال العلمي وتكلفتها العالية، كان للصين تجربة مثيرة للانتباه حينما تم أعلى رصد ميزانية لفيلم في تاريخ السينما الصينية، وهو فيلم تم إنتاجه هذا العام بعنوان The Wandering Earth، حيث كلف الفيلم 48 مليون دولار وهو ما يعتبر شيئاً عالياً في معيار السينما الصينية، لكنه في المقابل حقق الدخل الأعلى في التاريخ، حيث تجاوز الملياري دولار عبر العالم. وهنا تستمر ثنائيات التكلفة والمردود في أفلام الخيال العلمي، لكنها تبرع أحياناً لتكون ثلاثية التكلفة والمردود المالي والمستوى الفني، كما يحدث كثيراً مع أفلام ستيفن سبيلبيرغ وجيمس كاميرون.

الحقيقة وأفلام السيرة الذاتية … فيلم غاندي أنموذجا !!

يقول الكاتب والروائي الفرنسي أندريه موروا، الذي اشتهر بكتابة عدد من سير الأدباء والفلاسفة: «أن نقول الحقيقة كلها ليس بالأمر الجيد».
هل هذا إذاً ما يدعونا إلى أن نتعامل مع السينما، حينما تتولى تقديم سير الشخصيات، تعاملاً مشوباً بالتساهل حتى وهي تبدو منحازة بعض الشيء أو انتقائية؟!
المهاتما غاندي
لننظر إلى أحد أشهر وأفضل أفلام السير الذاتية التي حققت نجاحاً كبيراً وعززت من مفهوم هذا النوع من الأفلام، وهو فيلم المخرج البريطاني الراحل ريتشارد أتينبرو عن الشخصية العظيمة والملهمة المهاتما غاندي عبر فيلم Gandhi عام 1982، والذي كان قد رشح حينها لـ11 جائزة أوسكار، فاز منها بثمانٍ، مثل: أفضل فيلم وإخراج وسيناريو أصلي وتصوير وممثل رئيسي للنجم بن كنجسلي بأدائه الرائع لشخصية غاندي. جاء الفيلم حينها عبر رحلة دراما ملحمية، تتبعت شخصية هذا الزعيم الروحي الشهير المهاتما غاندي، منذ كان طالباً في القانون في بريطانيا مروراً بعمله في جنوب أفريقيا حتى عودته للهند، ومقاومته السلمية اللاعنفية للجيش البريطاني، مروراً بالصراع السياسي بين زعماء الهند وباكستان إلى حين اغتياله بسبب تداعيات الصراع الديني.
موضوعية
ما يجدر ذكره هنا هو أن الفيلم فنياً لا يمكن الشك فيه، وهو يحتل مرتبة جيدة في قوائم أفضل الأفلام السينمائية، لكن على مستوى الموضوعية. فالفيلم تلقى الكثير من الانتقادات، باعتباره فيلماً احتفائياً تبجيلياً، يظهر أفضل ما تمثله صورة المهاتما غاندي دون ما هو موضع نقد واستياء في جوانب شخصيته، كما فعل الكاتب ريتشارد غرينر في مقاله «غاندي.. ما لا يعرفه أحد»، والعقيد جي بي سينغ في كتابه «غاندي وراء قناع الألوهية»، لكننا سنتفهم شيئاً من الأمر، حينما نعلم أنه قبل تصوير الفيلم كان المخرج ريتشارد أتينبرو قد عقد مؤتمراً صحافياً في دلهي، للإعلام الهندي، ليطمئن قلقهم حول كيفية تصوير غاندي، الذي هو بمثابة إله عند الكثيرين من الهنود، لدرجة أن إحدى الصحافيات قد اقترحت أن يظهر غاندي كضوء أبيض لامع يتحرك في الشاشة! ولذا لم يكن شيئاً غريباً أن يتطوع أكثر من 300 ألف هندي، من أجل تصوير مشهد جنازة المهاتما غاندي، ليصبح الرقم القياسي حالياً في عدد «الكومبارس» لمشهد واحد.
الشخصية ضمن سياق معين
من هنا يمكننا أن نرى السينما تجاه هذا الموضوع، لا تقدم نفسها كمصدر معرفي عن الشخصية، بقدر ما تريد أن توظف هذه الشخصية ضمن سياق معين. وحينما نستعرض العديد من أفلام السير الذاتية الشهيرة سنصل إلى مثل هذه النتيجة، وسنجد أن كل مخرج يعزز هذا الرأي بأنه ليس كتاباً علمياً ولا بحثاً أكاديمياً بقدر ما هو فنان يستلهم من حياة الشخصية أفضل ما يظنه ملهماً أو مثيراً، حدث هذا مع الكثير من أفضل أفلام هذا النوع مثل شخصية موزارت في فيلم ميلوش فورمان Amadeus عام 1984 وسكورسيزي مع جاك لاموتا في Raging Bull وسبيلبيرغ مع لينكولن وأوليفر ستون مع الإسكندر المقدوني، وجورج دبليو بوش وكنيدي وسدوربيرغ مع تشي جيفارا.
سير ذاتية
مؤخراً شاهدنا في السنوات الأخيرة العديد من أفلام السيرة الذاتية التي حققت نجاحات فنية وتجارية وسابقت في مضمار الأوسكار بأكثر من جائزة، مثل Vice عن نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، وBohemian Rhapsody عن مغني فرقة كوين فريدي ميركوري، وقبلها كان هناك Darkest Hour لجو رايت عن الرئيس البريطاني فترة الحرب العالمية الثانية، ونستون تشرشل وThe Theory of Everything لجيمس مارش عن العالم الفيزيائي الشهير ستيفن هاوكينق، وThe King’s Speech لتوم هوبر عن الملك جورج السادس ومشكلته في النطق، وThe Social Network لديفيد فينشر عن مؤسس «فيسبوك» مارك زكربيرغ، وThe Iron Lady عن رئيسة وزراء بريطانيا الشهيرة مارغريت تاتشر.
طابع سياسي
وبما أنه يغلب على هذه الأفلام الطابع السياسي، الذي هو امتداد لكون شخصية نابليون بونابرت، الشخصية الأكثر عرضاً في الأفلام عبر تاريخ السينما، عطفاً على كون الشخصية السياسية هي الميدان الأفضل، لتجاوز محورية الشخصية ذاتها نحو السياق العام اجتماعياً وسياسياً، والتعامل مع فيلم السيرة الذاتية كوثيقة تاريخية، لكننا بطبيعة الحال لن ننسى ما ذكره أندريه موروا من أن قول كل الحقيقة ليس شيئاً جيداً!
 
 
* نشر في مجلة زهرة الخليج
 

السينما والصورة … العلاقة والتحول !!

حينما قالوا إن السينما هي الفن السابع وآخر الفنون البصرية حتى الآن كان لابد إذن من الحديث عنها مقارنة أو تماهيا مع ماسبقها من الفنون كالرسم والنحت والمسرح والتصوير الفوتغرافي والرواية سواء كان الحديث حول علاقة أحد هذه الفنون بالسينما أو كيف أن السينما طوعت شيئا من هذه الفنون السابقة أو كيف تقدم السينما مثل هذه الفنون عبر أفلامها . وهنا سنحاول أن نعرف شيئا من العلاقة أيا كان اتجاهها مابين السينما والتصوير الفوتغرافي والتشكيلي تحديدا
يقول جيمس موناكو في كتابه ” كيف تقرأ فيلما ” : في البداية لم تستطع السينما السينما المنافسة المباشرة مع مع فن التصوير التشكيلي إلا في مدى محدود وكان عليها أن تنتظر حتى نهاية الستينات حينما أصبح الفيلم الملون متقنا بما فيه الكفاية ” ثم يضيف ” ظلت المحاكاة منذ بداية عصر النهضة قيمة أساسية في جماليات التصوير … وكانت مستنسخات المناظر الطبيعية ساحرة كما كان للوحات البورترية تجربة صوفية ”
ثم يتحدث المؤلف عن بدايات التصوير منذ أعلن فرانسوا آراجو في أكاديمية الفنون الفرنسية عام 1839 عن اختراع ألة ستكون وسيلة لتسجيل صورة فوتغرافية باقية .ثم تطور الأمر وكيف صار المصورون الفوتغرافيون منتصف القرن التاسع عشر ينظرون إلى الحركة ( عنصر الزمن ) ليحققوا اكتمال فنهم  وجاءت تجارب أمثال أوسكار جي ريلاندر  وهنري بيتش في إنجلترا في الجمع بين شكلين بإعداد مناظر معقدة شبيهة بالمسرح الجماهيري حينها واستخدموا ممثلين لتحقيق التأثير عبر أيضا مجموعة من الصور .. كانت تجربة درامية بطريقة ما .
وحينما نقفز بالزمن حتى نهاية عام 1895 واختراع السينما ونتذكر كيف أن الرسام الشهير مارسيل دوشامب ذهب لمشاهدة فيلم ” سرقة القطار الكبرى ” وأعجبه الأمر ثم عاد ليرسم لوحته ” عارية تنزل من على السلم ” لندرك أن حلم التفلت من لحظة الزمن وبث روح الحياة في الصورة أصبح متاحا بعد أن جاءت السينما … فالسينما في النهاية هي صورة … والمشهد هو مجموعة صور تمثل مفهوم الصورة الفوتغرافية في لحظة ما .
يقال أن رساما صينيا كان قد رسم وادجيا يتلوى فيه ممر يختفي في نهايته خلف جبل فلما انتهى من الرسم أعجبه المنظر فدخل الممر وذهب بعيدا خلف الجبل في اللوحة حتى اختفى ولم يرى بعد ذلك … ينقل هذه الحكاية الدكتور عقيل مهدي يوسف في كتابه ” جاذبية الصورة السينمائية ” بعد أن علق قائلا ” الكادر السينمائي يقدم صورة فيها إيقاع بصري وذبذبة خطوط واتجاهات وتكوينات وإنشاءات مرئية جذابة وفضاءات الصورة التشكيلية ” ثم يذكر تعليق الباحث السينمائي مارسيل مارتين على حكاية الرسام الصيني بقوله ” كم من المتفرجين يدخلون على هذا النحو في العالم الذي تقدمه لهم الشاشة ولايعودون قادرين على التخلص منه ”
لنتذكر أن أهمية الصورة عززت من أهمية التصوير ذاته ولذا كانت هناك جائزة التصوير السينماتوغرافي في جوائز الأوسكار منذ عام  Best Achievement in Cinematography ) 1927 ) وبدأت نقابة المصورين في أمريكا American Society of Cinematographers  منذ عام 1987 ومن قبلها كان هناك جمعية لمشغلي الكاميرا Society of Camera Operators  بدأت عام 1981.
بقي أن اشير إلى فيلمين تناولا التصوير الفوتغرافي كموضوع بشكل رائع ومؤثر .. الأول هو فيلم المخرج الألماني  فيم فندرز عام 2014 The Salt of the Earth المرشح لجائزة أوسكار أفضل فيلم وثائقي لعام 2014 للمخرج الألماني فيم فيندرز , حيث يتتبع حياة المصور البرازيلي الشهير سباستيو سلجادو  الذي قضى أربعين سنة يدور في القارات والمدن حيث البؤس والعجز, فنقل العديد من مآسي الإنسان والحياة والحروب, فيلم رائع فنياً كما أنه مؤثر جداً بفيض إنساني عالي يجعلك ترى العالم بطريقة مختلفة . والثاني كان عام 2013 Finding Vivian Maier حول حياة الفنانة المصورة فيفيان ماير فبعد زيارة جون مزاداً لبيع الخردوات للحصول على صور قديمة من أجل كتابه الجديد ، يلفت انتباهه صندوق مليء بصور قامت بتصويرها مربية أطفال ليبدأ رحلة البحث عنها ومن هنا تبدأ الاحداث . وكان الفيلم قد ترشح لأوسكار أفضل فيلم وثائقي .
فيما يمكن مشاهدة جمال التصوير عبر الأعمال الوثائقية للمخرج رون فريك Baraka  , Samsara   ومن قبله المخرج غودفري ريغيو الذي كان قد بدأ ثلاثيته التصويرية الوثائقية الجميلة في بداية الثمانينات Koyaanisqatsi  “في لغة الهوبي، معناها “الحياة الخارجة عن التوازن.” Powaqqatsi     تعني “الطريقة الطفيلية للحياة” أو “الحياة التي تمر بمرحلة انتقالية””. Naqoyqatsi   ” وتعني “الحياة كحرب” “عنف متحضِّر” و “حياة تقتل بعضها البعض”.