جورج سادول … مؤرخ السينما الأول ومؤلف كتابها الأشهر !

 
 
اذا ماجاء الحديث عن التأريخ السينمائي وأبرز كتبه فسيأتي المؤرخ والناقد السينمائي الفرنسي جورج سادول في مقدمة كل الاسماء الأخرى ممسكا بكتابه الهام والاشهر ” تاريخ السينما في العالم ” الذي أضحى الآن مرجعا مهما ومصدرا لكل من يبحث في تاريخ السينما ويكتب عنها.
ولد جورج سادول في باريس عام  1904 وكان صحفيا وكاتبا سينمائيا لكنه حصل على دكتورة في تاريخ الفن من جامعة موسكو ودرس في المعهد السينمائي الفرنسي وكتب عدد من الاعمال السينمائية المؤثرة كما كتب سيرا ذاتية عن مشاهير السينما مثل جورج ميليس وشارلي شابلن , وفي الثلاثينات الميلادية كان شيوعيا ماركسيا مما جعل البعض ينتقده معتقدا ان نظرياته السينمائية كانت قد تأثرت بتوجهاته السياسية .وتوفي جورج سادول في باريس عام 1967 بعد تسع سنوات من تاليفه الاول لكتابه الشهير  ” تاريخ السينما في العالم ” وهو انموذج لما كان عليه جورج سادول من الدقة وبذل الجهد والتحري في تاليف هذا الكتاب . فكان قد أنها بداية في كتابة تاريخ السينما منذ نشأتها حتى عام 1919 في أربعة أجزاء ضخمة مركزا فيها على ستة أو سبعة من الدول الاساسية  المتقدمة في الانتاج السينمائي دون اهتمام يذكر بالسينمات الاخرى القادمة من أفريقيا وآسيا واميكا اللاتينية . لكنه استمر ولمدة ثمانية عشر سنة يقوم بتعديله والاضافة اليه في كل طبعة حتى انهاه عام 1958 تحتى مسمى ” تاريخ السينما في العالم ” متحدثا باسترسال عن اكثر من خمسين دولة  ذات انتاج سينمائي  بعد عناء كبير وسنوات من السفر والتنقل  والتردد على المكتبات السينمائية وحضور أكثر من مائة مهرجان سينمائي حول العالم والانتقال للعيش في دول متعددة ليكون اقرب الى ادراك انتاجها السينمائي حيث زار الهند والصين والايابان والمكسيك وكوبا والبرازيل والارجنتين والاتحاد السوفيتي وتشيكسلوفاكيا – في وقته- ورومانيا وهنغاريا ويوغسلافيا وتونس والجزائر ومصر وسوريا ولبنان وكان على حد قوله في زياراته هذه يمتنع عن زيارة المتاحف والاماكن السياحية ويحبس نفسه في قاعات العرض ليشاهد مايقارب المائة فلم  من الافلام الطويلة في كل بلد حتى خرج الكتاب في طبعته الفرنسية فيما يقرب الخمسمائة واربعين صفحة وتم ترجمته الى اكثر من عشرين لغة مع ان سادول كان يحرص في طبعة كل ترجمة ان يكثف اهتمامه بسينما تلك البلد ويوسع صفحاتها كما حدث في الطبعة العربية التي كتبها استجابة لما عهدت اليه اليونسكو بكتابة مقتطفات مكرسة عن السينما العربية وتاريخها وحالها الحاضر  وتطوراتها . وهو مع ذلك يقول عن كتابه هذا ” انها لصفحات قليلة تعجز عن احتواء سبعين عاما من التاريخ في سبعين بلدا خصوصا اذا ماأريد للكتاب أن يظل مقروءا وان لايأتي شبيها بدليل للهاتف يعدد اسماء السينمائيين وعناوين الأفلام ”
وقد احتوى كتابه ” تاريخ السينما في العالم ” على سبعة وعشرين فصلا ابتداها بنشأة السينما منذ اختراعها وبداياتها مع لوميير وميليس  وباتيه مرورا بما سماه بالاندفاع الامريكي الأول وفلم الفن عند فرنسا والسينما الشمالية الايطالية ثم مادعاه بالارتقاء الامريكي والكشوف الالمانية والانطباعية الفرنسية والانفجار السوفيتي  .ثم بناء هوليوود وظهور السينما الناطقة قبل ان يعود مرة اخرى الى الواقعية الشعرية الفرنسية وانطلاقة السينما السوفيتية الجديدة ونهضات في انجلترا واوربا ثم الحديث عن الواقعية الايطالية الجديدة والموجة الفرنسية فترة الخمسينات الميلادية ثم تحدث في الفصول الاخرى عن السينما في العالم مثل امريكا اللاتينية والشرق الاقصى والسينما الاسيوية والهندية والعالم العربي والسينما الافريقية متحدثا عن عدد من الدول التي لايكاد يوجد لها أي اثر سينمائي حاليا او لاتمتلك أي صناعة سينمائية مطلقا. وقد تحدث عن التاريخ السينمائي في السعودي فترة الستينات الميلادية معتقدا ان القانون حينها يحرم وجود سينمات مخصصة للعرب في حين ان التواجد الموظفين الغربيين في كبرى الشركات السعودية مثل ارامكو كان يحضى بصالات سينمائية تستقبل آخر انتاجات هوليوود وكيف انه في عام 1965 كانت السعودية الدولة الوحيدة في العالم العربي التي يجهل سكانها رسميا كل شيء عن السينما ويستشهد ايضا بكلام محرر جريدة لوموند الفرنسية ايريك رولو الذي ذكر انه في تلك الفترة تجاوز الملك فيصل ذلك القانون الذي يحرم السينما وافتتاح دور العرض وذلك باقامة شبكة تلفزيونية رغم معارضة واحتجاجات الجهات الدينية في البلد  وكيف ان البرامج حينها كانت  دينية تعليمية في  باديء الامر قبل ان تتطور الى صيغة اكثر تسرية عبر عرض ميلودرامات مصرية يجتزأ منها تلك المشاهد التي تبدو فيها النساء على شيء من التعري..
واخيرا فانه بقدر مايعني كل مهتم بالسينما وتاريخها مثل هذا الكتاب فانه من المؤسف ان يكون مثل هذا التأريخ السينمائي قد وقف عند منتصف الستينات الميلادية والاكثر أسفا هو الانجد مؤلفا عربيا قد عني بكتابة التأريخ السينمائي وتقصيه في البلدان العربية ونضطر الى الرجوع دائما الى مثل جورج سادول للتعرف على هذا التاريخ.
 

هيتشكوك … لماذا هو سيد الإثارة!

 
 
ربما يكون المخرج البريطاني ” ألفريد هيتشكوك ” هو الاسم الاشهر والابرز عالميا حتى عند الذين لم يشاهدوا أفلامه أو يقرأوا القصص التشويقية التي انتحلت اسمه .. ولم يكن مستغربا أن تسمع شخصا يتحدث او معلقا رياضيا ليصف توالي الأحداث وغرابتها الغامضة او المشوقة بأنها جاءت ” بطريقة هيتشكوكية ” حيث يحل الاسم بديلا لمعاني التوشق والغموض والاثارة !! وهذا مايدفع لتساؤل دائما عن السبب بكونه ” سيد الإثارة ” كما يطلق عليه والدور الذي أضافه للسينما عبر أفلامه المتعددة والشهيرة فيلما لم ينتظمها مخرج من قبله أو بعده بهذا الشكل !!
 
في البداية كان ألفريد هيتشكوك ( 1899 – 1980 ) قد بدأ العمل في بريطانيا ليحضى  بنجاح لافت و شعبية كبيرة في الأفلام الصامتة و الناطقة المبكرة , حتى انتقل إلى الولايات المتحدة في عام 1939 ليكمل مسيرته في هوليود وحتى وقت وفاته عام 1980 بعد أكثر من نصف قرن من العمل المجهد والتفكير الخلاق والقصص الاستثنائية ليترك من بعده إرثا عظيما من روائع السينما العالمية وتحفها الشهيرة من مثل
 
The 39 Steps  التسع و ثلاثون درجة (1935) عن شخص يتورط في قضية عالمية و يفر من العدالة بلمسات كوميدية خفيفة ,
The Lady Vanishes   المرأة التي اختفت (1938) عن شابة تتعرف على سيدة مسنة في قطار ثم تختفي المرأة المسنة و تتهم الشابة بالهلوسة ,
Rebecca  ريبيكا (1940) شابة تتزوج من أرمل ثري و تعيش في قصره لكن شبح الزوجة الأولى يؤرقها ,
Shadow of a Doubt  ظل الشك (1943) عن قاتل للأرامل المسنات الذي ينتقل إلى قرية صغيرة و علاقته من ابنة أخته التي تحمل نفس اسمه ,
Notorious   نوتوريوس (1946) عن امرأة يتم توظيفها كجاسوسة للإيقاع بمجموعة من النازيين ,
Rear Window  النافذة الخلفية (1954) عن شخص مقعد يقضي يومه بمراقبة جيرانه و يبدأ يشك بوقوع جريمة قتل في الحي ,
Vertigo   فيرتيقو (1958) عن محقق خاص يكلف بملاحقة زوجة شخص ثري ثم يقع في حبها ,
North by Northwest  الشمال في الشمال الغربي (1959) عن منظمة سرية تعتقل شخص بالخطأ تظن أنه جاسوس ,
Psycho  سايكو (1960) عن امرأة تسرق مبلغ كبير من المال و تهرب من المدينة.
 
 
وحينما نعود للسؤال الأول عن السبب في كون هيتشكوك هو سيد الاثارة والغموض والتشويق بلا منازع فلن نكتفي بالإجابة البدهية التي تعول على مستوى قصصه فائقة الجودة والمفعمة بأجواء من الإثارة وحبكة الحدث مما اشتهر به هيتشكوك بشكل أكبر من غيره وإنما علينا أن نضيف لذلك رؤيته الخاصة في سرد هذه القصص وأسلوبه الفريد في معالجتها من حيث  توظيف جميع الأدوات من موسيقى تصويرية و مونتاج و حركة الكاميرا وزوايا الالتقاط والتي أصبحت من علاماته المميزة حيث تتحرك بشكل مشابه لمنظور الشخص لإجبار المشاهد للتفاعل مع المشهد , كما يتميز بإختياره للكوادر التي تلبي أفضل غرض مطلوب من المشهد ( من خوف , تعاطف , إثارة ) و إستخدام المونتاج و الموسيقى بطريقة عبقرية جدا تجعل من مشاهدة معبأة بالمشاعر ويمكن ملاحظة ذلك في مشهد القتل الشهير في فلمه سايكو (1960) وصرخات الممثلة المفزعة تحت دش الاستحمام والذي يشاع وقتها ان الكثير من الفتيات اصبحن يخشين الاستحمام للأثر الذي أحدثه المشهد حينها فيما سنلاحظ من جهة أخرى أن غالب أفلام هيتشكوك تدور حول قصة الهوية الخاطئة أو الفار من العدالة أو عن جريمة قتل مخطط لها أو العميل السري و المؤامرات الدولية و وجود النساء الشقروات الباردات بقالب إثارة نفسية .فيما لايتوانى عن استخدام الكثير من  الإشارات الجنسية و الكوميديا  السوداء في أغلب أفلامه مما يجعل المشاهد أكثر تفاعلا معها .
وحيث ان هيتشكوك فرض نفسه كأيقونة سينمائية في السرد والاخراج فمن الطبيعي أن يلقي بأثره على الكبير على أجيال من صناع الأفلام الذين أتو بعده من مثل الفرنسي فرانسوا تروفو ( الأربع مئة ضربة , اقتل عازف البيانو ) والذي قام بكتابة مقال شهير جدا يتحدث فيه عن سينما هيتشكوك و بالأخص فلم ظل الشك كما قام بإخراج مجموعة من الأفلام بها محاكاة لما كان يصنعه هيتشكوك فضلا عن التحية التي قدمها تروفو لهذا المخرج العظيم في آخر أفلامه  دون أن ننسى بطبيعة الحال الكتاب الشهير لتروفو حينما أجرى لقاء مطولا وشيقا مع هيتشكوك . كما يمكننا الاشارة ايضا للمخرج الأمريكي براين دي بالما ( كاري , سكارفيس ) حيث أخرج بعض الأفلام التي فيها احتكاك مباشر بهيتشكوك.فيما يرى البعض ان المخرج ديفيد فينشر ( سبعة , نادي القتال , زوردياك ) يأتي كامتداد لجيل المخرجين المتأثرين بهيتشكوك في عالم صناعة افلام الاثارة والغموض فضلا عن أن عددا من المخرجين كانوا قد استعانوا بنفس الموسيقار الذي عزف أشهر المقطوعات في أفلام هيتشكوك , (بيرنارد هيرمان ) مما جعل أفلامهم تحمل الطابع الهيتشكوكي بشكل عالي .

الحقيقة وأفلام السيرة الذاتية … فيلم غاندي أنموذجا !!

يقول الكاتب والروائي الفرنسي أندريه موروا، الذي اشتهر بكتابة عدد من سير الأدباء والفلاسفة: «أن نقول الحقيقة كلها ليس بالأمر الجيد».
هل هذا إذاً ما يدعونا إلى أن نتعامل مع السينما، حينما تتولى تقديم سير الشخصيات، تعاملاً مشوباً بالتساهل حتى وهي تبدو منحازة بعض الشيء أو انتقائية؟!
المهاتما غاندي
لننظر إلى أحد أشهر وأفضل أفلام السير الذاتية التي حققت نجاحاً كبيراً وعززت من مفهوم هذا النوع من الأفلام، وهو فيلم المخرج البريطاني الراحل ريتشارد أتينبرو عن الشخصية العظيمة والملهمة المهاتما غاندي عبر فيلم Gandhi عام 1982، والذي كان قد رشح حينها لـ11 جائزة أوسكار، فاز منها بثمانٍ، مثل: أفضل فيلم وإخراج وسيناريو أصلي وتصوير وممثل رئيسي للنجم بن كنجسلي بأدائه الرائع لشخصية غاندي. جاء الفيلم حينها عبر رحلة دراما ملحمية، تتبعت شخصية هذا الزعيم الروحي الشهير المهاتما غاندي، منذ كان طالباً في القانون في بريطانيا مروراً بعمله في جنوب أفريقيا حتى عودته للهند، ومقاومته السلمية اللاعنفية للجيش البريطاني، مروراً بالصراع السياسي بين زعماء الهند وباكستان إلى حين اغتياله بسبب تداعيات الصراع الديني.
موضوعية
ما يجدر ذكره هنا هو أن الفيلم فنياً لا يمكن الشك فيه، وهو يحتل مرتبة جيدة في قوائم أفضل الأفلام السينمائية، لكن على مستوى الموضوعية. فالفيلم تلقى الكثير من الانتقادات، باعتباره فيلماً احتفائياً تبجيلياً، يظهر أفضل ما تمثله صورة المهاتما غاندي دون ما هو موضع نقد واستياء في جوانب شخصيته، كما فعل الكاتب ريتشارد غرينر في مقاله «غاندي.. ما لا يعرفه أحد»، والعقيد جي بي سينغ في كتابه «غاندي وراء قناع الألوهية»، لكننا سنتفهم شيئاً من الأمر، حينما نعلم أنه قبل تصوير الفيلم كان المخرج ريتشارد أتينبرو قد عقد مؤتمراً صحافياً في دلهي، للإعلام الهندي، ليطمئن قلقهم حول كيفية تصوير غاندي، الذي هو بمثابة إله عند الكثيرين من الهنود، لدرجة أن إحدى الصحافيات قد اقترحت أن يظهر غاندي كضوء أبيض لامع يتحرك في الشاشة! ولذا لم يكن شيئاً غريباً أن يتطوع أكثر من 300 ألف هندي، من أجل تصوير مشهد جنازة المهاتما غاندي، ليصبح الرقم القياسي حالياً في عدد «الكومبارس» لمشهد واحد.
الشخصية ضمن سياق معين
من هنا يمكننا أن نرى السينما تجاه هذا الموضوع، لا تقدم نفسها كمصدر معرفي عن الشخصية، بقدر ما تريد أن توظف هذه الشخصية ضمن سياق معين. وحينما نستعرض العديد من أفلام السير الذاتية الشهيرة سنصل إلى مثل هذه النتيجة، وسنجد أن كل مخرج يعزز هذا الرأي بأنه ليس كتاباً علمياً ولا بحثاً أكاديمياً بقدر ما هو فنان يستلهم من حياة الشخصية أفضل ما يظنه ملهماً أو مثيراً، حدث هذا مع الكثير من أفضل أفلام هذا النوع مثل شخصية موزارت في فيلم ميلوش فورمان Amadeus عام 1984 وسكورسيزي مع جاك لاموتا في Raging Bull وسبيلبيرغ مع لينكولن وأوليفر ستون مع الإسكندر المقدوني، وجورج دبليو بوش وكنيدي وسدوربيرغ مع تشي جيفارا.
سير ذاتية
مؤخراً شاهدنا في السنوات الأخيرة العديد من أفلام السيرة الذاتية التي حققت نجاحات فنية وتجارية وسابقت في مضمار الأوسكار بأكثر من جائزة، مثل Vice عن نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، وBohemian Rhapsody عن مغني فرقة كوين فريدي ميركوري، وقبلها كان هناك Darkest Hour لجو رايت عن الرئيس البريطاني فترة الحرب العالمية الثانية، ونستون تشرشل وThe Theory of Everything لجيمس مارش عن العالم الفيزيائي الشهير ستيفن هاوكينق، وThe King’s Speech لتوم هوبر عن الملك جورج السادس ومشكلته في النطق، وThe Social Network لديفيد فينشر عن مؤسس «فيسبوك» مارك زكربيرغ، وThe Iron Lady عن رئيسة وزراء بريطانيا الشهيرة مارغريت تاتشر.
طابع سياسي
وبما أنه يغلب على هذه الأفلام الطابع السياسي، الذي هو امتداد لكون شخصية نابليون بونابرت، الشخصية الأكثر عرضاً في الأفلام عبر تاريخ السينما، عطفاً على كون الشخصية السياسية هي الميدان الأفضل، لتجاوز محورية الشخصية ذاتها نحو السياق العام اجتماعياً وسياسياً، والتعامل مع فيلم السيرة الذاتية كوثيقة تاريخية، لكننا بطبيعة الحال لن ننسى ما ذكره أندريه موروا من أن قول كل الحقيقة ليس شيئاً جيداً!
 
 
* نشر في مجلة زهرة الخليج
 

باستر كيتون … أيقونة الكوميديا والمخاطرة !!

في فيلم المخرج الايطالي برناردو بيرتلوشي THE DREAMERS يحتدم النقاش بين شابين صديقين حول المقارنة مابين أشهر نجوم السينما الصامتة شارلي شابلن وباستر كيتون ليقرر الشاب الامريكي أن باستر كيتون منتج افلام حقيقي وأكثر اضحاكا من أي شخص آخر وسط معارضة صديقه الفرنسي الذي يميل لتفضيل شارلي شابلن .
والحقيقة أن هذه المقارنة هي انعكاس تقليدي لواقع كثير من الاحاديث السينمائية بمتابعيها ونقادها منذ زمن النجمين شابلن وكيتون بالرغم من كون شابلن الاشهر والاكثر ايقونية لكن فترة ظهورهما بنفس الوقت مابين شابلن في بريطانيا وباستر كيتون في أمريكا وتشابه اسلوبيهما ومحورية الشخصية لدى كل منهما واستحواذهما على الانتباه الاكبر فترة السينما الصامتة هو مايجعلهما في مجال للمقارنة وبشكل دائم .
وفيما يبدو الحديث متكررا عن شابلن فإن الحديث عن كيتون لن يكون أقل أهمية ومتعة بالنظر لحياته وانتاجه السينمائي الاستثنائي .
حيث عمل باستر كيتون (الملقب بالوجه الحجري العظيم ) بين 1920 و 1929 كمخرج و ممثل و كاتب و منتج بدون انقطاع ليقدم لنا مجموعة هائلة من التحف الصامتة ما بين (12) فيلما طويلا و ( 19 ) قصيرا هي بالطبع ضمن أهم الأعمال من ذلك العقد العشريني . بدأ كيتون العمل مع استوديو يونايتد آرتست في 1917 كممثل جانبي مع “فاتي أربكل” و سرعان ما أصبح مساعد المخرج و المسؤول عن قسم الكوميديا في أفلامه. ثم بعد النجاح الذي قدمه كيتون مع أربكل , استحق الأستوديو الخاص به “كوميديا باستر كيتون” و التي بدأ العمل بها بشكل مستقل بإخراج أفلام قصيرة مدتها عشرون دقيقة من أهمها “One Week” و “Cops” و “The Scarecrow” و “Neighbors”. و في عام 1923 و بعد أن أخرج ( 19 ) فلم قصير , تحول كيتون إلى إخراج الأفلام الطويلة و أولها كان “Three Ages” و الذي يحكي ثلاثة قصص من ثلاثة أزمنة مختلفة ( العصر الحجري , الروماني , الحديث ) عن الحب الذي لم تختلف طبيعته مع مرور الأزمنة .لكن السبب الرئيسي حقيقة لتقسيم الفلم على ثلاثة أجزاء هو الخوف من الفشل التجاري , باعتبار أن نجاح كيتون كان قد اشتهر من خلال الأفلام القصيرة فقط و لم يسبق له إنتاج عمل طويل فجاء هذا الاحتياط فيما لو فشل الفلم فأنه يمكن تقسيمه إلى ثلاثة أجزاء و عرضها كثلاثة أفلام قصيرة منفصلة . و في نفس السنة , يقدم كيتون تحفته الأولى “Our Hospitality” يلعب فيها دور الشخص الساذج البسيط الذي يجد نفسه في بيت عائلة كانت قد أقسمت على قتله لإنتقام عائلي قديم لكن كرمهم الجنوبي لا يسمح لهم بقتل ضيفهم وحينما يلاحظ كيتون هذا الشيء فأنه يسعى للاستمتاع بضيافتهم رافضا المغادرة الخطرة وسط مجموعة من أطرف الكوميديا الجسدية الساخرة و أشهرها مثل مشهد الشلال الذي تدلى فيه كيتون من جذع شجرة لينقذ الفتاة التي يحبها قبل أن تقع في الشلال فيما يذكر صناع الفيلم أن حبل الأمان قد انقطع في تلك اللحظة مما كاد أن يودي بحياته . وهذا مايقودنا الى التميز الفريد الذي لايجاري احد فيه باستر كيتون حيث كمية المشاهد الخطرة التي يؤديها كيتون بنفسه دائما مهما اورثته من اصابات وكسور ( مثل تعرض رقبته لكسر في مشهد تعلقه بمضخة ماء لتعبئة صهاريج القطارات في فيلم شيرلوك جونيور ) ويقدمها ضمن قوالب كوميدية مضحكة معتمدا على دقة الاخراج والتوقيت والاستعداد مما لاتجده عند ممثل ومخرج آخر وحتى هذا اليوم .( ربما لايعرف الكثير ان المشهد الصامت الشهير الذي يسقط فيه جانب من حائط البيت الخشبي الكبير ليتزامن مع وقوف رجل في نقطة تجعله يتجنب سقوطه تحت هذا الحائط بعبوره عبر احدى نوافذه … هذا الرجل كان هو باستر كيتون كما في فيلم ستيمبوت بيل جونيور )
في عام 1924 أخرج كيتون إثنين من أهم الأعمال التي قدمها في تاريخه , الأول هو “Sherlock Jr.” و الذي غالبا ما يعد ضمن أفضل أفلام كيتون و يحتوي على مجموعة من أذكى الكوميديا التي قدمت على مر التاريخ و أكثرها طليعية . ففي مشهد من أشهر ما أخرج كيتون , حيث يعمل كمشغل أفلام في صالة عرض لكن النوم يغلبه فنرى كيف تخرج روحه من جسده و تتداخل مشاكل حياته الخاصة مع الفلم المعروض أمام المشاهدين في أحد أروع مشاهد الأحلام في تاريخ السينما . فلمه الثاني في نفس السنة هو “The Navigator” و الذي صرف فيه 25000$ لشراء السفينة التي تدور على متنها أحداث الفلم وهذا ما أغضب أصحاب الأستوديو كثيرا بسبب هذه التكلفة المدة الباهضة وقتها , لكن النجاح الذي حققه الفيلم دفهم من جديد لصرف نفس المبلغ لشراء حقوق مسرحية من الدرجة الثالثة و التي حولها كيتون إلى تحفته الشهيرة المميزة “Seven Chances” والذي تدور قصته حول شاب يشارف على الافلاس في عمله لكن ماينقذه بشكل مفاجيء هو وصية من جده المتوفى بتوريثه سبعة ملايين دولار بشرط أن يكون متزوجا قبل الساعة السابعة في يوم ميلاده السابع و العشرين وهو ما يصادف أن يكون نفس اليوم التي تدور أحداث القصة فيه وبما أنه كان عازبا فإن عليه تدبير أمر هذا الزواج خلال الساعات المتبقية من الفيلم بداية من عرض الزواج على حبيبته التي كان مترددا بخوف وخجل في السنوات السابقة لتقديم هذا العرض الا ان الامور ستنحى منحى آخر بطريقة دراميتيكة مضحكة للآخر.
ومنها إلى رائعة أخرى من روائع افلامه وتحفته الأشهر باختيار أغلب النقاد ومحبيه وهي فيلم “The General” في عام 1926 حيث تدور أحداث الفيلم إبان الحرب الأهلية الأمريكية عام 1862 . والحقيقة أن الفيلم لاقى فشلا نقديا و تجاريا حين عرضه , ووصفه نقاد ذاك الزمن بأنه ممل و مخيب للآمال كما لم يلق إقبالا جماهيريا حيث حقق أرباحا ضئيلة مقارنة بميزانيته العالية ( يذكر أن الفلم يحتوي على أغلى مشهد تم تصويره في تلك الفترة عندما دمر كيتون قطارا في أحد مشاهد الفلم ) . كل هذا أدى إلى خسارة كيتون لإستقلاليته كصانع أفلام و أجبر لاحقا على توقيع عقد مقيد مع MGM مما أدى إلى تدني مستوى أفلامه اللاحقة نسبيا . لكن ما يجدر ذكره الآن هو أن الفلم يعتبر حاليا أحد أفضل الأعمال في تاريخ السينما و كثيرا ما يذكر ضمن أشهر القوائم العالمية و قوائم النقاد الخاصة , يقول المخرج الأمريكي الشهير أورسون ويلز صاحب تحفة ” المواطن كين ” عن الفلم أنه ” أعظم كوميديا صنعت في التاريخ و أعظم فلم عن الحرب الأهلية صنع في التاريخ , و ربما أعظم فلم صنع في التاريخ ” , كما يعده الناقد الأمريكي الراحل روجر إيبرت ضمن أفضل عشرة أفلام في التاريخ , كما أنه حضي بالتصويت ضمن استطلاعات مجلة Sight & Sound لأفضل الأفلام في تاريخ السينما ثلاث مرات ( في المركز التاسع عشر عام 1962 و في المركز الثامن عام 1972 و في المركز الرابع و الثلاثين عام 2012 ) .
و في أواخر الحقبة الصامتة نجد أيضا تحفتين لهذا الفنان العظيم الاستثنائي , الأولى “Steamboat Bill, Jr.” و يقوم كيتون بلعب دور الشاب المدلل الذي عاش مع أمه حتى أنهى الجامعة ثم رحل للقاء أباه الذي يعمل كقائد باخرة و الذي كان يتوقع أن يكون ابنه ضخما و قويا ليساعده في عمله و عندها يفاجئ بابنه الصغير الهزيل المدلل , الفلم يحتوي على أحد أروع المشاهد ضمن أعمال كيتون ( مشهد الإعصار الذي هب على المدينة و أثار فوضى عارمة و كيتون في خضم هذه الأزمة يحاول أن يسيطر على الموقف في سلسة من المواقف الطريفة و الأداءات الجسدية المضحكة كعادته). كان هذا الفلم هو آخر أفلام كيتون مع يونايتد آرتست قبل أن يوقع مع MGM و يخرج آخر أفلامه بشكل مستقل تماما وهو “The Cameraman” و الذي أراه احد أكثر أفلام كيتون عمقا و ذكاء باعتبار ان كيتون لطالما اعتمد القصة البسيطة القائمة على المفارقة المضحكة وسلسلة الاحداث العفوية المتتالية.
ثم لنصل بعد ذلك الى المرحلة الأسوأ في حياة كيتون والتي يصطف فيها ضمن طابور النجوم المبدعين فترة السينما الصامتة مشكلين بذلك مسيرة الخبوت والاخفاق كضحايا لدخول الصوت في السينما وصناعة الأفلام والتحول لانتاج الأفلام الناطقة
حيث أراد كيتون أن يواكب هذا التحول في فلمه القادم “Spite Marriage” لكن الأستوديو لم يسمح له بذلك و أجبره على أن يكون الفلم صامتا مما أدى إلى الفشل التجاري و منع كيتون من إخراج أي فلم في المستقبل بحرية مما أضر بعمله و سرعان ما طرد من MGM ليعيش باطلا بقية حياته حتى توفي في عام 1966 كأحد شواهد سلطة الاستبداد التجاري الرأسمالي تجاه روح الفن وكينونة الفنان واستقلاله!!
في التحفة الشهيرة Sunset Blvd. لبيلي وايلدر عام 1950 يشارك باستر كيتون بشكل بسيط بشخصيته الحقيقية كصديق ضيف عند نجمة أفلام صامتة تنحسر عنها الأضواء كما هي قصة الفيلم … يعلق أحدهم على مجموعة الممثلين الضيوف من أمثال كيتون في منزل النجمة : ” الآخرون حول المنضدة كانوا أصدقائها من الممثلين .بعض الأوجه الخافتة التي قد تتذكرها من أيام الأفلام الصامتة.. كنت أظن أنهم كتماثيل من الشمع ” !!

السينما وبدايات الفيلم الطويل !!

  • لنعرف أولا أن السينما بدأت كفيلم قصير تحت وقع الظروف التقنية حينها وعدم القدرة على تصوير أفلام طويلة والتي تستلزم العديد من بكرات شرائط السيلولويد وهو مما يصعب توفيره وترتفع تكلفته إضافة لكون السينما في بداياتها كانت فنا جديدا يلتمس خطواته الأولى ليكون هويته الخاصة ولذا فلم يكن هناك أنموذج مثالي لطريقة السرد او التصوير وكان الجميع في مضمار التجربة.

حاليا يقف الفيلم القصير خلف شهرة الفيلم الطويل ولم يعد مربحا على مستوى التجارة لكنه مازال يحضى بالكثير من الاهتمام حيث لايخلو مهرجان شهير للأفلام الطويلة من مسابقة الأفلام القصيرة مثل  مهرجانات كان وبرلين وفينيسيا بالإضافة لتخصيص مهرجانات شهيرة وهامة للأفلام القصيرة فقط أهمها مهرجان كليرمون فيران في فرنسا, كما وا،ه أزال الفيلم القصير هو محطة البداية والتجارب لعدد من المخرجين إن لم يكن كلهم قبل بدايتهم في إخراج افلامهم الطويلة بل إن الكثير منهم يعود من جديد بين الفترة والأخرى ليقدم فيلما قصيرا.
كما يمكن الإشارة إلى أن مفهوم الفيلم القصير لم يستقر تماما واختلفت تعاريفه بين فترة وأخرى ففي الثلاثينات مثلا نصت لائحةالأفلام السينمائية في إنجلترا على تعريف الفيلم القصير بأنه الفيلم الذي يقل طوله عن 3000 قدم أي 33 دقيقة تقريبا بينما في الستينات يعرف المركز الوطني للتصوير السينمائي في فرنسا الفيلم القصير بأنه “فيلم سينمائي لا يتعدى 600 مترا في شكل 35مم” ومدته حوالي 59دقيقة. وكان الموقع السنيمائي الشهير IMDB  يشير للفيلم القصير بما قلت مدته عن 45 دقيقة .
لكن مايمكن ملاحظته حاليا ان التعريف الفرنسي للفيلم القصير بأقل من ساعة يبدو هو الأكثر رواجا .وحين العودة لبدايات السينما منذ عام 1895 كان الاعتماد الفعلي  على الأفلام القصيرة وحتى مجيء الأفلام الطويلة كانت الأفلام القصيرة تقدم في بداية العرض لكن الانطلاقة الأولى للأفلام الطويلة كما يشير المؤرخون والتي غيرت الكثير فيما بعد  جاءت في العام 1911 حيث بدأ فجر حينها الفلم الروائي الطويل واكتسب شعبية هامة بعد أن تم عرض فلمين أوربيين هما الأيطاليان الصامتان ” الصليبيون/ The Crusaders” لانريكو غوازوني و ” جحيم دانتي/ Dante’s Inferno” لثلاثة من المخرجين , والمسجلين على أكثر من أربع بكرات خلافا للسابق حين كان الفلم لايتجاوز بكرتين.
ولكنه بحسب المؤرخ دافيد كوك فان الفلم الفرنسي ” الملكة اليزابيث / Queen Elizabeth” عام 1912 والذي يبلغ طوله ثلاث بكرات ونصف كان هو الفلم الفعلي الذي حقق نجاحا كبيرا وأقنع رجال صناعة السينما الامريكيين بجدوى الأفلام الروائية الطويلة وهو اشبه بمسرحية مصورة من اخراج “ميركانتون و ديسفونتاينيس “وبطولة الممثلةالمسرحية الشهيرة حينها ” سارة برناردت”.
ثم جاء مرة أخرى الإيطالي انريكو غوازوني بفيلمه الطويل  ” كو فاديس / Quo Vadis” ببكراته التسع التي يزيد عرضها على ساعتين ومشاهدة الضخمة ومؤثراته الخاصة المبهرة ذلك الوقت وانجذاب الجمهور الكبير له ليقطع الشك تماما بأهمية التوجه لانتاج الأفلام الروائية الطويلة عند صناع السينما الامريكية. رغم ارتفاع تكلفة انتاجها وصعوبة توزيعها علما بأن مردودها المادي كما لاحظ المنتجون وأصحاب دور العرض يستحق كل هذا العناء والتكلفة .
والطريف ان هذا الفلم الايطالي الناجح ” كو فاديس ” كان سببا في تأسيس قاعدة مهمة غير مسبوقة من المشاهدين وهم اصحاب الثراء  والثقافة بسبب اقتصار عرضه على دور العرض الفاخرة  كما ان نجاح هذا الفلم كان سببا في ان تضع ايطاليا يدها على سوق السينما العالمية حتى بداية الحرب العالمية الأولى. ثم في عام 1914 كان هناك فلم تاريخي آخر من اثني عشرة بكرة حقق نجاحا تجاريا كبيرا هو الآخر وهو فلم ” كابيريا / Cabiria ” من اخراج ” جوفاني باستروني “.
من جانب آخر فان التوجه لهذه الأفلام الطويلة كما يقول دافيد كوك كان سببا في ان تصبح السينما فنا محترما من وجهة نظر الطبقة المتوسطة لانها استطاعت ان تقدم شكلا فنيا لذلك الذي يقدمه المسرح التقليدي.

السينما والصورة … العلاقة والتحول !!

حينما قالوا إن السينما هي الفن السابع وآخر الفنون البصرية حتى الآن كان لابد إذن من الحديث عنها مقارنة أو تماهيا مع ماسبقها من الفنون كالرسم والنحت والمسرح والتصوير الفوتغرافي والرواية سواء كان الحديث حول علاقة أحد هذه الفنون بالسينما أو كيف أن السينما طوعت شيئا من هذه الفنون السابقة أو كيف تقدم السينما مثل هذه الفنون عبر أفلامها . وهنا سنحاول أن نعرف شيئا من العلاقة أيا كان اتجاهها مابين السينما والتصوير الفوتغرافي والتشكيلي تحديدا
يقول جيمس موناكو في كتابه ” كيف تقرأ فيلما ” : في البداية لم تستطع السينما السينما المنافسة المباشرة مع مع فن التصوير التشكيلي إلا في مدى محدود وكان عليها أن تنتظر حتى نهاية الستينات حينما أصبح الفيلم الملون متقنا بما فيه الكفاية ” ثم يضيف ” ظلت المحاكاة منذ بداية عصر النهضة قيمة أساسية في جماليات التصوير … وكانت مستنسخات المناظر الطبيعية ساحرة كما كان للوحات البورترية تجربة صوفية ”
ثم يتحدث المؤلف عن بدايات التصوير منذ أعلن فرانسوا آراجو في أكاديمية الفنون الفرنسية عام 1839 عن اختراع ألة ستكون وسيلة لتسجيل صورة فوتغرافية باقية .ثم تطور الأمر وكيف صار المصورون الفوتغرافيون منتصف القرن التاسع عشر ينظرون إلى الحركة ( عنصر الزمن ) ليحققوا اكتمال فنهم  وجاءت تجارب أمثال أوسكار جي ريلاندر  وهنري بيتش في إنجلترا في الجمع بين شكلين بإعداد مناظر معقدة شبيهة بالمسرح الجماهيري حينها واستخدموا ممثلين لتحقيق التأثير عبر أيضا مجموعة من الصور .. كانت تجربة درامية بطريقة ما .
وحينما نقفز بالزمن حتى نهاية عام 1895 واختراع السينما ونتذكر كيف أن الرسام الشهير مارسيل دوشامب ذهب لمشاهدة فيلم ” سرقة القطار الكبرى ” وأعجبه الأمر ثم عاد ليرسم لوحته ” عارية تنزل من على السلم ” لندرك أن حلم التفلت من لحظة الزمن وبث روح الحياة في الصورة أصبح متاحا بعد أن جاءت السينما … فالسينما في النهاية هي صورة … والمشهد هو مجموعة صور تمثل مفهوم الصورة الفوتغرافية في لحظة ما .
يقال أن رساما صينيا كان قد رسم وادجيا يتلوى فيه ممر يختفي في نهايته خلف جبل فلما انتهى من الرسم أعجبه المنظر فدخل الممر وذهب بعيدا خلف الجبل في اللوحة حتى اختفى ولم يرى بعد ذلك … ينقل هذه الحكاية الدكتور عقيل مهدي يوسف في كتابه ” جاذبية الصورة السينمائية ” بعد أن علق قائلا ” الكادر السينمائي يقدم صورة فيها إيقاع بصري وذبذبة خطوط واتجاهات وتكوينات وإنشاءات مرئية جذابة وفضاءات الصورة التشكيلية ” ثم يذكر تعليق الباحث السينمائي مارسيل مارتين على حكاية الرسام الصيني بقوله ” كم من المتفرجين يدخلون على هذا النحو في العالم الذي تقدمه لهم الشاشة ولايعودون قادرين على التخلص منه ”
لنتذكر أن أهمية الصورة عززت من أهمية التصوير ذاته ولذا كانت هناك جائزة التصوير السينماتوغرافي في جوائز الأوسكار منذ عام  Best Achievement in Cinematography ) 1927 ) وبدأت نقابة المصورين في أمريكا American Society of Cinematographers  منذ عام 1987 ومن قبلها كان هناك جمعية لمشغلي الكاميرا Society of Camera Operators  بدأت عام 1981.
بقي أن اشير إلى فيلمين تناولا التصوير الفوتغرافي كموضوع بشكل رائع ومؤثر .. الأول هو فيلم المخرج الألماني  فيم فندرز عام 2014 The Salt of the Earth المرشح لجائزة أوسكار أفضل فيلم وثائقي لعام 2014 للمخرج الألماني فيم فيندرز , حيث يتتبع حياة المصور البرازيلي الشهير سباستيو سلجادو  الذي قضى أربعين سنة يدور في القارات والمدن حيث البؤس والعجز, فنقل العديد من مآسي الإنسان والحياة والحروب, فيلم رائع فنياً كما أنه مؤثر جداً بفيض إنساني عالي يجعلك ترى العالم بطريقة مختلفة . والثاني كان عام 2013 Finding Vivian Maier حول حياة الفنانة المصورة فيفيان ماير فبعد زيارة جون مزاداً لبيع الخردوات للحصول على صور قديمة من أجل كتابه الجديد ، يلفت انتباهه صندوق مليء بصور قامت بتصويرها مربية أطفال ليبدأ رحلة البحث عنها ومن هنا تبدأ الاحداث . وكان الفيلم قد ترشح لأوسكار أفضل فيلم وثائقي .
فيما يمكن مشاهدة جمال التصوير عبر الأعمال الوثائقية للمخرج رون فريك Baraka  , Samsara   ومن قبله المخرج غودفري ريغيو الذي كان قد بدأ ثلاثيته التصويرية الوثائقية الجميلة في بداية الثمانينات Koyaanisqatsi  “في لغة الهوبي، معناها “الحياة الخارجة عن التوازن.” Powaqqatsi     تعني “الطريقة الطفيلية للحياة” أو “الحياة التي تمر بمرحلة انتقالية””. Naqoyqatsi   ” وتعني “الحياة كحرب” “عنف متحضِّر” و “حياة تقتل بعضها البعض”.

عن أفلام الخيال العلمي !

منذ بدأت الحكاية مع الإنسان كان هناك الخيال. كانت الفانتازيا وقصص الميثولوجيا من مكونات القصة الأساسية، ولذا لم يكن مستغرباً أن تتأثر الفنون حينما تكونت وتطورت بهذا الأمر، منذ الأدب بتنوعاته الشعرية والقصصية والملحمية، وحتى ظهور المسرح إلى مطلع القرن الـ19 مع بروز السينما، حيث جاء الخيال كمحور أساسي في قصص الأفلام، ومنها الخيال العلمي، والذي تراوحت تعريفاته ما بين كونه «يدور حول مستقبل العلم والعلماء»، كما يقول أزيك أسيموف، أو تعريفاً أكثر شمولية يقدمه الأميركي جي أو بايللي بأنه «يترجم المكتشفات والمخترعات والتطورات التكنولوجية قريبة الظهور أو التي لم تظهر بعد إلى مشاكل إنسانية ومغامرات درامية».
الفيلم الأول
بطبيعة الحال ومنذ قام جورج ميليس بفيلمه التاريخي A Trip to the Moon عام 1902، وهو الفيلم الأول في هذا المجال، معتمداً على بعض الخدع البصرية لإظهار مركبة تصل إلى القمر، مروراً بفيلم فرانكشتاين /‏Frankenstein عام 1910، وهو فيلم مقتبس عن رواية ماري شيلي حول العالم، الذي يخلق وحشة عبر الكهرباء، ثم فيلم الدكتور جيكل والسيد هايد /‏ Dr. Jekyll and Mr. Hyde عام 1920، استناداً إلى القصة النفسية لروبرت لويس ستيفنسون. وحتى يومنا هذا فإن أفلام الخيال العلمي لا تقدم سوى تصور تخيلي معتمد في أساسه على العلم، لكنه ليس ذلك العلم القطعي في ثبوته ودلالته، كما هي أفلام الكواكب والكائنات الحية عليها، والتقدم الذهني والعاطفي للروبوتات وغير ذلك.
حضور مكثف
في المقابل لم تكن هذه أفلام الخيال العلمي، لتحظى بمثل هذا الحضور المكثف سينمائياً، لولا الإقبال الجماهيري والشعبية الكبيرة من محبي هذا النوع من القصص، والتي كثيراً ما استخدمت أيضاً كنوع من الإسقاطات الاجتماعية والسياسية، كما فعل المخرج الألماني الهارب إلى أميركا فريتز لانج، عبر فيلمه الشهير ميتروبوليس Metropolis عام 1927، الذي يدور حول قصة مدينة مستقبلية ذات طبقية فجة ومقسمة ما بين الطبقة العاملة ومخططي المدينة، إلا أن ابن العقل المدبر للمدينة سيقع في حب شخص من الطبقة العاملة والذي يعتقد أنه يتنبأ بقدوم المنقذ المخلص للمدينة من مشاكلها والظلم الطبقي فيها.
لكن هذه البدايات الشهيرة منذ السينما الصامتة، عبر أفلام قصيرة ثم فيلم هولغر مادسن «رحلة إلى كوكب المريخ» A Trip to Mars عام 1920، الذي يعد حينها أطول فيلم خيال علمي حيث تجاوز الساعة والنصف، لم تكن أفلام الخيال العلمي لتحظى بالاعتراف الكبير وتؤسس لنفسها مكانة مهمة بين أصناف الأفلام السينمائية، وتجلب كل هذه الإمكانات الإنتاجية الهائلة، ورصد الأموال الضخمة طمعاً في استرداد أضعافها من الجمهور؛ لولا أن مخرجاً عظيماً مثل ستانلي كيوبريك قدم عام 1968 فيلمه الشهير والتاريخي A Space Odyssey، الذي يعده البعض أفضل أفلام الخيال العلمي، حيث يروي الفيلم معتمداً على قصة قصيرة كتبها أرثر كلارك حكاية مركبة ترسل للفضاء، يتمرد فيها جهازها الآلي على الطاقم، محاولاً الاستبداد بالسيطرة على المركبة بما فيها. لكن الفيلم كان أبعد من ذلك على المستوى الفلسفي حسب المعالجة التي قدمها كيوبريك. وباعتباره فيلماً في الستينات، فقد كان أشبه بالتنبؤ المستقبلي لصراع البشر والآلة.
مرحلة أخرى
انتقل فيلم الخيال العلمي لمرحلة أخرى خاصة مع نجاح سلسلة جورج لوكاس «حرب النجوم» التي بدأت نهاية السبعينات، ولا تزال ترسل أجزاءها حتى هذا اليوم لإضافة العديد من المليارات عبر شباك التذكر، أو ربما تلك الأفلام المفردة كما فعل ريدلي سكوت عام 2015 بفيلم «المريخي» The Martian، حيث حقق عائدات مالية بأكثر من نصف مليار، حيث لم تكن تكلفة الفيلم تتجاوز 110 ملايين دولار، فضلاً عن النجاح الفني، حينما تم ترشيح الفيلم لسبع جوائز أوسكار، منها «أفضل فيلم وسيناريو» كما هي الحال مع فيلم خيال علمي آخر شهير Gravity عام 2013، محققاً الأرباح والتكلفة تقريباً، لكنه أضاف لذلك الفوز بـ«أوسكار أفضل إخراج». ومع تزايد ظاهرة العناية الكبيرة بأفلام الخيال العلمي وتكلفتها العالية، كان للصين تجربة مثيرة للانتباه حينما تم أعلى رصد ميزانية لفيلم في تاريخ السينما الصينية، وهو فيلم تم إنتاجه هذا العام بعنوان The Wandering Earth، حيث كلف الفيلم 48 مليون دولار وهو ما يعتبر شيئاً عالياً في معيار السينما الصينية، لكنه في المقابل حقق الدخل الأعلى في التاريخ، حيث تجاوز الملياري دولار عبر العالم. وهنا تستمر ثنائيات التكلفة والمردود في أفلام الخيال العلمي، لكنها تبرع أحياناً لتكون ثلاثية التكلفة والمردود المالي والمستوى الفني، كما يحدث كثيراً مع أفلام ستيفن سبيلبيرغ وجيمس كاميرون.

لقطة طويلة …..رؤية فنية وتجربة تحدي وإمعان واقعي !

في افتتاحية فلم ” لمسة الشرTouch of Evil ” الذي أخرجه اورسن ويلز عام 1958 تبتديء اللقطة الأولى من الفلم على قنبلة موقوتة بيد شخص يعمل على توقيتها ثم يسمع ضحكة امرأة من بعيد فيسرع الى احدى السيارات الواقفة ويضع القنبلة المؤقتة في الشنطة الخلفية للسيارة وبعدها تنتقل الكاميرا لنرى المرأة التي كانت تضحك وهي تسير بجانب رجل ليركبان السيارة وينطلقان تحت نظر الكاميرا التي تبتعد لتكشف عن بلدة صغيرة تعج بالمشاة والباعة والجنود والمحلات المفتوحة ويمران بجانب رجل مكسيكي وزوجته الامريكية وهما يمشيان ليقفان سويا عند مدخل الحدود مابين امريكا والمكسيك  ثم تتجاوزهما السيارة لتتابع الكاميرا الزوجين وهما يتحدثان الى ان يدوي انفجار كبير تتطاير معه اجزاء السيارة المحترقة التي تنتقل اليها الكاميرا بشكل مباشر… ماالشيء الجديد الذي حدث ليستحق وصف المشهد بهذه الطريقة ؟ انها احدى عبقريات المخرج الكبير اورسن ويلز حينما صور هذا المشهد الافتتاحي للفلم بلقطة واحدة فقط لمدة ثلاث دقائق كعمل فريد لايستخدم عادة حيث اعتاد المخرجون على القطع الكثير والانتقال بالكاميرا حين التصوير لتقديم مشاهدهم. انه امتداد لتلك العبقرية المذهلة التي قدمها اورسن ويلز للسينما حينما اخرج فلمه الخالد ” المواطن كين ” عام 1941 الذي يمكن اعتباره دستورا في اللغة السينمائية.
 ولفترة طويلة ظلت اللقطة الطويلة عملا يتفنن فيه المخرجون ويسعون الى توظيفها بشكل جميل كما هو عند مارتن سكورسيزي مثلا الذي يوظف هذا الأسلوب لكشف هوية المكان وشخصياته الا انه في عام 1992 يقدم احد كبار مخرجي امريكا روبرت التمان افتتاحيته الشهيرة ذات اللقطة الواحدة التي بلغت ست دقائق في فلمه الرائع ”  The Player ” المرشح لأوسكاري افضل مخرج وأفضل نص مقتبس و الذي يصور فيه التمان لعبة الانتاج السينمائي في هوليوود بطريقة ذكية وطريفة حول مدير انتاج ” تيم روبنز” الذي يرتكب جريمة قتل ويعتقد انه نجى من الاتهام قبل ان يأتي من يبتزه بشكل سافر.كان المشهد الافتتاحي لهذا الفلم في مكتب مدير الانتاج حينما تتراجع الكاميرا لتكشف عن مكاتب واستديوهات كثيرة واناس تنتقل فيما بينها وتقوم الكاميرا بتتبع بعض المارة والتقاط حواراتها والذي كانت ايضا تتضمن حوارا عن لقطة اورسن ويلز الشهيرة السابقة . قبل ان تعود الكاميرا مرة اخرى الى المكتب.
وفي عام 2002 يحقق المخرج الفرنسي  غاسبر نو مدة قياسية في اللقطة الطويلة حينما قدم فلمه الخطير والموغل في العنف ” Irreversible  ”  الذي كان كل مشهد منه بلقطة واحدة تستمر لأكثر من عشر دقائق وبطريق سردية مشابهة للفلم الشهير  ” MEMENTO ” حيث يبتديء الفلم من نهايته عودا الى البداية . وهو من تمثيل مونيكا بللوشي وفينسينت كاسل ويحكي قصة رجل يبحث عمن اغتصب زوجته لينتقم منه وكان الفلم أثار الكثير من الجدل حينما عرض في كان تلك السنة حتى ان بعض الحضور لم يستطع اكماله وخرج من الصالة كما ذكرت الاخبار حينها  .
اما الانجاز الأكبر في اللقطة الواحدة فهو ذلك العمل المذهل الذي قدمه المخرج الروسي الكسندر سوكوروف عام 2002 في فلمه ” Russian Ark ” حيث لم ينطق كلمة ” CUT” سوى مرة واحدة فقط حينما انتهى من تصوير الفلم لانه صوره كله ولمدة ساعة و ست وثلاثين دقيقة بلقطة واحدة فقط !!! كانت عيناه قد دمعت حينما نطق بهذه الكلمة معلنا عن انجازه الكبير وغير المسبوق والذي كان من الممكن لأدنى خطأ ان يعيد من البداية كما حصل ثلاث مرات ونجح في الرابعة كما ان التحضير لهذا العمل كان قد استغرق اربع سنوات بينما كان لزاما على المخرج ان يصور خلال يوم واحدفقط استطاع ان يأخذ اذنا بذلك من ادارة المتحف الذي تدور فيه أحداث الفلم حيث وبشكل مغاير للسرد الدرامي المعتاد يستعرض الفلم التاريخ الكبير لروسيا خلال ثلاثمئة سنة من خلال تجوال يقوم به ارستقراطي فرنسي في متحف ” صومعة الناسك ” ليشهد في أكثر من 33 غرفة صورا من هذا التاريخ ويحضر ثلاث اوركسترات  عزفت حية أثناء التصوير ويواجه اكثر من 2000 ممثل و4500 عملوا في هذا الفلم والأمر الطريف هو حاجز اللغة بين المخرج الروسي والمصور الألماني الا ان كل هذه العقبات والمهمات الصعبة لم تكن لتمنع خروج هذا الفلم الفريد الذي ترشح لعدد من الجوائز السينمائية كأخراج وتصوير أهمها في مهرجان كان ومهرجان الفلم الاوربي.
وفي عام 2015 يكرر الألماني التجربة بصعوبة أخرى على مستوى مختلف بفيلم لايخلو من إثارة وحركة بلقطة واحدة فقط رافق فيها المصور ستورلا براندث شخصيات الفيلم وكأنه مصور إخباري في جولة معركة شوارع !! تدور القصة حول فتاة اسبانية تتعرف ليلا في برلين على مجموعة من الشباب وترافقهم حيث كانوا يخططون لعملية جريئة .الفيلم بطبيعة الحال حقق اعجابا نقديا وجماهيريا وحقق حضورا وجوائز عدة في مهرجان برلين . فيما تأتي آخر التجارب على هذا المستوى عبر الفيلم النرويجي هذا العام U – July 22 والذي شارك في مهرجان برلين أيضا حيث اعتمد مخرجه ايريك بوبي لقظة واحد طيلة الفيلم باستثناء اللقطات الافتتاحية المستندة على أرشيف حقيقي لصور تفجيرات إرهابية في أوسلو بينما قصة الفيلم المعتمدة على وقائع حقيقية تدور حول هجوم إرهابي تزامن تلك اللحظة على مخيم شبابي في جزيرة اوتويا قام به متطرف يميني كان يقتنص أعضاء المخيم ببندقيته بينما نحن سنرافق طيلة الفيلنم إحدى الفتيات وهي في حالة فزع مابين الهروب والبحث عن اختها .

تاكاهاتا … رحيل السيد الياباني !

في أبريل الماضي من عام 2018 افتقدت السينما العالمية وعوالم الأنميشن اليابانية أحد أعظم وابرز مخرجي أفلام الأنميشن ايساو تاكاهاتا الذي توفي عن سن الثالثة والثمانين بمرض السرطان بعد مسيرة حافلة جدا بدأت منذ الخمسينات الميلادية روائيا ثم صداقته الطويلة مع المخرج الياباني الابرز هياو ميازاكي والتي أثمرت علاقتهما المقربة إلى إنشاء استديو ” غيبلي ” الشهير بتقديم عدد من روائع أفلام الأنميشن اليابانية والتي حققت نجاحات وجوائز عالمية كثيرة وحضيت بشهرة واسعة .والتي  كانت ” ديزني ” قد حصلت على حقوق توزيع ماينتجه الاستديو .

حاليا تحضى اليابان بالعديد من المخرجين الشباب والمخضرمين لأفلام الأنميشن لكن الجميع يبدو ملهما من قبل الكبار أمثال ميازاكي وتاكاهاتا الذي وبحسب الانيماتور ياسو اوتسوكا أن تاكاهاتا الذي يكبر ميازاكي بست سنوات كان هو من أثر عليه ليكون ذا مسؤولية اجتماعية في أعماله بعد ان كان غارقا في الرسوم والكتب الهزلية وهو ماسيبدو واضحا بالنظر الى مجموعة أفلام تاكاهاتا ومسلسلاته والتي تبدو متفاوتة التصنيف مابين الواقعية والمغامرة والفانتازيا والتاريخ والخيال العلمي لكنها ذات ثيمة واحدة على مستوى تبني القيم الانسانية والحس الشاعري الجميل والقصص المؤثرة . وان كانت هذه الثيمة تبدو مشتركة في الكثير من أفلام الأنميشن اليابانية والذي يتباين مخرجوها في طريقة معالجتها وسردها حيث ينحو ميازاكي مثلا لذلك الطرح الفانتازي المفعم بالخيالات الصافية وأبعادها الميتافيزيقية فيما يظهر لنا تاكاهاتا كمخرج أكثر تنوعا من هذه الجهة .

والأمر الملفت ايضا حينما نقول أن تاكاهاتا وصديقه مياراكي هما أكثر مخرجين يابانيين شاهد الناس في المنطقة العربية تحديدا أعمالهما فهما من يقف خلف المسلسل الشهير Future Boy Conan والذي عرض في المنطقة العربية باسم ” عدنان ولينا ” فيما قام تاكاهاتا أيضا بإخراج كامل حلقات المسلسل الشهير الآخر ” هايدي ” .

أما على مستوى الأفلام الطويلة فإن تاكاهاتا لم يتجاوز العشرة أفلام لكن ماصنعه في أواخر أفلامه هي روائع مهمة في تاريخ أفلام الأنميشن إجمالا , فبعد أن بدأ أول أفلامه الطويلة عام 1968  بفيلم  Horus, Prince of the Sun -حول صبي يملك سيفا اسطوريا يريد حماية قريته دون ان يحضى بثقة أهل القرية – لم يعد الى الإخراج المستقل إلا بعد 13 سنة عام 1981  بفيلم عائلي كوميدي حول الفتاة تاكيموتي تشي التي تعيش مع والدها المزعج  وتسعى لتجمعه من جديد بأمها التي تركته – , ثم بعد ذلك بسنة عام 1982  يقدم فيلما موسيقيا فانتازيا حول شاب عازف تشيلو يتلقى مساعدة بعض الحيوانات حتى يتمكن من العزف بشكل جميل .

لكن أحد اشهر وأفضل أفلامه يأتي بعد ست سنوات عام 1988  والذي يحتل حاليا مرتبة متقدمة (56  ) في قائمة الموقع الشهير IMDB  لأفضل 250  فيلم وهو ” Grave of the Fireflies / قبر اليراعات ” وهو فيلم دراما حرب مؤثر جدا حول الطفل سيتيسكو وأخته سيتا وهما يواجها أهوال مابعد الحرب العالمية الثانية حيث يبدو كل شيء مدمرا بعد ان فقدوا أهلهم ومنزلهم وعليهم أن يصارعوا من أجل البقاء أحياء !!

بعد ثلاث سنوات في عام 1991  يواصل تاكاهاتا حسه الدرامي لكن هذه المرة بواقعية اجتماعية عبر فيلم Only Yesterday عائلي جميل للغاية بشيء من الحس الرومانسي وهو يتتبع حياة الآنسة تيكو التي قررت ان تأخذ إجازة من عملها لتجرب حياة الريف في زيارة لصهرها حيث تعيدها هناك الذكريات الى طفولتها حيث العائلة والمدرسة والمراهقة بسرد جميل يجعل هذا الفيلم أحد ابرز ماقدمه تاكاهاتا أيضا. ثم ثلاث سنوات أخرى ويقدم تاكاهاتا عام 1994 فيلما كوميديا فانتازيا باسم ” حرب الراكون The Raccoon War حينما تجتمع حويانات الراكون لاتخاذ حلول جذرية لمواجهة توسع مدينة طوكيو الذي سيقضي على طبيعة حياتهم ومنازلهم .بعدها في عام 1999 يواصل تاكاهاتا حسه الكوميدي بفيلم طريف للغاية وتحريك فريد حول يوميات عائلة يامادا المضحكة وغريبة الأطوار بفيلم My Neighbors the Yamadas . بعدها ستوقف تاكاهاتا 11 سنة قبل أن يعود عام 2010  بفيلم دراما عائلية باسم Anne of Green Gables حول الفتاة آن منذ طفولتها في السنة الحداية عشر حتى بلوغها السابعة عشر حينما يتوجب عليها أن تتخذ قرارت مهمة في حياتها.

 لكن الفيلم الأكثر إنجازا لايساو تاكاهاتا هو آخر أفلامه التي قدمها عام 2013  وترشح لأاوسكار أفضل فيلم انميشن كما حصد العديد من الجوائز في مختلف المهرجانات وتم اختياره عند كثير من النقابات والجمعيات السينمائية كأحد أفضل أفلام السنة وهو الفيلم الذي ألف تاكاهاتا قصته وكتبه وأخرجه بأسلوب بصري فريد للغاية معبرا بسرد جميل عن قصة دراما فانتازية باسم ” حكاية الامير كاغويا / The Tale of the Princess Kaguya  ” والتي يجدها رجل وزوجته داخل ساق من الخيزران حيث تنمو بسرعة من طفلة صغيرة لفتاة شابة جميلة وغامضة تاسر من حولها قبل أن يتوجب عليها مواجهة مصيرها !!

كان فيلما يصلح ان يكون الختام الأجمل لأعمال الراحل العظيم ايساو تاكاهاتا الذي ترك أثره الكبير في عالم الأنميشن الجذاب .

  • نشر في مجلة ” زهرة الخليج “

وداع أبرز مخرجات السينما !

في الـ29 من مارس 2019افتقدت السينما إحدى أبرز مخرجيها وأشهر النساء اللاتي عملن في صناعة الأفلام، حينما توفيت المخرجة الدنماركية آغنيس فاردا عن عمر الـ90، بعد مسيرة حافلة بالإنجاز السينمائي في أكثر من 50 فيلماً ما بين الطويل والقصير، الروائي والوثائقي، ولأكثر من 60 سنة منذ عام 1955، لم تتوقف حتى آخر أعمالها العام الماضي حينما أخرجت حلقتين من مسلسل Varda by Agnes.
ومن اللافت أن بداياتها في الخمسينات والتي أسهمت في تكوين رؤيتها السينمائية، هي صداقتها القوية مع مخرجي الموجة الفرنسية وتعاونها معهم، حتى إن بعض النقاد يعتبرون فيلمها الشهير «كليو من 5 إلى 7» أحد نماذج هذه الموجة، إضافة إلى زواجها من المخرج الفرنسي الشهير جاك ديمي، والذي كان لوفاته أثر كبير في حياتها. وهنا نستعرض أبرز خمسة أفلام في مسيرتها:
La Pointe-Courte 1955
حيث يتم سرد قصتين، واحدة على نطاق واسع والأخرى على نطاق ضيّق، في قرية صيد فرنسية ساحلية ومع العديد من القصص الأخرى عن الصيادين في المدينة، الذين يقاتلون مجلس الصحة وإدارة مصايد الأسماك حول الحظر المفروض على صيد الأسماك، حيث تزعم السلطات أن مستويات البكتيريا العالية تشكل خطراً على البشر في استهلاك المأكولات البحرية التي يتم حصادها من هناك.  وتتعلق القصة الصغيرة بزوجين وإصلاح حالة زواجهما الذي استمر لأربع سنوات.
Cléo from 5 to 7 1962
فيلم الدراما الموسيقي الذي لفت الأنظار إليها بعدما شاركت في «مهرجان كان» وحصلت على إعجاب نقدي كبير.
حيث هناك 90 دقيقة مليئة بالهدوء والترقب، تبدأ حينما تقوم مغنية بإجراء لاختبار مرض السرطان، واللحظة التي تتلقى فيها النتائج، وزيارتها لمشعوذة تقرأ أوراق اللعب متأملة أن تخبرها بمستقبلها، ثم نتبعها إلى لقائها مع الأصدقاء والمحبين، وإلى البروفة ورحلتها إلى المحلات التجارية، قبل أن تقوم بنزهة مشؤومة في الحديقة.
Le Bonheur 1965
من أفضل أفلامها، في رأيي، والفائز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة «الدب الفضي» في «مهرجان برلين».
وفي إطار الدراما الرومانسية فرانسوا هو نجار شاب متزوج من تيريز، ولديهما طفلان صغيران كل شيء في حياته جميل ومثالي، وفي يوم من الأيام تنقلب حياته عندما يلتقي إميلي، حيث يقعان في الحب، لكنه لا يزال يحب زوجته ويريد أن يعيش معها سعيداً.
Vagabond 1985
من أشهر أفلامها، وفاز بـ«الأسد الذهبي» في «مهرجان فينسيا» كأفضل فيلم. خلال فصل الشتاء في جنوب فرنسا، تم العثور على جثة امرأة شابة متجمدة في حفرة، بحالة مزرية، ومن خلال ذكريات الماضي، نتتبع الأسابيع الأخيرة من حياتها، وكيف أنها عاشت متنقلة من مكان إلى آخر، ومرت بأشخاص عديدين في رحلتها، ولدى كل واحد منهم حكاية عن علاقتهم بها.
The beaches of Agnès 2008
يسرد رحلة المخرجة المبدعة إلى عالمها الرحب من الجانب المهني والخاص، لتُنتج فيلماً يؤرخ لها أعمالها الثرية ومسيرتها الحافلة، إلى جانب الاستعراض بالصور الفوتوغرافية ومقاطع الأفلام المنزلية والمقابلات المعاصرة التي تألقت في كل مشهد فيها.
  • نشر في مجلة زهرة الخليج
  • https://www.zahratalkhaleej.ae/Article/562105/%D9%88%D8%AF%D8%A7%D8%B9-%D8%A3%D8%A8%D8%B1%D8%B2-%D9%85%D8%AE%D8%B1%D8%AC%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D9%86%D9%85%D8%A7