السينما بشكل حاد ….. موجة التعبيرية الألمانية!

سبق للمخرج الأمريكي الكبير وأحد مؤسسي المونتاج السينمائي ديفيد غريفيث أن وصف في العشرينات مدرستين عظيمتين حينها هما الأمريكية والألمانية ثم قال  ( إن المدرسة الأمريكية تقول لك تعال واحصل على تجربة عظيمة بينما المدرسة الألمانية تقول لك تعال وشاهد تجربة عظيمة ) .
سبق الحديث  عن الواقعية الإيطالية والموجة الفرنسية باعتبارهما حركتين سينمائيتين صنعتا الكثير من الأثر على السينما العالمية حتى يومنا هذا واشتركتا في كونهما نتيجة وضع سياسي وترقب اجتماعي وسبر للحالة الفنية حينها . وهنا يمكننا أن نعرج على نفس هذا المستوى تجاه حركة أخرى لاتقل تأثيرا لكنها تبدو أكثر سبقا وربما أكثر تحديدا في مستوى التأثير البصري وهي التعبيرية الألمانية التي جاءت مابين الحربين العالميتين كردة فعل للحركة الانطباعية والطبيعية في الفنون عامة ثم تسللت إلى السينما كما يقول هيرمان وارم ( ينبغي أن تكون الأفلام رسوما تنفتح فيها الحياة ) .
وبالرغم من أن السينما في ألمانيا في بداياتها كما يشير ديفيد روبنسون في كتابه تاريخ السينما العالمية كانت ذات سمعة سيئة تتجنبها النخب الاجتماعية الراقية والمثقفة لزمن أطول كثيرا مما يحدث في البلدان الأخرى حتى أن رابطة مخرجي مسرح برلين كانت ترفض السماح لممثلي المسرح بالعمل في الأفلام حتى عام 1912 قبل أن يتغير الموقف وفق مجموعة أحداث متتالية منها ظهور التعبيرية التي تزاوج مابين الأداء المسرحي والتشكيل الرسومي باستخدام الظل والضؤ والمعنى الشاعري والرومانسي وهذا ماسيتجلى كثيرا في أبرز امثلة أفلام التعبيرية الألمانية وهو ( عيادة الدكتور كاليجاري / The Cabinet of Dr. Caligari ) عام 1920 والذي يقول عنه أنطون كايز بأنه ( بداية لدخول السينما الألمانية السوق العالمية الأوربية ) بعد أن كانت نائية بسبب الحرب والعداء مع بعض الدول الأوربية ومقتصرة على نوعية محددة من أفلام البروباغندا وغيرها .
وهنا علينا أن نعود للتعريف الأساسي لمعنى التعبيرية ومن ثم معاينة الأمر مع فيلم روبيرت واين الشهير هذا .
حيث ترجع جذور المدرسة التعبيرية إلى رسامين عظام من مثل «فنسنت فان جوخ»  و«إدفارد مونك» و«جيمس إنسور» الذين استغلوا الإمكانيات التعبيرية للألوان والخطوط لاستكشاف الموضوعات الدرامية والعاطفية، لتصوير ملامح الخوف والرعب والمشهد الغرائبي الذي يعبر عن حالة من الهلوسة او الهذيان والتوهم بحيث يصبح التعبير أكثر ذاتية وخصوصية لديهم من حيث إبراز المبالغة وملامسة التشويه والفانتازية في التعبير.
ومن هنا يمكن أن نرى مالذي عمله روبيرت وأين بشكل حاد في أحد اشهر الأفلام في تاريخ السينما -بغض النظر عن الاختلاف حول الفيلم الأول لهذا التوجه – لدرجة ان الفرنسيين أطلقوا مصطلح ( الكاليجارية ) على هذا النوع من التعبير . يقول أنطوان كايز في مقاله عن “سينما فينما ومأزق الحداثة”  (كانت التعبيرية قد أصبحت مصطلحا عاما لأسلوب بصري يصدم المشاهدين كمصدر للقلق والغرابة , أسلوب أكد على تمزق الروايات وانقسام الشخصيات وتسليط الضوء على الحالات النفسية القصوى ).
تحكي قصة الفيلم جنون الدكتور كاليجاري الذي يستخدم مساعده بعد تنويمه مغناطيسيا للقيام بعمليات قتل في القرية التي يعيش فيها . وبطبيعة الحال لايمكن إغفال المعنى المضمر في الفيلم تجاه الحرب والتجنيد وعنابر العلاج العقلي في الحرب العالمية الأولى حينما أساء الأطباء معاملة الجنود المصابين . هذا مجمل القصة لكن كيف رواها وأظهرها روبيرت وأين ليجعل من هذا الفيلم المثال الأول في التعبيرية ؟!
لقد عمد روبيرت واين  سعيا منه لتقديم انطباعا للمشاهد وكأنه يرى الفيلم من منظور رجل مجنون لصنع ديكور شديد الغرابة متميز بحدته الواضحة  تعبيرا عما يدور في ذهن البطل حيث اعتمد الرسم على قطع أقمشة كبيرة بدلا من بناء الديكور كما قام برسم الظلال بشكل مباشر وليس اعتمادا على إسقاط الضؤ . فيما يصف الناقد روجر ايبرت الفيلم (إن الممثلين يسكنون مشهدًا متعرجًا تملأه زوايا حادة وجدران ونوافذ مائلة، وسلالم ذات انحدارات جنونية، وأشجار ذات أوراق مدببة، وحشائش تبدو كالسكاكين)
وبطبيعة الحال يمكننا ملاحظة أثر هذا الفيلم وغيره من أفلام التعبيرية الألمانية ولو بشكل أقل مثل فيلم مورناو عام 1922 ( نوسفراتو /  Nosferatu ) وفيلم فريتز لانج عام 1927 (  ميتروبوليس /  Metropolis ) وغيرها , سواء على المستوى المعنوي في التعبير او البصري بشكل أكبر وصناعة الأجواء القاتمة والموحية بالاضطراب والريبة  من خلال عدد من الأفلام حتى وقتنا هذا مثل أفلام الرعب والفانتازيا وأفلام النوار التي تعتمد الظل كجزء أساسي في المشهديات . وحتى على مخرجين كبار سواء قديما مثل العظيم هتشكوك أو حديثا مثل تيم بورتون .
 

  • نشر في مجلة ” زهرة الخليج “

السنوات الـ20 السوداء.. ثورة الواقعية الإيطالية

ارتباط الفن بالسياسة ليس شيئاً جديداً، فهو يشكل امتداداً طبيعياً في التاريخ البشري، سواء كان هذا الارتباط إيجابياً برعاية الفن وتحفيز محبيه وتشجيع رموزه أو العكس حينما يتم تجيير الفن لأهداف سياسية ودعائية أو تتم محاربة الفنان في حرية تعبيره خشية أن يسبب مشاكل تعكر أجواء السياسة. ألم يجتمع، ذات يوم، الزعيم ستالين بالمخرج الروسي الكبير سيرجي أزنشتاين وشريكه في الإخراج غريغوري أليكسندروف، وأمرهم بعمل تغييرات جذرية في فيلم خط الجنرال!.
في إيطاليا وتحديداً ما بين مطلع العشرينات ومطلع الأربعينات، أثناء الحكم الفاشي بقيادة بينيتو موسوليني، كانت السينما في حالة سيئة على مستوى التعبير والانتشار أيضاً، حيث لم تكن الأفلام معروفة في الدول الناطقة باللغة الإنجليزية أو خارج حدود إسبانيا وألمانيا.
وكان النظام حينها قد افتتح ما يسمى «سينيسيتا» أحد مجمعات الإنتاج الكبيرة والتي افتتحها موسوليني بنفسه عام 1937 ولا يمكن أن يخفى الغرض خلف ذلك، إنه المزيد من أفلام الدعاية الشيوعية والبروباغندا والتحكم في توجيه هذا الفن السينمائي، ولذا جاء المصطلح الذي أطلقه الإيطاليون فيما بعد (السنوات الـ20 السوداء).
جانب مضيء
لكن الجانب الآخر المضيء في هذا الأمر، بجانب الفائدة الفنية والاطلاع والتمرس الذي اكتسبته بعض الأسماء التي ستكون لاحقاً ذات أهمية كبرى وشهرة واسعة في سماء السينما الإيطالية، هو أيضاً ما حدث بعد سقوط النظام الفاشي سنة 1943، حينما بدأت ثورة (الواقعية الإيطالية) والتي ألهمت فيما بعد مخرجي السينما الإيطالية، وأثرت بشكل عام في تاريخ السينما العالمية إجمالاً. منذ قام المخرج روبيرتو روسيليني والذي كان شاباً يعمل تحت قيادة المخرج فرانشيسكو دي روبيرتس، فترة ما يسمى السنوات الـ20 السوداء، في تصوير عدد من الأفلام التسجيلية وتجريب بعض الطرق الجديدة في التصوير ليستثمر كل هذا عام 1945، معلناً بداية هذه الواقعية الإيطالية الجديدة حينما قدم فيلمه الشهير (Rome، Open City / روما، مدينة مفتوحة) من كتابة الكاتب الكبير سيرجيو أميدي ومشاركة المخرج الكبير فيدريكو فيلليني وروسيليني نفسه أيضاً ليكون الفيلم حينها أحد أشهر أفلام السينما العالمية والفيلم الأكثر معرفة من الجمهور السينمائي خارج إيطاليا وقد استطاع الترشح لأوسكار أفضل سيناريو بالإضافة إلى فوزه بجائزة لجنة التحكيم الكبرى في «مهرجان كان السينمائي».
ثلاثية
الفيلم يحكي قصة الاحتلال النازي لروما في عام 1944، حينما كان يطارد زعيم المقاومة جورجيو مانفريدي، الذي كان يبحث عن ملجأ وطريقة للهرب. المثير هنا ليس في القصة نفسها فحسب والتي أتبعها روسيليني بفيلمين آخرين، مشكلاً ثلاثية ما يسمى الحرب ومعارضة الفاشية مع فيلمي Paisan عام 1946 ثم فيلم Germany Year Zero عام 1948، وإنما أيضاً في الأسلوب والمعالجة، حيث خرجت الكاميرا في هذه الواقعية الإيطالية الجديدة إلى الشارع بعيداً عن الاستوديوهات، واعتمدت ما يعزز كل شيء واقعي من إضاءة وديكورات حقيقية ومجاميع فعلية وممثلين غير محترفين، إضافة إلى العودة لموضوعات ذات مساس شعبي بعيداً عن النفس الدعائي أو القصص البرجوازية، وهذا ما أكده لاحقاً عام 1946 المخرج الكبير الآخر فيتوريو دي سيكا عبر فيلمه (Shoeshine / ملمعو الأحذية) ثم عام 1948 بفيلمه الأشهر (Bicycle Thieves / سارقو الدراجة)، وMiracle in Milan عام 1951 وUmberto D عام 1952، لتتوالى حينها مجموعة من الأفلام يصنعها عدد من المخرجين الذين يتزعمون ثورة هذا التوجه السينمائي الجديد في إيطاليا مثل غيوسبي دي سانتيس وفيلمه عام 1949 Bitter Rice وفيدريكو فيلليني في فيلمه La strada ومايكل أنجيلو أنطونيوني وفيلمه Il grido ولوشينو فيكسونتي مع فيلم Rocco and His Brothers وأيرمانو أولمي وفيلمه Il Posto وبازوليني مع أحد أشهر أفلامه عام 1962 Mamma Roma، حيث ترسخت حينها موجة الواقعية الإيطالية كواقع سينمائي في العالم أجمع.
 

  • نشر في مجلة ” زهرة الخليج “

من النقد حتى الإخراج.. التغيير عبر موجة جديدة!

قول ريموند دورجنات: «الموجة الفنية مثل الأعمال الفنية التي تتألف منها. ليست «مادة» تدور حول «جوهر» محدد، ولكنها استجابة للضغوط والتأثيرات التي تجمعت أو تقاربت من طبقات ومستويات مختلفة من الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والأيديولوجي والفني والشخصي». وكما تحدثنا سابقاً عن «الواقعية الإيطالية» كحركة سينمائية في الأربعينات جاءت نتيجة لواقع السينما حينها، ومن ثم أحدثت أثراً كبيراً ودائماً في السينما حتى يومنا هذا، فعلينا أيضاً أن نشير إلى إحدى الحركات السينمائية الأخرى المجاورة وهي ما يسمى الموجة الفرنسية الجديدة، والتي جاءت في العقد التالي منطلقة من باريس، حيث تتبناها مجموعة من النقاد والناقمين أيضاً، والذين أصبحوا فيما بعد من كبار المخرجين في السينما العالمية.
تقييم
فبعد الخروج من نيران الحرب العالمية الثانية كان هناك الكثير من الوقت، للنظر في إعادة تقييم الأمور ومنها واقع السينما الفرنسية والتي كانت ترزح تحت وطأة الأطر التقليدية، وتحمل الصفة التجارية حتى في مضامين الأفلام.
موجة جديدة
في عام 1950 كتب فرنسوا تروفو مقالاً نقدياً حاداً عن السينما الفرنسية، منتقداً نظام الإنتاج وأساليب المخرجين وكتاب السيناريو المعروفين آنذاك بنجاحاتهم، على الرغم من أنه لم يقدم بدائل أو رؤية محددة للنهوض بالسينما الفرنسية من واقعها الذي يراها سيئاً. هذا المقال هو إسهام من إسهامات عدة كان يقوم بها، أمثال تروفو وغودار وجاك ريفيت وكلود شابرول وغيرهم ممن تبنتهم ما تسمى «كراسات السينما»، التي أسسها الناقد الكبير والمؤسس الروحي للموجة الفرنسية أندريه بازان عام 1953، حيث سنشهد فيما بعد أفلاماً عدة قدمها هؤلاء (النقاد/‏‏المخرجون) لتأكيد رؤيتهم حول السينما مما اصطلح على تسميته بالموجة الفرنسية الجديدة، والتي حملت معها مجموعة من السمات يشير إليها كلير كلوزو في حديثه عن مصادر أفكار الموجة، بأنها كانت أشبه بعمل جماعي بسبب تشابه إحساس وطموح روادها، فيما جاءت طبيعة هذه الأفكار بكونها ذات طابع شخصي، حيث تعبر عن رؤية مخرجيها بشكل بائن غير حيادي وما يمكن تسميته «سينما المؤلف».
قواعد معتادة
حتى في قواعد اللغة السينمائية المعتادة، كان هناك الكثير من كسر هذه القواعد والخروج عن الأطر التقليدية، في تصوير المشاهد وتكوين الكوادر، وقبل ذلك الخروج من التصوير داخل الاستوديوهات الكبيرة، إلى حيث الشارع والحي والأزقة والمحلات الشعبية. ولعل أفضل ما يمكن أن يعبر عن هذه الموجة، هو مشاهدة أبرز أفلامها مثل فيلم كلود شابرول Le Beau Serge عام 1958، والذي يكاد يكون الفيلم الأول المعبر عن هذه الحركة، على الرغم من وجود فيلم آخر أيضاً في العام نفسه للويس مول وهو Elevator to the Gallows، لكن كثيراً من النقاد والمؤرخين يعتبرون فيلم تروفو الشهير The 400 Blows عام 1959، والذي كان قد فاز في «مهرجان كان» بجائزة أفضل مخرج، بينما ترشح لـ«الأوسكار» كأفضل سيناريو، هو البداية الفعلية لهذه الموجة، خاصة بالنظر إلى مخرجه تروفو، والذي كان من أكثر شباب الموجة حماساً لها.
قوالب سينمائية
يكتمل في تكوين معالم الموجة الفرنسية الجديدة مع أفلام عدة أخرى، مثل فيلم رفيق الدرب جان لوك غودار Breathless عام 1960، والذي تجلى فيه أيضاً التغيير الشكلي، في الفيلم الفرنسي من حيث التصوير والمونتاج مع غودار، الذي اعتاد كسر قوالب اللغة السينمائية التقليدية، كما سنشاهده في فيلمه الآخر عام 1962 My Life to Live، ثم عام 1963 مع Contempt.

  • نشر في مجلة ” زهرة الخليج “

الدوغما … آخر الحركات السينمائية جدلا !

إذا كنا تحدثنا سابقا عن مجموعة من الحركات السينمائية والتوجهات التي أثرت حتى هذا اليوم في طبيعة الإنتاج السينمائي فنيا منذ العشرينات مع التعبيرية الألمانية مرورا بالواقعية الإيطالية وحتى نهاية الموجة الفرنسية فإننا يمكننا مواصلة الحديث عن هذه الحركات التي اشتهرت حتى لو لم تملك التأثير الكبير كما هي الحركات السابقة وأعني هنا حركة ” الدوغما ” التي ظهرت منتصف التسعينات وقدمت مجموعة من الأفلام الأخاذة لكنها بطبيعة الحال وصيرورة الإنتاج السينمائي ومتطلبات الجمهور لايمكن أن تستمر أو تملك التأثير الكافي خاصة إذا مالاحظنا كونها حركة متأخرة نسبيا وحتى مؤسسيها لم يلتزموا تماما تجاهها وإن كانت آثارها مازالت باقية على مجمل أفلامهم حتى هذا اليوم .
بداية فإن مصطلح ” الدوغما ” كما نعرف هو مصطلح فكري أخلاقوي يشير إلى الجمود الاعتقادي والوثوقية الشديدة تجاه رأي أو قرار ولايقبل التساؤل والنقد والنقاش وإعادة النظر . وربما من هنا جاء تسمية هذه الحركة التي ظهرت عام 1995 من السينما الدنماركية عبر أبرز مخرجيها الدنماركيين مثل مؤسسها المخرج الكبير المثير للجدل دوما لارس فون ترير وصديقه توماس فينتربرج ثم فيما بعد انضم اليهم كريستيان ليفرينج وسورن كراج جاكوبسن .
وحينها كانت الحركة قد أثارت الكثير من الجدل واللغط مابين الإعجاب والانزعاج لكنها لم تكن لتمر دون ملاحظة واهتمام العالم السينمائي حينها حينما قدم هؤلاء المخرجون أفلامهم التي تعبر عن هذا الاتجاه الجديد والذي يمكننا أن نفهم الكثير عنه عبر معرفتنا بالقواعد العشرة التي وضعوها وهي :

  • يجب أن يتم التصوير في الموقع الأصلي للحدث دون إضافة أي ديكورات أو محسنات للموقع
  • لايجب أن يتم الفصل بين الصوت والصورة أثناء التصوير حيث يسجل الصوت بشكل مباشر بما في ذلك الموسيقى التي لاتضاف إن لم تكن معزوفة إثناء التصوير
  • يجب أن تكون الكاميرا محمولة باليد
  • يجب أن يكون الفيلم ملونا
  • تمنع جميع المؤثرات البصرية والمرشحات الضوئية
  • يمنع اصطناع أي حدث مثل القتل واستخدام الأسلحة
  • لايمكن الإيهام بالزمان أو المكان فكل مايحدث هو آنيا وفي نفس المكان المصور فيه
  • لاتقبل أفلام التصنيف أو النوع أو مايسمى Genre
  • مقاس الفيلم يجب أن يكون المقاس الأكاديمي 35 ملم
  • لافضل لاسم المخرج ومن الأفضل عدم وضعه على الفيلم

وبقدر ماتبدو هذه القواعد صعبة للوهلة الأولى إلا أن مؤسس الدوغما لارس فون ترير يقول ” إن فكرة وضع قواعد أو حدود لنفسك عندما تفكر فيها تجدها شيئا تفعله في معظم الوقت ولكن بالتأكيد هو أكثر إثارة عندما تفعله على الملأ بشكل عام وتنشره ”
فيما يمكننا أن نشير إلى أن المخرجين الذين وضعوا هذه القواعد جاءت كما يقولون إجابة لسؤال : ما أكثر الأشياء التي نكرهها في السينما اليوم والتي نقوم بها حينما نقدم على صناعة فيلم ما .!!
وبالرغم من الالتزام الكبير تجاه هذه القواعد إلا أنه أحيانا مايحدث خرق معين ولو بجزء خفيف كما اعترف بذلك المخرج الكبير توماس فينتربرج في أحد اشهر أفلام هذه الحركة وأوائلها وهو الفيلم الرائع عام 1998  The Celebration ويحكي الفيلم عن اجتماع عائلي احتفالا بميلاد الأب حيث تجري الأمور بشكل غير جيد حينما تنكشف بعض الاسرار العائلية . وكان الفيلم حينها قد رشح في الغولدن غلوب كأفضل فيلم أجنبي فيما حصل في مهرجان كان على جائزة لجنة التحكيم . وهذا يقودنا أيضا لذكر أحد أبرز أفلام الدوغما منذ بدايتها وهو فيلم مؤسسها لارس فون ترير في نفس العام تدليلا على هذه الحركة وهو فيلم  The Idiots الذي شارك في مهرجان كان أيضا لكن الفيلم الأبرز والأكثر نجاحا لمؤسس الحركة ترير وتعبيرا عنها كان قبلها بسنتين عام 1996 بمجرد أن تم الإعلان عن هذه الحركة وهو فيلم Breaking the Waves الفائز بجائزة لجنة التحكيم الكبرى في مهرجان كان والمرشح لأفضل فيلم دراما في الغولدن غلوب وأفضل ممثلة بدور رئيسي في الأوسكار لإيميلي واتسون وهي تؤدي شخصية زوجة غير مستقرة عقليا تشعر بالذنب تجاه مصاب زوجها بالشلل ويدفعها هذا للموافقة على ارتكاب أفعال غريبة .
وبالطبع فهناك أفلام أخرى قدمها مخرجون كانوا قد التزموا بقواعد الدوغما .وبغض النظر عن توقف هذه الحركة وتراجع حتى مخرجيها عن تقديم أفلام وفق قواعدها الحادة والشديدة هذه إلا أن ماتشير إليه حركة الدوغما هو تحريض التجربة والتنويع في التعبير الفني وكسر القوالب والتحديات المعهودة وإظهار مايمكن أن يفعله المخرج للسينما .
 

  • نشر في مجلة ” زهرة الخليج “

اللون في السينما … تاريخه وغايته !!

كان المخرج الروسي العظيم أندري تاركوفسكي يعتقد ” أن اللون يشكل عائقا رئيسيا في خلق الإحساس الحقيقي بالصدق على الشاشة !! وأنه اصبح ضرورة تجارية أكثر منها إمكانية جمالية ”
ولذا فهو يتفهم كثيرا أن يكون هناك توجه لتحقيق الافلام بالأبيض والأسود في عقود السينما الأخيرة فهي بطريقة ما تشي برؤية فنية وجمالية يعبر عنها مخرج العمل ويعتقد أنها الأنسب حينها.
ولذا حتى تاركوفسكي نفسه لم يقدم من أعماله السبعة الشهيرة فيلما ملونا بالكامل سوى آخر أفلامه ” The Sacrifice 1986 ” وهذا مايعطي حديثه قيمة إضافية حينما يقول ( إن إدراك اللون هو ظاهرة فسيولوجية وسيكيلوجية … وينبغي فعل شيء لتحييده إذا أراد الفنان أن يكون أمينا للحياة . هنا يتعين عليه أن يقوم بمحاولة لتحييد اللون وتخفيف آثاره على الجمهور )
بالتأكيد هي وجهة نظر من مخرج كبير ومهم لكننا في المقابل يمكن أن ننظر إلى اللون بشكل مختلف حينما نشاهد بعض أعمال كبار المخرجين أيضا … كوروساوا مثلا في فيلمه Dreams 1990
لكننا بعيدا عن الجانب الفني في النظر لموضوع اللون لنلقي نظرة سريعة حول دخول اللون في السينما ..
بداية فإنه لايمكننا تحديد تاريخ على وجه الدقة أو فلم يمكن اعتباره بداية عصر الألوان في السينما. فهو كالصوت تماما ظل لفترة طويلة عنصرا من عناصر التجربة السينمائية ثم جاء أخيرا كنتيجة تراكمية . ففي بداية السينما كانت هناك محاولات واسعة الانتشار  للتلوين اليدوي  في الشرائط السينمائية وخاصة في الأفلام القصيرة جداالتي لاتكلفها هذه العملية اقتصاديا ويذكر أن ميليس قام بتوظيف احدى وعشرين سيدة في استديوهات مونتريه للقيام بالتلوين اليدوي كما كان يفعل أديسون كذلك حينما صبغ جزءا من فلمه ” سرقة القطار الكبرى ” – أول فلم ويسترن- وهو مشهد انفجار البارود.
وعندما زاد طول الأفلام كان لابد من حل آخر وهو مافعله الفرنسي  شارل باتيه عام 1905 – او نابليون السينما كما يسميه المؤرخ السينمائي جورج سادول- حينما اخترع طريقة آلية  تقوم على تلوين الشريط السينمائي بعد تصويره عن طريق ألواح مثقوبة يمر عليها الشريط حيث تتطابق هذه الثقوب مع المناطق المراد تلوينها بستة ألوان متاحة.وبحلول عام 1910 كان عند شارل باتيه واخيه مايزيد عن خمسمائة عاملة للتلوين بهذه الطريقة التي كانت تسمى الاستنسل.وفي حلول الثلاثينات الميلادية كانت هذه الطريقة منتشرة في كل أوربا .
اما في أمريكا فكانت هناك طريقة أخرى للتلوين تم تسجيلها في مدينة سانت لويس عام 1916وتعرف باسم عملية هاند شيجل وهي طريقة تتيح استعمال ثلاثة ألوان في الأفلام ذات الميزانيات الكبيرة مثل فلم ” شبح الأوبرا” عام 1925لروبيرت جوليان.
وعندما أصبحت السينما صناعة عالمية كبرى خلال العشرينات كان هناك حاجة  لانتاج كمية كبيرة من النسخ ادى الى تطور طرائق الصبغ والتلوين والتي كانت تعتمد على تلوين آلي يأتي بعد التصوير وكان البعض يقوم بتلوين مشاهد معينة فقط من الفلم.مع ماتتضمنه هذه الطريقة من مشاكل وعدم دقة خاصة من دخول الصوت حيث أصبحت الصبغات تؤثر على الصوت نفسه المسجل على شريط السليو لويد. وهنا جاء دور شركة ” ايستمان كوداك ”  التي اخترعت عام 1929 شريط السونو كروم  وهو شريط سليولويدحساس بالأبيض والأسود  متاح أصلا بأصباغ متعددة تطابق تلك التي تستعمل في الطريقة الآلية السابقة وهذا مايعني ان عملية الصبغ أصبحت تتم قبل التصوير لابعده كما كان. ولذا فقد كان على المنتج أو المخرج أن يختار الفلم الخام بالصبغة التي تلائم مايريد هو تحقيقه من مؤثرات خاصة. وهكذا استمر مجال التصوير السينمائي الملون يسير بخطى سريعة ليصل الى الطريقة المثالية المتبعة حاليا.مارا خلالها بعدد كبير ومتسارع من التجارب والمحاولات أهمها مافعلته شركة ” تكنيكلر” التي استمرت حتى السبعينات وساعدت طريقتها الجديدة التي خرجت في العشرينات على الاستخدام التجاري واتاحة انتاج نسخ متعددة من الأفلام الطويلة.واصبحت طريقة شركة التكنيكلر هي الأشهر والمعتمدة حتى عند كبريات شركات الانتاج السينمائي الأمريكية.وكان الفلم الشهير ” ذهب مع الريح ” الأنموذج الأمثل لنجاح وفعالية طريقة التكنيكلر بقدر اقل من عيوب التلوين.ورغم ان تكاليف هذه الطريقة حدت من انتشارها الا ان الشركة استطاعت التغلب على ذلك في عام 1941 من خلال انتاج شريط مونوباك تكنيكلر.
 
 
 

شارل باتيه …. نابليون السينما في فجرها الأول !

يقال أن لويس لوميير” مخترع السينما مع أخيه ” قال لمصوره الذي يعمل معه ذات يوم : “أنت تعلم بأن الوظيفة التي اعرضها عليك ليس لها مستقبل فهي تشبه عمل لاعبي السيرك يمكن ان تدوم ستة شهور أو سنة وربما أكثر أو أقل “
ربما كان لوميير مترددا بشأن هذه الصناعة ومستقبلها وهذا تحديدا ماتجاوزه شارل باتيه(1863-1957) منذ البداية لكي يكون امبراطوريته الضخمة.
لقد ارتبط اختراع السينما وبدايتها بالفرنسيين الأخوين لوميير بسبب اختراعاهما آلة العرض التي سمياها ” سينماتوغراف” مستفيدين من أبحاث سابقة في هذا المجال أهمها ماكان يعمله المخترع الأشهر الأمريكي توماس أديسون . ففي الثاني والعشرين من مارس سنة 1985 كان الأخوين لومييرقد استأجرا مقهى في باريس لعرض أفلامهما التي لايتجاوز الواحد منهما دقيقتين مثل ” العمال يغادرون مصنع لوميير” ليسجلا بذلك بداية العهد السينمائي والفن السابع. الا ان المفارقة في الأمر أن فرنسيا آخر كان أكثر ثقة وتفاؤلا بهذه الصناعة الفنية الجديدة واليه سيعود السبب الرئيسي في ترسيخ هذه الصناعة وتطويرها ونشرها في العالم .
فقد قام شارل باتيه رجل صناعة الفوتغرافيا السابق المولود سنة 1863 مع اخيه اميل بانشاء شركة باتيه التي كان شعارها ديكا يصيح وكأنه يوقظ الناس على معجزة السينما ثم يبيض ذهبا ينتشر في الاتجاهات التي مر بها نابليون. والحقيقة أن لقب ” نابليون السينما ” كان قد أطلقه المؤرخ السينمائي الأشهر الفرنسي جورج سادول لأنه استطاع خلال عقد واحد أن يؤسس امبراطورية صناعية واسعة سمحت لفرنسا بتحقيق السيطرة على سوق السينما العالمية حتى بداية الحرب حتى ان هذه الشركة استطاعت شراء حقوق شركة الاخوة لوميير ذاتهاوتولت الاشراف على تصميم كاميرا متطورة استطاعت فرض وجودها لدرجة ان بعض التقديرات قالت ان ستين بالمائة من كل الأفلام التي تم تصويرها قبل عام 1918 استخدمت فيها كاميرا باتيه.
والى جانب ذلك ايضا كان باتيه يقوم بتصنيع الفلم الخام وقد اسس عام 1902 شركة لمستلزمات الانتاج كما انه في السنوات التالية ابتدأ افتتاح وكالات اجنبية لتسويق منتجاته تحولت فيما بعد الى شركات انتاج ضخمة في اسبانيا وايطاليا وبريطانيا وايطاليا وحتى في امريكا ثم في جميع انحاء العالم و ينسب لباتيه الفضل الحقيقي في تأسيس صناعات سينمائية في استراليا واليابان والبرازيل والهند. كما امتلكت شركة باتيه دور عرض دائمة في جميع أنحاء العالم فضلا عن انشاء أفخم صالة سينمائية في العالم ” اومينياباتيه ” في باريس عام 1906. وفي جانب تسويق الأفلام وصلت شركة باتيه من الانتشار والنفوذ للدرجة التي كانت تسوق من الأفلام ضعف الأفلام التي تنتجها الشركات الامريكية مجتمعة عام 1908 وضعف ماتنتجه الشركات البريطانية عام1909 وكانت أرباح الشركة تسير بشكل متصاعد حتى وصلت الى خمسين او مائة ضعف تكلفة الانتاج . وقد استطاع باتيه ان يصبح الموزع لأفلام منافسه الخاسر جورج ميليس ” ساحر الضوء” الذي الذي كان مسيطرا على السينما الفرنسية بين عامي 1898-1904 قبل دخول باتيه هذا المجال يوم ان كانت افلام ميليس الخيالية المصنوعة بتقاليد مسرحية ذات شهرة واسعة جعلت بعض المنتجين يضطرون لمحاكاة اسلوبه ليتمكنوا من منافسته وهو كما يقول المؤرخ السينمائي دافيد كوك : “أول فنان سينمائي يكتشف امكانات السينما في السرد الروائي ” ويروي دافيد قصة ظريفة – يعتقد البعض انها مختلقة- وهي انه عندما كان ميليس يقوم بتصوير لقطة في أحد شوارع باريس  تعطلت الكاميرا فجأة بينما كان يصور حافلة تخرج من احد الأنفاق ثم عادت الكاميرا للعمل وهناك عربة لنقل الموتى تسير في نفس المكان الذي كانت فيه الحافلة وحينما عرض ميليس الفلم بدا الأمر وكأن الحافلة قد تحولت الى عربة نقل الموتى مما جعل جورج ميليس يدرك امكانات التلاعب الزمكاني من خلال التوليف الفني.
ومن الأشياء التي نجح فيها شارل باتيه حينما عين “فريدنان زيكا” مديرا عاما لاستديوهات الشركة الضخمة وهو الرجل متعدد المواهب الذي جاء من عالم الغناء في الصالات الموسيقية بحس مرهف لما يريده الجمهور حيث قدم لهم اعمالا هزلية ممزوجة بالسحر والجريمة ومستعينا بعدد من خبراء التصوير والتركيب والابتكار واستطاع زيكا ان يتفوق  احيانا حتى على جورج ميليس الذي لايرغب في الخروج من الاستديوهات عكس زيكا المولع بالتصوير في الهواء الطلق .وقد استمر زيكا مديرا للانتاج الى أن تم حل الشركة. كما نجحت ايضا شركة باتيه في ضم موهبة اخرى هو الفنان الكوميدي ” ماكس ليندير ” الذي اشتهر عالميا من خلال تجسيده لدور الرجل سيء الحظ  وهو يجول شوارع باريس قبل الحرب في عدد كبير من الأفلام القصيرة وهو ماترك اثرا كبيرا فيما بعد على أعمال الممثل الأنجليزي المعروف شارلي شابلن.
ومن الابتكارات الناجحة لشركة باتيه هي  الجريدة السينمائية ” باتيه جازيت ” عام 1910 التي كانت تقوم اسبوعيا بنقل الأخبار المصورة من مكانها الى أنحاء العالم وكانت ايضا تجذب الجمهور لمشاهدة الأفلام التي تعرض في الصالة بعد عرض عدد الجريدة السينمائية الأسبوعي وقد استمرت هذه الجريدة في الصدور حتى عام 1956اي بعد سنوات من تفكيك شركة باتيه.
جاءت المنافسة القوية لشركة باتيه من قبل شركة جومون التي بدأت متواضعة لكنها تطورت باتباع اساليب باتيه في التوسع  من خلال الانتاج وتصنيع الأجهزة السينمائية والتوزيع وبناء الاستديوهات وصالات العرض وارتبطت نجاحاتها بعد ان تولت ادارتها  ” اليس جي ” أول مخرجة سينمائية عام 1906. ثم اصبحت استديوهات شركة جومون هي الأكبر في العالم وظل هذا التنافس محموما حتى جاءت الحرب العالمية الأولى 1914 التي ألقت بظلالها الكبير على الصناعة السينمائية وانحسر الاحتكار الفرنسي في الوقت الذي بدأت فيها الصناعة السينمائية الأمريكية بالازدهار كما نهضت صناعات سينمائية عالمية في كل مكان بعد الحرب .
وفي عام 1929 كان شارل باتيه وهو يقترب من الشيخوخة يعلن اعتزاله بعد ان تخلى عن امتيازاته المتعددة وباع العديد من ممتلكات الشركة وفروعها في العالم وانسحب من كل ارتباطاته السينمائية معلنا غروب شمس احدى الامبراطوريات السينمائية الضخمة ومسجلا اسمه كواحد من أهم صناع السينما وروادها.
 

الأسلوبية … ثورة في التمثيل !

ربما أبرز مايمكن أن يلاحظه الكثير من المشاهدين لأفلام السينما الأمريكية هو التفاوت الواضح في الأـداء والتمثيل مابين مرحلة بداية السينما وكلاسيكياتها والمرحلة الحالية التي يبرز فيها الكثير جدا من نجوم الأداء الاستثنائي والأدوار التي تظل عالقة في الأذهان … لاشك أن شيئا ما قد حدث !!
ماحدث هو مزيج وامتداد مابين المسرحي الروسي ستانيسلافسكي .. المخرج ومعلم التمثيل الهنغاري لي ستراسبيرغ … “استديو الممثل” . ومحور الأمر كله هو في الهنغاري ستراسبيرغ الذي استلهم تجربة ستانيسلافسكي واستغل انضمامه لاستديو الممثل ليقدم نظريته ” الأسلوبية ” او ” الطريقة ” في التمثيل ويحدث هذا الفارق الذي لاحظناه خاصة إذا ماعرفنا ان من أبرز تلاميذه الذين استفادوا منه وطبقوا نظريته في التمثيل هم نجوم السينما مثل باول نيومان ومارلون براندو ومارلين مونرو وآل باشينو وداستن هوفمان وجين فوندا والين بريستن وجولي هاريس وغيرهم كثير  وبالطبع .. جيمس دين الذي قال بعد ترشيحه لأوسكار أفضل ممثل عن فيلم المخرج إليا كازان East of Eden)) عام 1955 عن ( استديو الممثل ) إنه “أعظم مدرسة في المسرح و أفضل شيء يمكن أن يحدث لممثل” وبطبيعة الحال كان ستراسبيرغ واليا كازان ممن يقومون على التعليم في ” استديو الممثل ” الذي يعتبر حينها أرقى مدرسة تعليم للتمثيل في أمريكا بفضل وجود ستراسبيرغ تحديدا الذي قال عنه  ميل غوسو ” أحدث ثورة في فن التمثيل لها تأثير عميق على الأداء في المسرح والأفلام الأمريكية ” بالرغم من أن ستراسبيرغ كان قد ترك ” استديو الممثل ” في مطلع السبعينات بعد ثلاثين سنة من العمل وتوجه مع زوجته آنا لإنشاء معهد Lee Strasberg Theatre and Film Institute ليواصل تطبيق نظريته في التمثيل ” الأسلوبية ” والوصول إلى أكبر قدر ممكن من الموهوبين بدل الطريقة الانتقائية في الاختيار والتي كان يعتمدها ” استديو الممثل ” مما وسع بالفعل مستوى تأثيره الكبير لعدة أجيال من الممثلين حتى يومنا هذا .
والآن مايلزم معرفته هو هذه النظرية في التمثيل التي درسها ستراسبيرغ لعقود والتي تسمى مابين ” الأسلوبية ” أو ” الطريقة ” أو حتى ” الذاكرة الشعورية ” .. وحينما يصف ستراسبيرغ نفسه نظريته فهو يقول : ” إن مجالي الاكتشاف اللذين كانا مهمين في عملي في أستديو الممثل وفي فصولي الخاصة هما الارتجال والذاكرة العاطفية. وأخيرًا باستخدام هذه التقنيات التي يمكن أن يعبر عنها الممثل المشاعر المناسبة المطلوبة للشخصية ” . وبالعودة الى الناقد ميل غوسو فإنه مسرحيا كان ستراسبيرغ يدفع الممثل الى التعمق في الشخصية ليس على المسرح فحسب وإنما ماقبل ذلك وقبل رفع الستار ومعرفة تاريخ الشخصية التي ربما تعود الى الطفولة لأن الشخصية التي تظهر أخيرا على المسرح إنما هي نتيجة وذروة وجود الشخصية !! يبدو الأمر متطرفا بعض الشيء للوهلة الأولى لكنه في الحقيقة هو محور أداء الشخصية بشكل كامل ومقنع ومؤثر وهنا يأتي مايمكن أن نسميه بالذاكرة الشعورية أو العاطفية حيث يرى ستراسبيرغ ان استدعاء هذه الذاكرة للمشاعر والعواطف ستدفع الممثل إلى الانغماس في الدور بحيث لايبدو الا انه هو نفس الشخصية التي يؤديها وليس ممثلا يؤدي شخصية في فيلم !! حيث يرى ستراسبيرغ ان التمثيل مجرد أداء لكن التقمص هو الشيء الأصعب والحقيقي في إبراز الشخصية . ولذا سيكون على الممثل حينها أن يبني هذه الذاكرة الشعورية من خلال التحضير للشخصية لدرجة العيش وفق ظروفها فالممثل الذي يريد أن يقدم شخصية رجل متشرد في الشوارع سيكون عليه أن يعيش لفترة ليست قصيرة كرجل متشرد ومن هنا يستطيع بناء ذاكرة شعورية عاطفية ستساعده فيما بعد في تأدية الدور بشكل حقيقي . ولذا لطالما سمعنا عن استعدادات الممثلين الغريبة تجاه أدوارهم كما فعل مارلون براندو حينما مكث لأسابيع في المستشفى دون حراك لمجرد أنه سيؤدي شخصية جندي طريح الفراش !! وفي الوقت الحالي ستستمع الكثير من مثل هذه التجارب كدخول السجن وتعلم حرفة معينة والتدرب على الموسيقى او الرقص والمبارزة وركوب البحر والامواج والحيوانات والعيش في مصحة نفسية والانعزال في غابة وعدم التنظف والحصول على كدمات وكسور وأشياء كثيرة يقوم بها الممثلون حاليا في مرحلة التجهز والاعداد لأداء دور معين وستفهم حينها أن هذا نوع من تطبيق ” الأسلوبية ” والاعتماد على الذاكرة الشعورية كما كان يكرسها ستراسبيرغ لسنوات طويلة .

حديث المخرجين…شيء من الإلهام !!

ليس أكثر إلهاما وتشويقا لمحبي السينما وصناعة الأفلام من أحاديث المخرجين حول تجاربهم ورؤيتم الفنية وملهميهم في عوالم السينما .الإعجاب الكبير الذي يحمله فرانسوا تروفو أحدرواد الموجة الفرنسية الجديدة للمخرج الكبير الفريد هيتشكوك حمله على إجراء لقائه الشهير معه . شابلن كتب عن سيرة حياته وبينويل نشر مذكراته الطريفة وتاركوفسكي أعلن عن رؤيته الفنية للسينما بشكلها الأعمق من خلال كتابه الشهير ” النحت في الزمن ” فيما سجل بريسون مدوناته في السينماتوغراف بينما أعلن فيلليني عن الشيء الكثير في كتابه ” أنا فيلليني ” والقائمة تطول في ذكر العديد من المخرجين الذي كتبوا وألفوا أو الذين كانت لهم لقاءات موسعة استطاع الجمهور من خلالها أن يعرف شيئا عن حياتهم وأفلامهم ورؤيتهم السينمائية .
وفي عام 1995 قدمت إحدى الشركات الفرنسية فيلما طريفا في فكرته مكتسب أهميته من عدد المخرجين الذين حشدتهم في هذا الفيلم باسم Lumière and Company حيث طلبت من هؤلاء المخرجين القيام بتوصير فيلم قصير جدا بنفس الكاميرا التي استخدمها لومير نفسه والذي يعزي اليه اختراع السينما !! كان الأمر مثيرا بجانب تلك القاءات السريعة مع المخرجين حول السينما ورؤيتهم لها وسبب قيامهم بإخراج الأفلام ورسالتهم حولها ..مثل اليوناني ثيودور انجليوبولوس والايراني عباس كياروستامي والامريكي ديفيد لينش والمصري يوسف شاهين والصيني زانغ ييمو وسبايك لي وليلوش وهينيكه وفندرز.
وهنا أيضا يمكن لنا أن نلقي نظرة سريعة على كتاب شيق وممتع باسم ” دروس في السينما ” جمعت فيه الاستاذة ناديا صبري عددا من لقاءات المخرجين الكباركما نشرت في بعض المجلات الفرنسية :
فالمخرج الايطالي برناردوبيرتولوشي الحائز على أوسكار افضل مخرج عن فلم ” الامبراطور الأخير ” حيث يبدي اعجابه الكبير بالمخرج الفرنسي جان رينوار أحد أشهر مخرجي الموجة الفرنسية الجديدة  وفلمه ” قوانين اللعبة ” حين يقول : (اذا ماطلب مني تدريس الاخراج السينمائي سأشعر صراحة بالاحراج , أظن أني لن أعرف كيف أبدأ . ربما سأكتفي بعرض الأفلام . وسيكون أول خيار لي بالتأكيد هو فلم ” قانون اللعبة ” للمخرج الفرنسي جان رينوار. سأشرح كيف نجح رينوار في هذا الفلم في بناء جسر بين الانطباعية التي هي فن والده الرسام وبين الفن الحديث.قد أحاول عرض أو إثبات كيف حقق هذا الفلم الهدف الذ تحاول كل الأفلام بلوغه : وهو ان تأخذنا الى مكان ما  ).
بينما المخرج الياباني الأشهر حاليا تاكيشي كيتانو فهو بالطبع سيكون أهم ملهميه هو امبراطور السينما اليابانية ومخرجها الأول أكيرا كيروساوا فهو يقول : ( ليس من قبيل الصدفة أن أذكر كيروساوا ! انه استاذي غير لمنازع في السينما واذا سألني شخص ” ماهو الفلم ؟ ” سأرسله لمشاهدة ” راشمون والساموراي السبعة ” وماهو رائع عن كيروساوا دقة الصورة على مستوى الكادر وتحديد وضع الشخصيات فالتشكيل دوما متكامل حتى عند حركة الكاميرا , يمكننا أخذأربع وعشرين صورة من كل ثانية وعمل لوحة ن كل ذلك واذا كانت السينما المثالية تعاقب الصور بشكل كامل فان كيروساوا هو الوحيد الذي وصل الى هذا المستوى).
أما المخرج ديفيد لينش المثير دوما بأفلامه وغموضه مثل ” طريق موهلاند والرجل الفيل ” فهو يقدم اختياره الدقيق لأربعة أفلام  التي يرى أنها تمثل  نماذج متألقة كثيرا في اخراج المشهد . وهي ” ثمانية ونصف ” لفليلليني ” لاظهار كيف توصل فيلليني لبلوغ سينما مماثلة في نتيجتها لبعض مافعله الفنانون في الرسم التجريدي أي الحفاظ على ايصا عاطفة دون ان يظهر هذا بشكل مباشر ودون شرح بتاتا. وفلم ” سنست بولفارد ” للأسباب نفسها الى حد ما وحيث ان اسلوب بيلي وايلدر لايقارن بأسلوب فيلليني الا انه قد توصل الى نتيجة مماثلة تقريبا بخلق نوع من الجو التجريدي أقل بالسحر المحض من كل أنواع اختراع الاساليب والتقنيات فهو وصف لنا هوليوود التي لم توجد لكنه جعلنا نصدقها وندخلها كما الحلم تقريبا. وثالثا هو فلم ” عطلة السيد هولو ” لنظرة المخرج ” تاتي ” التي لاتصدق في المجتمع حيث نرى في الفلم معرفته العميقة وحبه الحقيقي للكائن البشري وليس بوسعنا سوى عمل الشيء نفسه . واخيرا فلم ” النوافذ الخلفية ” للطريقة الذكية التي توصل عبرها هيتشكوك في خلق واعادة خلق عالم حقيقي في ساحة تك العمارة)
وبالنسبة لأوليفر ستون فهو يقول ( عندما اشاهد اول خمسة عشر لقطة من فلم طويل اعرف ميدور في ذهن المخرج على وجه الخصوص ان كان عنده شيء يقوله. مايهمني هو نظرته الى العالم والباقي ديكور بما ذلك الممثلون والسيناريو وعليه فاني احب افلاما مثل ” ماغنوليا ” لأن عند اندرسون وجهة نظر )
ويعلق مارتن سكورسيزي الذي  يعتبر ان كل مشهد هو تجربة في حد ذاتها ( كان لدينا استاذان كبيران في تاريخ السينما وصفا القوانين الاساسية للفلم ” غريفيث” في السينما الصامتة و ” ويلز ” في السينما الناطقة غير ان السينمائيين حاليا يشعرون ان عليهم التجديد وعمل مابوسعهم لاكتشاف لغة سينمائية جديدة )

الأزياء … شيء من جمالية الفيلم السينمائي

في عام 1948 بدا الاعتراف الفعلي بالقيمة الفنية والعامل المهم والمؤثر للأزياء والملابس في الفيلم السينمائي، حينما منحت أكاديمية الأوسكار وبعد 20 عاماً من بداية حفلات توزيع جوائزها، أول جائزة في هذا الشأن لفيلم هاملت / Hamlet لأفلام الأبيض والأسود، وفيلم Joan of Arc للأفلام الملونة، حيث اعتادت الأكاديمية تقسيم الجائزة بين النوعين، ثم في عام 1958 تم دمجها لتكون جائزة أفضل تصميم أزياء لفيلم واحد سواء أكان ملوناً أم بالأبيض والأسود قبل أن يعود الفصل من جديد لسنوات محدودة.
كان اللافت أيضاً أنه في بداية الجائزة، كانت الأفلام الفائزة بأوسكار أفضل تصميم أزياء من أفلام الأسود والأبيض هي أفلام تحكي الواقع المعاصر، بينما الأفلام الفائزة من الأفلام الملونة هي غالباً ما تكون من أفلام الملحميات والمسرحيات، وهنا تظهر قوة اللون في الإفصاح أيضاً عن قوة الأزياء. بينما يمكن ملاحظة أمر مثير آخر في هذه الجائزة منذ الستينات وحتى اليوم، وبعد أن تم دمج الجائزة بشكل نهائي لتتنافس أفلام الأبيض والأسود والأفلام الملونة معاً، وهو أن الأفلام الفائزة دائماً هي أفلام تعود للماضي أو أفلام الخيال العلمي والفانتازيا – ولذا كان فيلم Black Panther هو الفائز في آخر حفلات الأوسكار، بينما طيلة هذا التاريخ لم يفز فيلم يحكي واقعاً معاصراً لتاريخ إنتاج الفيلم وأحداثاً حديثة، سوى بضع مرات قليلة منها Travels with My Aunt عام 1972 وفيلم The Adventures of Priscilla, Queen of the Desert عام 1994.
كانت هذه لمحة سريعة تعبر عن الاعتراف بقيمة تصميم الأزياء، والذي ربما يأتي استجابة متأخرة نوعاً ما للشكل الفني الذي كان معتاداً منذ أيام المسرح، ويمثل قوة تعبيرية عن معنى القصة وفكرة العمل الفني ومغزاها.
الأزياء ليست عنصراً منعزلاً
يقول لوت أزنر في مجلة السينما التي خصصت عام 1948 عدداً خاصاً عن الأزياء حينها: «الملابس في الفيلم لا تكون مطلقاً عنصراً فنياً منعزلاً، وينبغي النظر إليها من جهة أسلوب خاص للإخراج في إمكانها أن تزيد أو تنتقص من تأثيره»، بينما في مقولة أخرى جميلة عنونها كلود أوتان لاراه، الذي عمل في تصميم الأزياء والملابس حتى قبل أن يكون مخرجاً: «على صانع ملابس السينما أن يكسو الشخصيات»، مشيراً بهذه المقولة إلى قوة الأزياء والملابس في التعبير عن الشخصيات وهويتها وحتى سلوكياتها. يقول جاك مانويل: «إذا أردنا حقاً أن نعتبر السينما عيناً فضولية تحوم حول الإنسان قانصة مواقفه وحركاته وانفعالاته، فإن علينا أن نقر بأن الملبس هو أقرب شيء إلى الفرد، فهو الذي يقترن بشكله ويجمله أو على العكس يميزه ويؤكد شخصيته».
النماذج الاجتماعية
إذا كانت الملابس ستحدد للوهلة الأولى جنسية الممثل أو مرجعه، كما هو الزي المكسيكي أو ملابس الهنود الحمر في أي فيلم من أفلام الغرب الأميركي الشهيرة، فإن الأهم أيضاً هو تحديد النماذج الاجتماعية وتفاوت الطبقات، وهذا يمكن ملاحظته في أي فيلم من حقبة الخمسينات مثلاً. وربما تجاوز الأمر التعبير الموضوعي في الفيلم إلى التصميم الفني في الشكل، كما هي أفلام حقبة العصور البريطانية الشهيرة كالعصرين الإليزابيثي والفيكتوري، والتي كثيراً ما تكون حاضرة في موسم الجوائز، وهو ما يفسر وجود فيلمين مرشحين للجائزة في آخر حفلات الأوسكار من بين خمسة أفلام وهما Mary Queen of Scots, The Favourite.
التعبير العاطفي
في إضافة جميلة حول هذا الموضوع يذكرها الناقد مارسيل مارتن في كتابه «اللغة السينمائية» حول التعبير العاطفي الذي يمكن أن تحدثه الأزياء، خاصة مع دخول اللون كتعبير عن تغير حال الشخصية ذاتها، حيث يقول: «يستطيع صانع الملابس أن يخلق مؤثرات سيكولوجية بالغة الدلالة»، ثم يستشهد بوصف آل سوريو في كتاب (العالم الفيلمي)، حيث يضرب مثلاً بالتطور العاطفي الذي حصل لشخصية ماريان في الفيلم الشهير روبن هود، حيث كانت في البداية ترتدي الأحمر مثل شخصية جنسبورن، باعتبارها أحد أنصاره وتابعيه لكنها فيما بعد حينما تتقرب رويداً للبطل روبن هود، فإنها تتحول في لبسها على نوع من الملابس الفاتحة التي يسود فيها اللون الأخضر وهو لون البطل الشعبي روبن هود نفسه.

  • نشر في مجلة ” زهرة الخليج “

في تاريخ السينما … كيف جاءت النجوم !!

قبل فترة نشرة مجلة ” فوربس ” الامريكية للمال والأعمال قائمة بأكثر الممثلين النجوم دخلا خلال عام 2017  في عالم السينما حيث تشير الأرقام الكبيرة جدا إلى ارتفاع القيمة التسويقية للنجوم الممثلين وإيمان  شركات الإنتاج بأهمية ‘امل وجود النجم الممثل في الفيلم  لجذب الجماهير . حيث تشير مجموع مادخله أعلى 20  ،جما ممثلا إلى 720  مليون دولار  يتصدرهم النجم مارك والبرغ بمبلغ  68 مليون دلار عن فيلم Transformers: The Last Knight وهو مايعد مبلغا ضخما حتى بقياس ميزانية الفيلم العامة التي بلغت 217  مليون دلار  ثم يليه  دوين جونسون 65  مليون دولار  , وفين ديزل 54 مليون دلار إلى آخر القائمة التي ضمت ايضا في المراتب العشر الأولى نجوم التمثيل في السينما الهندية مثل أكشاي كومار و سلمان خانت وشارو خان بمبالغ تتراوح مابين 35-38  مليون دولار .
ولكي نفهم كيف وصلت الامور إلى هذا الحد ربما علينا ان نعود عقودا من السنوات إلى الوراء والمرحلة التي تم فيها خلق فكرة ” النجم ” بعد فترة من التردد التي وجد المنتجون أنفسهم فيها مابين إعطاء النجم قيمة   كعامل جذب جماهيري  أو الخشية من إدراك هذا النجم لقيمته مما قد تدفعه لفرض شروطه واستقلاليته والمغالاة في أجره !
في مطلع القرن التاسع عشر حينما بدأت السينما ذاتها كان عليها أن تجد مكانا مناسبا امام الفن المسرحي الأهم والأشهر حينها خاصة مع حداثتها وقصر مدة عرضها التي لم تتجاوز في البداية الخمس عشرة دقيقة ولم يكن الممثل السينمائي ليجد أي مكانة قريبة من نجوم المسرح وقتها . والى وقت متأخر من بداية السينما كانت رابطة مخرجي برلين المسرحيين مثلا ترفض السماح لممثلي المسرح بالعمل في الأفلام باعتبارها فنا لايرقى لسمعة المسرح.وكذا الحال في بداية السينما اليابانية حينما رفضت مسارح الكابوكي السماح لممثليها بالظهور في الأفلام السينمائية. وفي أمريكا نفسها كان الممثلون في البداية يخجلون من وضع اسماءهم على الأفلام او مايطلقون عليها استهزاء ” صور الصفيح المهرولة “!!
لكن الأمور اصبحت تتجه بشكل آخر حيث اصبح الجمهور يرغب أكثر بالتعرف على هؤلاء الممثلين النجوم ويطالب ايضا بالكشف عن اسمائهم بدلا من اطلاق الألقاب عليهم كما كانت العادة مثل فتاة البايوغراف ” نسبة لشركة بايوغراف التي تظهر فلورانس لورانس في أفلامها والتي يمكن اعتبارها اول نجمة سينمائية بالمعنى الحديث و “ماري الصغيرة ” للممثلة ماري بيكفورد وغيرها .
وبالرغم من ممانعة المنتجين الذين كانوا وقتها يقفون على رأسه الهرم في الصناعة السينمائية ابتداء من المغامرة بإعطاء كل هذه القيمة للنجوم إلا أن بعضهم تعامل مع الأمر بطريقة مختلفة لتحقيق مكاسب أكبر كما هو حال شركة “أدولف زوكور ” التي اصبحت فيما بعد الشركة الكبرى الشهيرة ” بارمونت ” فقد عملت على تطوير النجمات تحديدا ولكن وفق عقود احتكارية مما دفع هوليود ايضا إلى صياغة سيناريوهات خاصة لمثل هؤلاء النجوم من الممثلين والممثلات  والتي استطاع البعض منهم التحرر من هذا النظام وتلك العقود الاحتكارية لينتهي الوضع بإنشاء مايسمى بشركة ” الفنانون المتحدون ” بأسماء كبيرة مثل شارلي شابلن ودغلاس فيربانكس وماري بيكفورد معلنين استقلالهم التام عن كبار استديوهات شركات هوليود ومحققين في نفس الوقت نجاحا مشهودا مع بداية إنتاج الشركة تحديدا وتعثرها لاحقا لتتم العودة من جديد لسلطة الشركات المنتجة الكبرى في مرحلة مايسمى بنظام الاستديو.قبل ان تتغير فكرة ” النجم ” أيضا حينما قامت شركات الانتاج لاحقا  باغراق الجمهور بمختلف وسائل الدعاية من صور فوتغرافية وصور حائطية وبطاقات بريدية اضافة لمجلات السينما التي تقوم بالترويج لهؤلاء النجوم جاعلة منهم اناسا اشبه بالأساطيرويقال انه كان في هوليوود وحدها مالايقل عن خمسمائة مراسل صحفي  لنقل آخر أخبار النجوم وتحركاتهم واسرارهم وترى الكاتبة تري مارغريت ان هولييود حينها كانت ثالث اكبر مصدر للاخبار بعد واشنطون ونيويورك ونحو مائة الف كلمة كانت تخرج يوميا منها  ونشأت حينها العديد من الاندية الخاصة بمعجبي نجم معين
لكن أطرف مايمكن الحديث عنه في موضوع استثمار النجوم وابرازهم  تلك الفترة هو ماذكره الكاتب والمؤرخ السينمائي دافيد أي كوك في كتابه ” تاريخ السينما الروائية ” حينما أراد كارل ليمبل احد المنتجين المستقلين ان يعلن عن انتقال “فتاة البايوغراف ” فلورانس لورانس من شركة “بايوغراف ” الى شركته “الشركة المستقلة للأفلام ” حيث قام بعملية مفبركة ناجحة فبعد التعاقد مع فلورانس قام باشاعة خبر موتها ذاكرا اسمها الحقيقي لأول مرة عبر تقارير صحفية مجهولة ولاتحمل توقيعا . ثم أتبع ذلك بعمل حملة اعلانية كبيرة باسم شركته لنفي اشاعة موت الممثلة وانها مجرد كذبة للتشويش حول انتقال الممثلة فلورانس وتأكيدا لهذا الأمر فقد وعد كنغ باغوت الممثل الأول لشركة كارل ليمبل والذي يظهر اسمه لأول مرة كذلك بأن يرافق الممثلة فلورانس الى سانت لويس لحضور افتتاح أول أفلامها مع ” الشركة المستقلة للأفلام”  مما دفع الكثير جدا من الجماهير والمعجبين الى التجمع والاحتشاد عند محطة القطار ليحضوا برؤية  نجمتهم “فتاة البايوغراف” السابقة وهي على قيد الحياة. ويقال ان بعض المهووسين قاموا بتمزيق شيئا من ملابسها للاحتفاظ بها كذكرى  ليعلن بذلك عن احدى اهم عوامل الجذب الجماهيري ومحاوراقتصاديات السينما التي مازلنا نرى تأثيرها حتى هذا اليوم.