دراما الحزن في أفلام الفقد والوجع !

منذ بداية المسرح وفن القصة والتراجيديا -أو تصوير المأساة في أبسط معانيها – من أهم الموضوعات التي نالت اهتمام المؤلفين والفنانين وحضيت أيضا باعجاب الجمهور او تفاعلهم . ولذا فإن السينما تأتي امتدادا طبيعيا في تناول هذا الموضوع بكل درامي فني . لكن مما لاشك فيه أن كمستوى التناول والمعالجة لقصص الحزن والماساة وأحداث الفقد والوجع تتباين مابين المعالجة الدرامية الفنية والمعالجة النمطية والمبتذلة . وهنا يمكا أن نستعرض أبرز أفلام ” الفقد ” او تلك القصص التي يفقد فيها شخص أو عائلة شخصا عزيزا مما ينعكس على طبيعة حياتهم وطريقة تصرفهم فيما بعد ويشكل حالتهم النفسية والعاطفية .
البداية لتكن مع مطلع الثمانينات والفيلم الأوسكاري عام 1980 Ordinary People الذي توج تلك السنة كأفضل فيلم وسيناريو مقتبس وبالطبع أفضل مخرج للنجم المخضرم روبيرت ريدفورد . الذي اعتمد في هذا الفيلم على رواية بنفس الاسم لجوديث غوست صدرت منتصف السبعينات وتحكي  قصة عائلة ثرية تفجع بوفاة ابنها الأكبر وتوتر حياتهم واكتئاب ابنهم الأصغر نتيجة مقتل أخيه .
على نفس المستوى وبمعالجة أكثر عمقا يأتي عام 2001 الفيلم الإيطالي الشهير الفائز بالسعفة الذهبية في مهرجان كان غرفة الابن/ The Son’s Room فهنا عائلة مستقرة وسعيدة تنقلب حياتهم رأساعلى عقب بعد وفاة ابنهم المفاجيء غرقا ممايدخل الأب وهو طبيب نفسي في دوامة من الحزن والهوس بالحادثة لدرجة أنه اصبح يلوم حياته ووظيفته ومرضاه الذين حرموه كما يعتقد من قضاء وقت أطول مع ابنه .
في نفس السنة وعلى مستوى مختلف في المعالجة أيضا يأتي الفيلم In the Bedroom الذي كان قد رشح كأفضل فيلم ونص مقتبس وافضل ممثل وممثلة وممثلة مساعدة مما يعطي قيمة كبرى للأداءات هنا . فهو لايتوقف عند مقتل الابن واثره على الوالدين الوحيدين وإنما مايمكن أن يفعله هذا المقتل في تغيير تفكير الأم مديرة المدرسة المحترمة والأب طبيب البلدة حينما يحاولان تجاوز هذه الخسارة والحزن بفعل شيء ما .
في عام 2002 يقدم المخرج الكبير جيم شريدان صاحب فيلمي ( باسم الاب , قدمي اليسرى ) فيلما دراميا رائعا باسم   In America ترشح حينها لأوسكار أفضل نص أصلي بالإضافة لأفضل ممثلة وممثل مساعد حيث يحكي الفيلم قصة عائلة ايرلندية صغيرة تهاجر على أثر وفاة طفلهم ذي الخمس سنوات من كندا إلى أمريكا بشكل غير قانوني من |أجل بناء حياة جديدة لكن ذكرى طفلهم الميت لم تزل عالقة . وبالرغم من أن الفيلم لايركز كثيرا على موضوع الفقد واثره لكننا لايمكن إلا أن نلاحظ ان هذه الحادثة تطل بظلها على العائلة بطريقة ما وربما توجه تصرفاتهم واختياراتهم الجديدة .
في عام 2010 تترشح النجمة نيكول كيدمان في الاوسكار والغولدن غلوب كأفضل ممثلة بعد أدائها الرائع والمؤثر في فيلم Rabbit Hole المقتبس عن مسرحية لديفيد ليندسي حيث تؤدي نيكول دور أم كانت بحياة سعيدة مع زوجها تتحول إلى امرأة  مكلومة بوفاة ابنها المفاجيء بحادث سيارة مما يدفعها لعلاقة غامضة مع فنان شاب مضطرب كما يندفع زوجها الذي يلحظ ابتعاد زوجته عنه إلى خيارات أخرى في الحياة أيضا لم يكن ليفكر بها مسبقا .
أخيرا وفي أحد افضل أفلام السنوات الأخيرة Manchester by the Sea الفيلم المرشح لأوسكار أفضل فيلم وإخراج وممثل مساعد وممصلة مساعدة وفائز كأفضل نص أصلي وافضل ممثل لكاسي أفليك وهو يعيش فترة مابعد وفاة أخيه الذي ترك له ابنه ليعتني والم ذكريات وفاة سابقة من الماضي .
 
 

دور السينما في تعزيز التسامح

باعتبارها الفن السابع أو آخر الفنون البشرية وأحدثها، والتي لم تتجاوز حتى الآن 125، مما جعلها تزامن كل التغييرات الحديثة على مستوى الفكر والثقافة والتحولات الاجتماعية والأحداث السياسية في القرن الأخير، مما انعكس بطبيعة الحال على مضامين الفيلم السينمائي ليؤدي في النهاية إلى أن تتبنى السينما إجمالاً تلك القيم الإنسانية التي تضيف معنى مثالياً للوجود البشري، كما كانت الحال في بقية الفنون والآداب. فالسينما كما نعرف لا يمكن أن تقتصر فحسب على المفهوم الفني البحت وتجلياته، فهي غالباً ما تكون انعكاساً أميناً للفكر والتغييرات الاجتماعية والأحداث السياسية، سواء بالنقد أو بالإشادة والاحتفاء.
بدايات السينما
من أبرز هذه القيم الإنسانية قيمة التسامح، والتي جاءت ابتداء حول التسامح الديني، كما كتب حينها الفيلسوف الإنجليزي جون لوك في رسالته الشهيرة في التسامح في القرن السابع عشر، لكن هذا المفهوم توسع كثيراً ليشمل كل أنواع التسامح ونبذ التحيز والعنصرية والإقصاء، لتكون موضوعات من نوع بشاعة العنصرية وقبح الحروب القائمة على أساس الصراع الديني ومناصرة النسوية من الموضوعات الشائعة في الأفلام السينمائية والتي تتصاعد وتيرتها بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، ولذا فحتى الأفلام الشهيرة والمؤثرة في الشكل الفني للسينما، مثل فيلم الأميركي ديفيد غريفيث مع بدايات السينما عام 1915 (مولد أمة / The Birth of a Nation) كان قد واجه حملة كبيرة من الاعتراض والامتعاض لمجرد أن يشي نوعاً ما بشيء من العنصرية تجاه السود وتصويرهم بطريقة تحيزية.
مهاجرون ولاجئون
لكن الاستقصاء العام حول السينما سيدفعنا باتجاه تأكيد دور السينما في تبني قيم التسامح بشكل متفاوت ما بين فترة وأخرى، لكنه في تصاعد ليمثل أكثر صوره تجلياً في الانتصار لهذه القيم في السنوات الأخيرة، وهو الأمر الذي يبدو متفهماً لتصاعد القيم الإنسانية فكرياً وبروز القضايا السياسية والاجتماعية الحديثة، فحتى العام الماضي مثلاً كانت مسألة المهاجرين واللاجئين موضوعاً لأفلام مخرجين عديدين، مثل الفنلندي الشهير آكي كورسماكي في فيلمه الأخير The Other Side of Hope والذي يحكي قصة مصادقة أحد مطاعم البوكر وبائع سابق في السفر مجموعة من اللاجئين الذين وصلوا حديثاً إلى فنلندا.
عنصرية متحيزة
وفي محاولة لإجراء عملية جرد سريعة لتلك الأفلام التي تبنت موضوعاتها هذه القيمة الإنسانية العظيمة سنجد أمامنا العديد من الأمثلة، ومنها تلك الأفلام الشهيرة والمعتبرة فنياً في تاريخ السينما العالمية، كما هو فيلم روبيرت موليغان To Kill a Mockingbird عام 1962 المرشح لأوسكار أفضل فيلم وإخراج والفائز بأوسكار أفضل سيناريو مقتبس، إضافة لأفضل ممثل لنجم الستينات غريغوري بيك الذي أدى دور محامٍ في جنوب أميركا فترة الكساد، وهو يدافع عن رجل أسود متهم بالاغتصاب بينما يرى هو وأولاده براءته وأن الاتهام جاء بدوافع عنصرية متحيزة.
حروب وصراعات
وحول الحرب التي تأتي نتيجة لانعدام قيمة التسامح والتعايش وفجاعة الصراعات العرقية والمناطقية سنجد مثلاً الفيلم المرشح لأوسكار أفضل نص عام 2004 Hotel Rwanda حول مدير فندق يضم أكثر من ألف لاجئ من التوتسي خلال كفاحهم ضد ميليشيات الهوتو في رواندا، حيث كان الفيلم أميناً ومؤثراً في إظهار بشاعة مثل هذه الحروب والصراعات وتخلي العالم عن إيقافها. كما أن الفيلم الأوسكاري الفائز بجائزة أوسكار أفضل فيلم وسيناريو 12Years a Slave عام 2013 يعيد الفكرة من جديد كعملية تكرارية تمارسها السينما في موضوع العنصرية من خلال العودة تاريخياً لعصر العبودية في قصة رجل أسود حر يتم اختطافه في نيويورك ثم بيعه عبداً ليلاقي الكثير من البؤس والعناء. كما هي الحال في آخر ترشيحات الأوسكار العام الماضي حيث تواجد فيلمان في ترشيح أوسكار أفضل فيلم وسيناريو هما Green Book الفائز بأوسكار أفضل فيلم وسيناريو أصلي وفيلم سبايك لي BlacKkKlansman الفائز بأوسكار أفضل سيناريو مقتبس حيث يعالجان الموضوع نفسه المتعلق بالعنصرية بطريقة مختلفة وكوميدية ساخرة أيضاً.

  • نشر في مجلة ” زهرة الخليج “

كلب أندلسي … قصة فيلم سيريالي !!

يذكر المخرج الروسي الكبير أندري تاركوفسكي في كتابه ” النحت في الزمن ” عن أحد مخرجيه المفضلين ” لويس بونويل ” أنه حينما تم عرض فيلمه ” كلب أندلسي ” لأول مرة عام 1929 كان بونويل مضطرا للاختباء عن البرجوازيين والمحافظين والحانقين , وكان يضع مسدسا في جيبه الخلفي كلما غادر منزل ” !! – فيما ذكر بونويل نفسه انه كان قد وضع في جيوبه بعض الحجارة وهو مختبيء حتى يقذف بها الجمهور فيما لو فشل الفيلم وتهجم عليه الناس !! بينما كان تاركوفسكي يذكر هذا الأمر في سياق حديثه عن الفن والسينما بعد أن قال أن ” الفن يبدو خطيرا لأنه مقلق ومشوش ” ثم أعقب ذكره لحادثة بونويل بقوله ” والذي اعتاد لتوه على السينما بوصفها ترفيها وتسلية وهبتها له الحضارة ارتعد في رعب عند رؤيته الصور والرموز التي تلفح الروح والتي يصعب حقا تحملها أو إدراك معناها “
وفيما يعتبر فيلم ” كلب أندلسي ” الفيلم الأول للمخرج الكبير والسيريالي لويس بونويل وهو في سن التاسعة والعشرين إلا أن الفيلم أيضا يكاد يكون رائد الحركة السيريالية في السينما واحتل عبر التاريخ مكانة عالية جدا وهو ضمن قائمة ” 1001 فيلم يجب أن تشاهدها قبل أن تموت ” حسب الناقد السينمائي الشهير ستيفن شنايدر . كما اختارت مجلةPremiere      الفيلم ضمن ( 100 فيلم صدمت العالم ) في عددها أكتوبر 1998 في قائمة مرتبة للأفلام ” الجريئة من أي وقت مضى ” كما وان الناقد الراحل الشهير روجر إيبرت وضع الفيلم ضمن قائمته ” أفلام عظيمة ” فيما كان من الطريف أن العالم في السبعينات شاهد الفيلم – وبالاخص جمهور موسيقى الروك – في جولات ديفيد بوي حيث كان يتم عرض الفيلم قبل كل عرض غنائي !!
وهنا يمكن ان نتسائل ماقصة هذا الفيلم الذي لايتجاوز 16 دقيقة حتى يحضى بمثل هذه الشهرة والاعتراف حيث يذكر المؤرخون ان عرض الفيلم الأول شهده مجموعة من المشاهير أمثال بابلو بيكاسو ، لو كوربوزييه ، جان كوكتو ، كريستيان بيرارد وجورج أوريك ، بالإضافة إلى مجموعة أندريه بريتون زعيم الحركة السيريالية وقتها والذي رحب ببونويل وصديقه الرسام الشهير سلفادور دالي الذي شارك بونويل كتابة الفيلم رسميا في صفوف السيرياليين !!
الحقيقة انه ليس هناك أي قصة سردية بالشكل التقليدي المعروف بل إن الفيلم عبارة عن سلسلة من المشاهد الرمزية والصادمة  والمزعجة ايضا بأسلوبها الغامض ولم يكن مصدر هذا الفيلم سوى الأحلام التي شاهدها بونويل وصديقه سلفادور دالي في منامهما حيث يذكر بونويل في مذكراته قائلا ” ( ولد هذا الفيلم من تلاقي حلمين . دعاني دالي لقضاء عدة ايام في بيته ولدى وصولي الى ” فيغويراس ” رويت له حلما كنت رايته قبل فترة قصيرة : غيمة تقطع القمر وموس حلاقة تشق عينا !! وقال لي دالي بدوره انه في الليلة الأخيرة رأى في الحلم يدا ملأى بالنمل !! وأضاف : إذا انطلقنا من هذا هل نستطيع أن نصنع فيلما ” )
والحقيقة ان كلا الحلمين تم تصويرهما في الفيلم لكن مايبدو مثيرا للانتباه هو تعبير بونويل وهو يتحدث عن الفيلم وكتابة السيناريو حينما يقول : ( كتبنا السيناريو في أقل من اسبوع متبعين قاعدة بسيطة جدا باتفاق مشترك : عدم قبول أي فكرة أو صورة يمكن ان يكون هناك أي مجال لتفسيرها بشكل عقلاني او سيكيلوجي أو ثقافي , وفتح كل الابواب على اللاعقلانية دون أن نتطلب أكثر من أن تؤثر الصور فينا ومن غير أن نعمل على معرفة السبب )
والحقيقة الأهم أن الفيلم كان قد تم استقباله بشكل رائع واثار موجة من التصفيق والاعجاب مما اغضب بونويل بعض الشيء حينما رحب الجمهور بالفيلم باعتباره شيئا جديدا دون ان تستفزهم هذه الطريقة في العرض والتي لايمكن تجاهل كونها تقدم إهانة للبرجوازية التي ظل بونويل في لاحق أفلامه واشهرها يكرر هذه الإهانة كما ظل ايضا يعتمد الأحلام والكوابيس كمصدر إلهام لكتابة افلامه .
ومن جانب  آخر وعلى عكس ماكان يخطط له بونيول وصديقه الرسام سلفادرو دالي فإن الكثير جدا من التفسيرات التحليلية والعقلانية والنظريات الفرويدية والنفسية قد طالت الفيلم وتناولته منذ عرضه عام 1929 وحتى هذا اليوم مما يجعل مشاهدته أمرا محتما كما قال ذلك من قبل ستيفن شنايدر وغيره من مؤرخي السينما ونقادها ومن حسن الحظ أن الفيلم متوفر حاليا على موقع اليوتيوب دون الحاجة للترجمة   

روي أندرسون.. سخرية التميز في السرد والإخراج

مع ختام «مهرجان فينيسيا السينمائي» 2019 كان المخرج السويدي صاحب الـ76 عاماً، روي أندرسون قد توج بجائزة «الدب الفضي» كأفضل مخرج في المهرجان عن فيلمه الأخير عام 2019 About Endlessness، والذي قد فاز في المهرجان قبل خمس سنوات عام 2014، في فيلمه قبل الأخير A Pigeon Sat on a Branch Reflecting on Existence بجائزة «الأسد الذهبي» كأفضل فيلم، بينما كان فيلمه الثاني والأشهر Songs from the Second Floor، قد فاز في «مهرجان كان السينمائي» عام 2000 بجائزة لجنة التحكيم.
هذه الجوائز لا يمكن أن تعبر عن القيمة الفنية العالية لهذا المخرج الفريد ذي الأسلوب الخاص والاستثنائي، والذي صرح عنه ذات يوم المخرج الدنماركي الكبير لارس فون ترير، أنه المخرج الوحيد الذي يخشى منافسته في المهرجان – لكننا سنلحظ في البداية أنه من المخرجين المقلين جداً، فهو لا يملك حتى هذا اليوم سوى ستة أفلام روائية طويلة، بدأها عام 1970 ثم توقف لأكثر من 25 عاماً، ما بين فيلمه الثاني والثالث وهو الفيلم الذي أطلق منه ثلاثيته الشهيرة، ثم مستمراً على الأسلوب نفسه الخاص بفيلمه الأخير، الذي شارك هذا العام في «مهرجان فينيسيا». وربما يعود الأمر لانهماكه الكبير في صناعة الإعلانات التجارية والتي يمول منها أفلامه أيضاً. على الرغم من أنه قدم العديد من الأفلام القصيرة وفيلمين وثائقيين.
حس تعبيري
من خلال أفلامه الستة، يمكننا ملاحظة الأمر الآخر المتعلق بالمخرج، الذي أشرف عليه ذات مرة السويدي العظيم أنغمار بريغمان في مدرسة السينما، وهو أسلوبه الفذ في طريقة تقديم أفلامه وتصوير مشاهده وتركيب المشهديات، ذات اللقطات الثابتة والطويلة، ومعالجة القضايا التي يريد طرحها وفق أسلوب سوداوي كوميدي بحس تعبيري سريالي نوعاً ما، وبعد أن كان قد توقف مدة 25 عاماً، بعد فيلمه الثاني عام 1975 (Giliap)، الذي كان سلبياً عليه حينما عانى تعثرات كثيرة وخسارات مالية خلافاً لفيلمه الأول عام 1970 «قصة حب سويدية /‏ A Swedish Love Story»، والذي حقق حضوراً مدهشاً في «مهرجان برلين» حينها محققاً أكثر من جائزة، ويحكي قصة شاب وفتاة يقعان في الحب خلال فترة الصيف وسط معارضة الكبار وامتعاضهم باعتبارها مجرد حب شباب.
دراما رومانسية
كان الفيلم دراما رومانسية جميلة ولطيفة، ولكن بالعودة إليه الآن، لن يبدو أن روي أندرسون هو مخرجه، ويختلف تماماً عما خطه لاحقاً في أسلوبه وظهر في آخر أفلامه، والتي يمكن تحديدها مع بداية الثلاثية عام 2000 بفيلمه التحفة (أغاني من الطابق الثاني /‏ Songs from the Second Floor) والذي حقق نجاحاً كبيراً وفاز بجائزة لجنة التحكيم في «كان»، ووضع أندرسون في مصاف المخرجين ذوي التوجه الخاص والمتميز بتفرد أسلوبه، على أن هذا الفيلم الذي استمر في تصويره أربع سنوات لا يحكي قصة معتادة بالطريقة التقليدية، وإنما أشبه بلوحات اجتماعية وجودية تحمل نقداً متراوحاً بين القسوة والسخرية، وهو في الحقيقة مستوحى من قصيدة لشاعر بيرو سيزار فاليخو. يقول روي أندرسون تعليقاً على الفيلم: «تساءل الناس عن كيفية تصنيف فيلمي. هل هو عبثي أم سريالي؟ وأنا أقول إنه يقدم أسلوباً أود تسميته «التفاهات». يتم تصوير الحياة على أنها سلسلة من المكونات التافهة. نيتي هي أن أتناول قضايا أكبر وأكثر فلسفية في الوقت نفسه». وهذا يذكرنا بذلك المشهد الرائع والمؤثر من الفيلم حينما كان البطل السيد كالي يقف وهو ملطخ بآثار الفحم على حافة البار، ليقول بعد فترة صمت «من الصعب أن تكون إنسانياً»، وهي العبارة التي اعتمدها متحف الفنون والتصميم في مدينة نيويورك عام 2015، حينما قدم أعمال أندرسون بعنوان، «من الصعب أن تكون إنسانياً: سينما روي أندرسون».
أسلوب سردي
بعد نجاح هذا الفيلم بسبع سنوات، يقدم أندرسون فيلمه الثاني من هذه الثلاثية والرابع في مسيرته عام 2007 بعنوان You, the Living، وبنفس النمط والأسلوب السردي والإخراجي، يقدم هنا فيلماً آخر عن البشرية عظمتها وخوارها، ضعفها وقوتها، فرحها وحزنها، ثقتها وقلقها، وهو ما سنشاهد شيئاً منه في الفيلم الثالث من الثلاثية عام 2014 الفائز بأسد فينيسيا الذهبي (حمامة حطت على غصن تتأمل الوجود /‏ A Pigeon Sat on a Branch Reflecting on Existence)، لكنه هنا يربط لوحاته الساخرة بحسها الفانتازي والسيريالي وشخصياتها المتعددة باثنين من الباعة المتجولين الذين يتنقلون بين الأماكن ويقابلون العديد من الشخصيات المتنافرة والمختلفة من دون أن يتمكنوا من بيع شيء

  • نشر في مجلة ” زهرة الخليج “

الرجل الذي أطلق رعب الهالوين

ربما لا شيء يبدو حالياً مكرراً كما هي أفلام الرعب، والجزء الأكبر من هذا التكرار هو النجاح الذي تحققه في مستوى المتابعة والإقبال الجماهيري، على الرغم من أن هذا التكرار ليس مقتصراً على إعادة اجترار الفكرة ذاتها بأكثر من طريقة، سواء جاء الرعب من بيت مسكون وأشباح ملاحقة أو من حيوانات مفترسة وكائنات غريبة مخيفة، أو قتلة متسلسلين ومختلي العقل الذين يطاردون الناس لأسباب نفسية وخلفية تربوية معينة، أو حتى لمجرد متعة القتل، بل إن التكرار وتعزيز الاستمرار يأتيان أيضاً من الأجزاء اللاحقة والمستمرة لسنوات. ولن تكون القائمة قصيرة إذا ما أردنا حصر الأجزاء الجديدة التي ظهرت فقط هذه السنة لأفلام سابقة حققت نجاحات جيدة في شباك التذاكر.
سلاسل أفلام الرعب
ولعل أشهر سلاسل أفلام الرعب وأكثرها نجاحاً هي سلسلة فيلم Halloween، التي أطلقها المخرج جون كاربنتر عام 1978 كفيلم مستقل، أصبح فيما بعد ملهماً للعديد من هذا النوع من أفلام الرعب، خاصة مع نجاحه التجاري والفني حسب تقييم النقاد، وهو أول أفلام الممثلة جيمي لي كيرتس، التي استمرت مع الفيلم في تقديم أجزاء لاحقة بعيداً عن المخرج كاربنتر – والذي كان يكتفي بكتابة النص باعتباره صاحب القصة الأصلية – ولسنوات عدة آخرها العام الماضي، حينما عادت من جديد للهروب من مطاردها القاتل المقنع مايكل مايرز بعد أربعين سنة منذ مطاردتها الأولى! وما بين الفيلمين كان هناك أربعة أجزاء للقصة، إلا أن جميع الأفلام الخمسة لم تكن لتتجاوز الجزء الأول الذي كتبه وأخرجه جون كاربنتر.
في لقاء مع جون كاربنتر عن الفيلم، الذي تمت صناعته بميزانية قليلة، بعد أن عرض المنتج إروين يابلانز على كاربنتر فكرة تقديم فيلم بمبلغ لا يزيد على 300 ألف دولار، بدأت الفكرة عن قاتل يطارد جليسات الأطفال، إلى أن تحولت إلى ما هي عليه الآن حينما نجحت في الارتباط بمناسبة مهمة مثل عيد القديسين – يقول جون: «ظل فيلم «عيد القديسين» من أنجح الأفلام المستقلة لفترة من الزمن، لأنه تكلف مبلغاً قليلاً للغاية وحقق مكاسب هائلة، وربما هذا يعود لأسلوب الفيلم، حيث جعل الناس يصرخون ليصبح أول فيلم رعب منذ وقت طويل، يشبه وسائل التزحلق فوق المنحنيات الخطرة في مدينة ألعاب، حيث كان آخر ظهور لهذا النوع هو فيلم سايكو لهتشكوك، فهو فيلم ينتمي بشكل جوهري إلى أفلام الطراز القديم، وعلى الرغم من أنه أطلق شرارة أفلام الرعب الدموية التي يعشقها المراهقون والتي قلدت أسلوب فيلم «عيد القديسين» إلا أنها استخدمت الدماء بشكل متطرف بينما وقعت كل مشاهد العنف في فيلمي خارج الشاشة، حيث لا ترى ما يحدث فعلياً، لكن تخيلك لما يحدث هو ما يسبب الخوف».
تشويق
يبلغ جون كاربنتر من العمر 71 عاماً، وربما هو الأكثر تميزاً من مخرجي جيله بهذا النوع من أفلام الرعب والعنف والحركة، ولذا فيبدو تأثيره جلياً في المخرجين الشباب من محبي هذا النوع من الأفلام، فبالإضافة إلى فيلمه الشهير هذا Halloween والذي يحكي قصة مايكل مايرز، الذي هرب من مستشفى الأمراض العقلية ويعود لبلدته من أجل قتل الفتاة لوري، سنجد هناك فيلماً آخر لا يقل شهرة عنه على الرغم من تفوقه على مستوى التقييم الفني عام 1982 The Thing، والذي يحتل حتى هذه اللحظة المرتبة 164 في القائمة الشهيرة على موقع imdb لأفضل 250 فيلماً في تاريخ السينما حسب تصويت الجمهور. وهو فيلم غموض وإثارة وتشويق مرعب بفكرة خيال علمي، حول محطة أبحاث أميركية تكتشف فريقاً ميتاً في محطة أبحاث نرويجية قريبة، وظهور كائن غريب يتم جلبه للمحطة الأميركية من أجل دراسته، لكن الأمور تتجه لمنحى آخر بشكل مرعب.
إضافة إلى فيلمي كاربنتر الهروب مع كرت رسل (الهروب من نيويورك، الهروب من لوس أنجلوس)، الذي يدور حول سنيك بليسكن السارق المصرفي الذي تستعين به الحكومية الأميركية للقيام بمهام صعبة وخطرة. إضافة إلى 11 فيلم رعب آخر من بين أفلامه الـ18 والتي لم تحقق النجاح الذي حققه فيلم (الشيء، عيد القديسين)، لكنها تؤكد هوية كاربنتر وتميزه في أفلام الرعب والتي كان آخرها قبل تسع سنوات عام 2010 بفيلم The Ward، مكتفياً بالكتابة سواء لسلسلة أفلام هالوين أو غيرها.
في حوار أجراه عام 1996 مع مجلة «رابطة المخرجين» قال عن الإخراج: «أشعر بالسعادة عند الانتهاء من الفيلم، فأنت قد حققت شيئاً لم تتح الفرصة لمعظم سكان الأرض أن يحققوا مثله. نسبة الأفلام التي تحرك المشاهدين فعلياً قليلة جداً، كلما تنجح في استثارة المتفرجين ليترك الفيلم آثاره فيهم أيضاً، تدرك أنك حققت إنجازاً حقيقياً».

  • نشر في مجلة ” زهرة الخليج “

السينماو الثقافة والدور المنتظر !!

*نشر في مجلة ( المجلة العربية ) عدد 537

 

في الرابع من فبراير 2020 وضمن مخططات تحقيق رؤية 2030 وبرنامج جودة الحياة تعلن وزارة الثقافة عن إنشاء 11 هيئة  تتولىمسؤولية إدارة القطاع الثقافي السعودي بمختلف تخصصاته واتجاهاته، حيث ستكون كل هيئة مسؤولة عن تطوير قطاع محدد وتتمتع بالشخصية الاعتبارية العامة والاستقلال المالي والإداري وترتبط تنظيمياً بوزير الثقافة. كان من بينها بطبيعة الحال ” هيئة الأفلام “ , وقبل ذلك وبسنتين عام 2018 و في العشرين من مارس كان هناك ” المجلس السعودي للأفلام ”  الذي  جاء حينها “دعما للتنمية المستدامة لقطاع صناعة الأفلام في المملكة … و دعم المواهب، وتطوير القدرات الاستثمارية، لخلق قطاع حيوي ومزدهر لصناعة الأفلام والمحتوى الإبداعي.”.

لنقل أولا إنه لاجدال لحد كبير باعتبار ” السينما ” جزء من الثقافة وربما يمتد دورها لنوع من ” التثقيف ” أيضا فهي ” تحسن من وضع الإنسان وتساعده على مواكبة التغيرات ” و هي  تدخل أيضا ضمن ” نظام متكامل يشتمل على كلٍّ من المعرفة، والفن، والقانون، والعادات والتقاليد، والأخلاق، وغيرها من الأمور التي يكتسبها الإنسان بوصفه أحد أفراد المجتمع.” وهي ” مجموعة من الأفكار التي تدور حول الحياة والاتجاهات العامة ومظاهر الحضارة التي يتميّز بها شعب ما ” بحسب تعريفات مالينوفسكي و تايلور وسابير وليزليهوايت وغيرهم لمفهوم الثقافة مما يدفعنا لاعتبار السينما جزء أساسي في الثقافة بل ويمتد بشكل أكبر لاعتبارها فلسفة خاصة كما يشير توماس إي وارتينبيرغ حينما ذكر ” أن هذا القرن شهد اعترافا متزايدا من كل من الفلاسفة ودارسي السينما بأن أفلاما عديدة من مجموعة متنوعة من الأنماط الفيلمية والفترات التاريخية تستحق الاهتمام الفلسفي “.

لكن من جهة أخرى يبقى هذا التنظير المعرفي ليس عمليا بدرجة كافية فهو بقدر مايعطي السينما دورا ثقافيا جيدا بقدر مايجعلها تفريعا داخل التكوين الأم ” وزارة الثقافة ” بجانب هيئات أخرى لاتمتلك القدر ذاته من الأهمية والتأثير. وبمعنى أدق فإننا في هذه الحالة نبدو وكأننا غير واقعيين بدرجة كافية لمفهوم السينما ودورها وتأثيرها المتزايد على مستويات عدة تتعلق بالصناعة والتجارة والترفيه والسياسة والتبشير وصناعة الرأي وترسيخ الأفكار وتعزيزها .

ولاشك أن من المسلم به إن هناك نوايا صالحة وجادة أيضا لتطويع السينما وبناءها في البلد وتحويلها لصناعة مستديمة ويتبعها جهد ملموس بدعم مادي ملحوظ ومقبولحتى الآن لكن هذا لن يكفي وسط غياب الوعي اللازم بالسينما ككيان عصري هائل يستلزم التغاضي عن التعامل معها كرافد ثقافي وبالتالي غياب الاستراتيجية السليمة والفاعلة بشكل عملي كما هي تجارب الدول الحديثة سينمائيا بحضورها العالمي مثل ” كوريا الجنوبية , رومانيا ” .

ومن جهة أخرى وإذا ما أردنا أن نكون أكثر تعاطيا مع الواقع الحالي والنظر صوب ” هيئة الأفلام ” على وجه التحديد كصاحبة المسؤولية الأولى في موضوع ” السينما ” في السعودية فإننا يمكن أن نلتمس عدة مقترحات وأفكار من المهتمين بهذا الشأن يمكن أن تساعد على تأدية الدور الأفضل وتحقيق نجاح فعلي وحقيقي .

ومجمل هذه المقترحات والمطالب تتمحور حول ثلاثة أمور : ترسيخ الفيلم السعودي كمادة تجارية ترفيهية عبر صالات السينما والمنصات الرقمية , تعزيز الفيلم السعودي كمادة فنية تسجل حضورها اللافت في المهرجانات الدولية … وأخيرا العمل على تكوين بيئة وأرضية صلبة للصناعة ذاتها بتهيئة الكوادر المؤهلة في مختلف مجالات اصناعة الأفلام سواء عبر الابتعاثاتوالانتدابات أو عبر الدورات المكثفة المستمرة والاستعانة بالخبرات التدريبية الجيدة وإقامة المسابقات والفعاليات والتعويل على خريجي الجامعات الغربية المبتعثين منذ سنوات .

إن مجمل هذه المقترحات العامة يهدف لتحقيق معادلة الكم والكيف حيث من المعلوم أن التطور الفني هو أيضا حالة تراكمية بالضرورة سعيا وراء تكريس الأنموذج الناجح فيلميا.

مخرجات الفيلم السعودي … رسالية وشغف سينمائي !!

في حديث سابق مع الصديق المخرج عبدالمحسن الضبعان – الذي أعدّه المخرج السعودي الأكثر والأفضل تناولًا لموضوعات المرأة عبر ثلاثة أفلام متتالية ( ثلثاية رجال وامرأة , الوقائع غير المكتملة لحكاية شعبية , المفتاح – ساقنا الحديث نحو الانعكاس الاجتماعي بقضاياه المتعددة على التجارب الفيلمية السعودية، منذ بداياتها منتصف العقد الأول من هذه الألفية الجديدة تقريبا ومستوى التباين عمقًا ومعالجة لدى المخرجين أجمالا لهذا النوع من القضايا. وربما لم نختلف أيضًا حول ما إذا كانت المرأة السعودية أفضل إخراجًا وأكثر جدية ونجاحًا وتميزًا بالإجمال تجاه موضوعات المرأة من المخرج السعودي، آخذين في الحسبان نسبة الوجود والإمكانيات والظروف المساعدة التي غالبًا ما تصبّ في مصلحة المخرج الرجل.
 
لكن مثل هذا الإطلاق بدا لي فيما بعد حافزًا لتناول الموضوع بطريقة بحثية وتتبع تاريخي دقيق، لمعرفة دور المرأة في صناعة الفيلم السعودي  وأثر قضاياها المتعددة على مستوى المخرجين  نساء ورجالا والذين تناولوا هذا الأمر بعناية واهتمام، كما هو الحال مع المخرج عبدالمحسن وغيره…
والحقيقة أنه لا بد أن يكون الحديث عن المرأة في السينما السعودية يُراوِح بين وجودها الذاتي كمخرجة – عبر أبرز الأسماء الفاعلة والمؤثرة – التي ما زالت تواصل تحقيق طموحها برسالية وشغف سينمائي حقيقي، تتحدث فيه عن قضاياها واهتماماتها أو حتى موضوعاتها الأخرى التي لا تصنف في العادة كموضوعات «نسوية»، وبين وجودها كموضوع – نسوي – لعدد من الأفلام السعودية حتى هذا اليوم من المخرجين إجمالًا نساءً ورجالًا، لكنني هنا سأقتصر على سردية تاريخية لأبرز الأسماء النسائية التي بدأت الإخراج وما زالت تتواجد على الساحة السينمائية السعودية وصناعة الأفلام لتواصل تعبيرها الفني وطرح رؤيتها الخاصة.
في البداية .. كانت هيفاء !
شكلت المخرجة هيفاء المنصور البداية الفعلية لمسيرة المرأة السعودية في الإخراج السينمائي، لتعلن عن هذه الظاهرة اللافتة بحضورها وجمهورها وجوائزها التي ما زالت مستمرة ومتطورة، على مستوى الكم والكيف حتى يومنا منذ منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة تقريبًا، تزامنًا مع بروز المهرجانات السينمائية المعنية بالأفلام القصيرة، بداية من مسابقة أفلام الإمارات مرورًا بمهرجان الخليج السينمائي في دبي ومهرجان أبو ظبي السينمائي وبيروت وتروبيكا ومسقط وغيرها من المهرجانات الدولية، وبطبيعة الحال المهرجانات السعودية في جدة والدمام التي توقفت لوقتٍ قبل عودتها في السنوات الأخيرة.
وعليه يمكننا عدّ هيفاء المنصور حاليًّا المخرجة السعودية الأشهر من بين المخرجين السعوديين إجمالًا، ليس بسبب بداياتها المبكرة نسبيًّا فحسب إنما استمرارها في مسيرة الإخراج السينمائي وصولًا لعالم هوليوود، حينما قدمت فلمًا أميركيًّا بنجوم معروفة مثل إيلي فانينغ وميسيا ويليامز العام الماضي عبر فلم Mary Shelley. بدأت هيفاء أول أفلامها وعنوانه «من؟» حول هوية المرأة وكينونتها من خلال استلهام قصة قاتل متخفي بلباس امرأة وحجابها، و«الرحيل المر» دراما شاعرية حول الفقد والذكريات، و«أنا والآخر» حول الاختلاف والوحدة الوطنية من خلال قصة ثلاثة شباب مختلفي التوجهات، تتعطل سيارتهم في منطقة بريَّة معزولة، وقد عرض الفلم على قناة الشاشة في الشوتايم وقتها، لكن أبرز إنجازاتها جاء مع فلم «نساء بلا ظل»، والفائز بجائزة أفضل فلم وثائقي في مسابقة أفلام الإمارات، و«الخنجر الذهبي» في مهرجان مسقط السينمائي حول وضع المرأة السعودية ووجودها في الفضاء الاجتماعي العام.
 
إلى أن قدمت عام 2012م إنجازها الأكبر والأهم من خلال فلمها الروائي الطويل «وجدة»، الفائز بجائزة المهر العربي في مهرجان دبي السينمائي، وجائزة أفضل فلم طويل في مهرجان الخليج السينمائي في دورته الأخيرة 2013م، والمشارك في مهرجان فينيسيا، والمتوج بثلاث جوائز تقديرية هي: جائزة سينما فناير، وجائزة الاتحاد الدولي لفن السينما، وجائزة «إنترفلم»، ويجري منح هذه الجوائز لتكريم المتفوقين من المتخصصين في صناعة السينما، كما يمكن عدّه أول فلم سعودي طويل يصوَّر داخل السعودية بهوية وممثلين سعوديين تمامًا، يلاقي كل هذا الاحتفاء والاهتمام العالمي، وينال إعجاب العديد من النقاد ومتابعي السينما العالمية، وهو دراما اجتماعية بمزيج كوميدي حول أحلام طفلة في امتلاك دراجة هوائية وقيادتها في الشارع، وسط إسقاطات اجتماعية متعددة تقدمها المخرجة هيفاء.
 
عهد كامل في إطلالة عالمية
وكانت المخرجة المميزة عهد كامل موجودة في فلم هيفاء ولعبت دورًا رئيسيًّا في فلمها «وجدة»، كممثلة رائعة استطاعت مؤخرًا (هذا العام 2018م) أن تحقق إنجازًا مهمًّا حينما شاركت في تمثيل دور مهم في المسلسل البريطاني «Collateral» بجانب النجمة كالري موليغان ومن تأليف الكاتب ديفيد هير الذي سبق أن كتب أفلامًا مهمة مثل «الساعات» و«القارئ». لكن عهد كامل قبل ذلك كانت قد قدمت نفسها كمخرجة متميزة منذ عام 2009م بفلم قصير بعنوان «القندرجي» من بطولة المصري عمرو واكد في دور إسكافي عراقي، يعود إلى عائلته بعد أن أسرته قوات الاحتلال ظلمًا لمدة عامين كاملين، إذ تلاحقه ذكريات كئيبة حتى منزله. وهو الفلم الذي فاز بجائزة «الف» الذهبية لأفضل فلم شرق أوسطي قصير، وذلك في الدورة العاشرة لمهرجان بيروت الدولي للسينما وجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان وهران الجزائري 2010م كما فاز بالمركز الثاني كأفضل فلم قصير في مهرجان الخليج السينمائي في دبي في دورته الثالثة. قبل أن تكرر هذا الإنجاز مرة أخرى، حينما فاز فلمها الأخير «حرمة» بالمركز الثاني أيضًا في دورة مهرجان الخليج السينمائي عام 2013م وتكرر إنجاز الفوز أيضًا بذهبية مهرجان بيروت السينمائي في دورته الثالثة عشرة، من بين أكثر من 70 فلمًا عربيًّا قصيرًا، كما شارك الفلم ضمن المسابقة الرسمية في مهرجان برلين للأفلام القصيرة. ويحكي الفلم بحس إخراجي مميز قصة امرأة يموت زوجها وهي حامل لتبقى وحيدة تصارع من أجل بقائها وتحسين معيشتها، وسط إجحاف القانون ومطامع الآخرين حولها.
ريم البيات، تجريب وشاعرية
وفي تلك المرحلة أيضًا برز اسم مخرجة مختلفة في رؤيتها الفنية وهي ريم البيات، التي حضرت مع بدايات الصناعة الفلمية النسائية، وكانت قد بدأت أول أفلامها «ظلال» عام 2008م، وشاركت به في مهرجان الخليج السينمائي بدبي، ثم أنجزت فلمًا آخر ذا طابع تجريبي مثير حينما اعتمدت أكثر من 5000 صورة فوتوغرافية لتكوين فلم قصير مدته 6 دقائق بعنوان «دمية» الذي اختير في مهرجان «الربيع العربي» في باريس، وشارك في الدورة الثالثة لمهرجان الخليج السينمائي في دبي، ويتناول الفلم في إسقاطة ذكية وحادة موضوعًا مؤلمًا حول زواج القاصرات!! في حين حققت أكثر إنجازاتها بما يقارب 11 ترشيحًا في مهرجانات دولية وفوزها بجائزة أفضل مخرجة في مهرجان مدريد وميلان 2017م بفلمها القصير الأخير «أيقظني»، المشارك في مهرجان دبي السينمائي في مسابقة المهر الخليجي القصير، الذي تسرد فيه بحس شعري لمدة 24 دقيقة قصة أزمة منتصف العمر عبر امرأة تحاول استعادة هويتها، في ظل إحساسها بالرفض الاجتماعي والشعور بالتأنيب.
هناء العمير وهند الفهاد، جوائز وقضايا
ومن عالم الكتابة الفنية والنقدية في الصحف والمجلات وكتابة النصوص الدرامية تأتي المخرجة هناء العمير، لتقدم أول أفلامها عام 2009م وكان وثائقيًّا مفعمًا بالموسيقا بعنوان: «بعيدًا عن الكلام» ترصد فيه زيارة فرقة أرجنتينية تعزف التانغو للرياض ولقاءها بفرقة غنائية سامري من عنيزة. وكان الفلم شارك أيضًا تلك السنة في مهرجان الخليج السينمائي قبل أن تعود هناء مرة أخرى لإخراج أول أفلامها الروائية القصيرة بعنوان: «شكوى»، الحاصل على الجائزة الأولى «النخلة الذهبية» كأفضل فلم في مهرجان الأفلام السعودية في دورته الثانية عام 2015م. ويحكي الفلم قصة امرأة موظفة تتداخل في حياتها مشكلات وضعها المهني وحياتها العائلية، ليخلق لديها ارتباكًا نفسيًّا يؤثر في اتخاذها قراراتها. وكانت هناء قد أحدثت تعاونًا ناجحًا مع المخرجة هند الفهاد في كتابة سيناريو فلم «بسطة» عام 2015م الفائز بجائزة أفضل سيناريو في مسابقة الفلم السعودي في مركز الملك فهد الثقافي عام 2017م، وقبلها حقق أهم جوائزه وهي جائزة لجنة التحكيم الخاصة لأفضل فلم خليجي قصير في مهرجان دبي السينمائي عام 2015م، والنخلة الفضية في مهرجان الأفلام السعودية وأفضل فلم في مهرجان الشباب للأفلام في جدة والمركز الثالث كأفضل فلم خليجي في مهرجان دول مجلس التعاون في أبو ظبي. وبعد هذا النجاح الكبير في فيلم «بسطة» الذي يحكي وقائع يوميات النساء البائعات على الأرصفة، تستعد حاليًّا المخرجة هند الفهاد لفلمها الجديد «شرشف» والذي ستعود به لفترة سابقة من الحياة في السعودية لرصد شيء من التغيرات الاجتماعية ، فيما سبق لهند اخراج فيلم ( ثلاث عرائس وطائرة ورقية ) عام 2012 و الذي يتحدث عن تنميط المجتمع للمرأة وتحديد فرص تطلعها المستقبلية. وفيلم «مقعد خلفي» عن دكتورة تتعطل حياتها وتنقلاتها المتعددة بسبب عدم قدرتها على قيادة السيارة، في لفتة نحو موضوع تمكين المرأة في المجتمع بضرورة إعطائها حقوقها على قدر المساواة مع الرجل، حينما تتكفل أيضًا بالمسؤوليات نفسها. وهو الفلم الذي كان قد شارك أيضًا في مهرجان الخليج السينمائي عام 2013م ومهرجان الفلم العربي في أريزونا.
شهد أمين، خريجة متروبوليتان
في عام 2014م برز أيضًا اسم شهد أمين حينما فاز فلمها «حورية وعين» بجائزة أفضل فلم وأفضل تصوير في مهرجان أبو ظبي في مسابقة الأفلام الروائية القصيرة، والجائزة الثانية «النخلة الفضية» في مهرجان الأفلام السعودية في دورته الثانية عام 2015م، وكان الفلم قد شارك أيضًا عام 2013م في برنامج أصوات خليجية في مهرجان دبي السينمائي، وهو يحكي في دراما فانتازية جميلة قصة الفتاة الصغيرة حنان التي تعيش مع والدها الصياد على ساحل البحر، لتكتشف أنه يقوم بصيد الحوريات لانتزاع اللآلئ منها! المخرجة شهد أمين خريجة معهد متروبوليتان الفني في لندن، درست كتابة السيناريو في نيويورك وبدأت أول أفلامها «موسيقانا» ثم «نافذة ليلى» عام 2012م الذي عُرض في الدورة الخامسة من مهرجان الخليج السينمائي حول طفلة صغيرة منعزلة خلف نافذة غرفتها، في عالم وهمي تسعى فيه لمعرفة لغز الحياة. فيما تستعد حاليًّا المخرجة شهد لتجربتها الروائية الطويلة عبر فلم «حراشف»، من خلال حكاية فتاة صغيرة تتجاوز حادثًا موجعًا لتمارس حياتها وسط وحدتها وانعزالها.
هناء الفاسي، ومشاركات دولية
فيما تقوم المخرجة هناء الفاسي حاليًّا بدراسة الماجستير تخصص سينما في أكاديمية نيويورك للأفلام في أميركا لتعزيز موهبتها وشغفها السينمائي، بعد أن كانت قد تخرجت سابقًا من أكاديمية فنون وتكنولوجيا السينما لرأفت الميهي في مصر، وبدأت أولى تجاربها الفعلية مع فلم تجريبي قصير بعنوان: «جاري التحميل»، الحاصل على جائزة أفضل فلم وأفضل مخرجة في مهرجان أميركا السينمائي الدولي بميتشيغان قسم الأفلام التجريبية، والجائزة الفضية للأفلام القصيرة من مهرجان كاليفورنيا، والفلم حول رجل يُدفَن في إحدى المقابر لكنه يحاول النهوض حال انصراف الناس ليلحق بالحياة من جديد. وهو الفلم الذي بدأت فيه علاقاتها مع المهرجانات السينمائية، حينما شاركت في مهرجان الخليج السينمائي عام 2010م، قبل أن تتوجه إلى موضوعات أكثر تحديدًا وواقعية، كما في فلم «السحور الأخير» (2016م) الذي يستعرض قصة مجموعة من النساء العربيات المقيمات في الخارج حينما يجتمعن لتناول السحور الأخير في آخر أيام شهر رمضان بمشاركة فتيات أميركيات، لتبدأ حينها الحوادث والمفارقات الكوميدية. وفي الفلم الأكثر درامية وملامسة اجتماعية «حلاوة» (2017م) الذي شارك في مسابقة المهر الخليجي للأفلام القصيرة في مهرجان دبي السينمائي، ويحكي قصة فتاة تصل لسن البلوغ لتضطر لإخفاء الأمر عن عائلتها حتى تتجنب ارتداء الحجاب وتغطية وجهها! فيما يبدو مشروعها المقبل مع فلمها الروائي الطويل الأول «رجال الورد»، الذي وقع عليه الاختيار للمشاركة في ملتقى دبي السينمائي، كما أعلنت ذلك الهيئة الملكية الأردنية للأفلام بعد مشاركة المشروع في البرنامج التدريبي: محترف الشرق الأوسط للأفلام وقبوله في ورشة راوي وميد فلم فاكتوري.
موجة من المخرجات .. استمرارية مبشرة
ومن اللافت للنظر كثيرًا في السنوات الأخيرة، ازدياد شريحة المخرجات السعوديات إذ نلحظ أن الدورة الثالثة من مهرجان أفلام السعودية 2016م بلغ عدد المشاركات فيه 22 مخرجة سعودية، قياسًا بالدورة الثانية التي شارك فيها 9 مخرجات فقط، فيما كان في الدورة الرابعة 12 مخرجة مشاركة. وتبرز في هذه المرحلة مجموعة من الأسماء الجديدة المميزة إخراجيًّا، مثل مها الساعاتي التي تقدم أفلامها بطريقة تجريبية وغرابة درامية فنية، مثل فلم «عش إيلو» الذي شارك في مهرجان أفلام السعودية 2016م. ثم شاركت في العام التالي بأحد أفضل أفلام مهرجان أفلام السعودية في دورته الرابعة «الخوف: صوتيا» حينما تفصح المخرجة عن مشاعر أنثوية مرتبكة. كما يبرز أيضًا اسم المخرجة هاجر النعيم، وهي طالبة إنتاج وإخراج سينمائي بكلية الأفلام بجامعة لايولا ماريمونت بلوس أنجليس، ونالت شهادة الإنتاج السينمائي من كلية الأفلام بجامعة كاليفورنيا ، وشاركت أيضا عام 2016م في مهرجان أفلام السعودية بفلم «أمل» حول طبيبة تسعى لإنقاذ والدتها المصابة بمرض نادر بصنع دواء جديد تقوم بتطويره. لكن مشاركتها الأبرز كانت في مسابقة المهر الخليجي القصير في مهرجان دبي السينمائي بفلم «احتجاز» (2017م) الذي يروي قصة الفتاة السورية لارا، التي سافرت إلى أميركا بعد تفاقم أحداث العنف والحرب في بلادها، إلا أن خيبة الأمل كانت سيدة المشهد عندما أوقفها الأمن القومي الأميركي، إثر تورط والدها في أحداث إرهابية وقعت في مطار لندن. ومن المخرجات اللاتي شاركن في مهرجان دبي السينمائي (2015م) في مسابقة المهر الخليجي القصير ندى المجددي، إحدى دارسات السينما في لوس أنجليس، بفلمها «كيكة زينة» الفائز بجائزة أفضل فلم قصير في مهرجان الشارقة السينمائي الدولي للطفل، ويروي الفلم بأسلوب كوميدي خفيف قصة الفتاة زينة التي تحولت هوايتها في صنع الكيكة إلى مجال عمل مؤثر في حياتها وعلاقاتها! وفي المسابقة نفسها كانت هناك أيضًا المخرجة السعودية الشابة مرام طيبة التي قدمت فلم «منكير»، في دراما تسعى فيه دينا إلى إيجاد حلّ سحري لتحسين علاقتها الزوجية رغم ظروف البعد. إضافة إلى المخرجة رنا الجربوع التي قدمت فلمًا وثائقيًّا بعنوان «هجولة»، وتكشف فيه المخرجة بطرافة عن إحدى أغرب الهوايات وأخطرها «التفحيط».
 
أخيرا، ما يبشر أيضًا بتطور أفضل وتوجه أكثر لعمل إخراجي أكثر احترافية، وجود العديد من الفتيات السعوديات المبتعثات اللاتي يقمن حاليًّا بدراسة السينما في مختلف المعاهد والكليات في أميركا، وهو الأمر الذي سيشكل عودتهن أملًا كبيرًا مع هذا التوجه الجديد في دعم السينما في السعودية، عبر هيئة الثقافة والمجلس السعودي للأفلام ومهرجان الأفلام السعودية وغيرها من الجهات والمؤسسات الحكومية والمستقلة.
 

نشر في مجلة الفيصل عدد 502 في 1 يوليو 2018

في التأليف السينمائي … ماالذي كتبه السعوديون حتى نهاية 2017 !

بحسب تتبعي في السنوات الأخيرة المرتبط باهتمامي الدائم حول السينما السعودية بمختلف نشاطاتها فإنه يمكنني القول أنه في   مجال التأليف السينمائي وإصدار الكتب لدينا حتى الآن  ( خمسة كتب سينمائية ) تزامنت غالبا مع حركة  السينما السعودية وصناعة الأفلام التي انطلقت مطلع الألفية الجديدة وتحديد منذ منتصف عقدها الأول.
وقد حرصت خلال فترة ماضية على قراءة هذه الكتب للوقوف على مستواها وقيمتها التي يمكن ان تضيفه سواء للقاريء السعودي أو المكتبة العربية إجمالا ولذا فإنني سأتحدث عنها هنا تباعا حسب زمن إصدارها الذي لايبدو بعيدا حيث لن نذهب لأكثر من عشر سنوات سابقة !
البداية كانت مع الكاتب والناقد السينمائي خالد ربيع السيد حينما أصدر عام 2008 كتابه الأول ” الفانوس السحري” – لاحقا اتبعه بالجزء الثاني 2014 في قراءة لمجموعة أفلام خليجية – فيما أصدر 2008 أيضا “فيلموغرافيا السينما السعودية 1977-2007” كأحد إصدارات وفعاليات  مهرجان الأفلام السعودية حينها في دورته الأولى .
في كتابه ” الفانوس السحري” حاول المؤلف تتبع أبرز مراحل السينما منذ بدايتها مع عصر الريادة كما أطلق عليه ثم عصر الأفلام الصامتة ثم عصر ماقبل الحرب العالمية الثانية ليبدأ ماأسماه بالعصر الذهبي مطلع الأربعينات ثم الانتقالي فالفضي فالعصر الحديث وأخيرا عصر التكنولوجيا الحديثة  متعرضا فيما بعد للسينما الهندية والمصرية قبل أن ينتقل لعدد من القضايا السينمائية وبعض تجارب المخرجين وموضوعات في السينما العربية متخذا من الأسلوب المبسط والمختصر وسيلة للطرح  بعد ان كتب  مقدمة شيقة عن علاقته بالسينما منذ الطفولة كما وأدرج في الكتاب عددا من مقالاته السابقة في الصحف
ثم في نفس العام 2008 أصدر الدكتور فهد اليحيى كتابه ” كيف تصنع فيلما .. مدخل إلى الفنون السينمائية ”
حيث هدف المؤلف إلى التوجه لهواة صناع الأفلام متحدثا بالتوضيح والصور عن أهم الأدوات التي عليهم أن يعرفوها إضافة لقائمة من المصطلحات السينمائية التي عرف بها بشكل ملفت مدعما ذلك بالصور والرسومات كالتصوير والإضائة والمونتاج والديكور والأزياء والخدع والمؤثرات والإخراج وغيرها الكثير  بعد مقدمة جميلة أيضا عن علاقته بالسينما منذ الصغر
وفي عام 2012 أصدر الكاتب طارق الخواجي كتابه “قلعة الأنمي ..تجربة اقتحام ” وبالرغم من تخصص الكتاب بالأنمي الياباني إلا إنه تعرض للكثير من أفلام السينما اليابانية والشهيرة في ثنايا بحثه الكبيروالاستقصاء اللافت حديثا وتحليلا والذي يجعل الكتاب فريدا من نوعه وإضافة مهمة للمكتبة العربية تراكمت فيه المعلومات التي وضعها في عدة فصول تتناول تاريخ الأنمي والمانجا منذ بدياته وابرز تصنيفاته وثيماته الرئيسية وأهم رموزه في الكتابة والإخراج
ثم في عام 2016 تصدر الناقدة والمخرجة هناء العمير استجابة لفعاليات  مهرجان الأفلام السعودية في دورته الرابعة كتابها المميز وعيا وتحليلا والذي خصصته لسيرة وأفلام المخرج الياباني الكبير اكيرا كوروساوا بعنوان   “ساموراي السينما اليابانية ” ليشكل إضافة جديدة أيضا للمكتبة العربية حينما تناولت بكتابة رشيقة وممتعة أبرز خمسة عشر فيلما للمخرج الكبير كوروساوا بجانب ذكر شيء من حياته وعلاقاته الفنية مع من أسمتهم بمجموعة كوروساوا من مخرجين وكتاب ومصورين قبل أن تختتم الكتاب بترجمة الحوار الذي دار بين كوروساوا و الروائي الشهير غارسيا ماركيز.
وأخيرا في عام 2017 يقدم الكاتب والناقد السينمائي حسن الحجيلي كتابه ” السينما الجديدة ..تأملات في موت السينما بعد سيطرة الثورة الرقمية ” والحقيقة ان الكتاب يحوي عددا من موضوعات وقضايا السينما المهمة والحديث عن المخرجين وسرد لقائمة بأهم الأفلام السينمائية أكثر مما يدل عليه العنوان! الذي أسهب فيه الكاتب بشكل ملفت حول أثر السينما الرقمية على شكل الفيلم والسينما الحديثة مختتما كتابه بفصل شيق ومهم بعنوان  ” التذوق السينمائي ” الذي ذكر فيه قائمة مختارة تمثل توصيته الخاصة بالمشاهدة لعدد من أبرز وأهم الأفلام منذ بداية السينما.
وربما بعد هذا السرد السريع والمختصر يمكنني الحديث باقتضاب ايضا عن أبرز ملاحظة ربما تمثل أيضا مشكلة في طريقة التأليف إجمالا مما يتحقق وجودها بدرجة متفاوتة مابين كتاب وآخر .. وهي غياب المنهجية المحكمة في التأليف حيث تبدو الكتابة بشيء من العشوائية وعدم الانتظام في ترتيب الأفكار أوتسلسل الموضوعات والوقوع في فخ التكرار والاستطراد المربك و غير المفيد واجترار بعض الافكار خلال ثنايا الكتاب وربما التعويل على مجموعة المقالات أو الكتابات السابقة للمؤلفين ساهم في تعزيز هذه المشكلة فضلا عن عدم الطرح الكافي احيانا لبعض الموضوعات واستفراغ الجهد في التقصي حولها قبل الوصول الى نتيجة ما !
 

  • نشر في مجلة ” زهرة الخليج”

مجالس " الأفلام " الحكومية … أنموذج النجاح الكوري !

في العشرين من مارس هذا العام 2018 أعلنت الهيئة العامة للثقافة في السعودية مايمكن اعتباره مفصلية في صناعة السينما السعودية ونجاحاتها المنتظرة ..حينما أعلنت عن إنشاء ” المجلس السعودي للأفلام ”  معبرة عن هذا الأمر بأنه ” يأتي دعما للتنمية المستدامة لقطاع صناعة الأفلام في المملكة … و دعم المواهب، وتطوير القدرات الاستثمارية، لخلق قطاع حيوي ومزدهر لصناعة الأفلام والمحتوى الإبداعي.” كما غرد حساب الهيئة في تويتر .
فيما جاء في الخبر الذي حملته الصحف والمواقع الإخبارية ذالك الوقت بأن إنشاء هذا المجلس ” يهدف إلى تطوير قطاع حيوي وبيئة مزدهرة لصناعة الأفلام والمحتوى في المملكة، من خلال آليات التنمية الاستراتيجية والمستدامة، عبر المحاور الرئيسة للقطاع: “برامج التنمية والرعاية المتكاملة للمواهب، والأطر التشريعية والتنفيذية الداعمة والمرنة، والبنية التحتية والتقنية المتطورة للإنتاج الفني، وإتاحة الحلول والخيارات التمويلية، ومبادرات تطوير القطاع الثقافي بشكل عام في المملكة والترويج له ولهوية المملكة وثقافتها، داخل وخارج المملكة”
وقد بدا لي مثل هذا الإعلان عن أهداف المجلس وتطلعاته جذابا ومشجعا بدرجة كبيرة مما دعاني إلى العودة لاستقراء إحدى أهم تجارب المجالس العالمية للأفلام والتي تأتي بدعم حكومي طموح كما هو الحال مع هيئة الثقافة هنا فوجدت أن في تجربة ” مجلس الأفلام الكوري KOFIC/ ” مايبدو شيئا ملهما للغاية .

كوريا الجنوبية كغيرها كانت قد بدأت السينما منذ مرحلتها الصامتة في العشرينات ثم مرت بمرحلة العصر الذهبي كما يطلق عليه أواخر الخمسينات والستينات قبل ان تتراجع كثيرا بفعل السياسة وغيرها  في السبعينات لكنها تصل لأفضل مراحلها فنيا وتجاريا وانتشارا منذ نهاية التسعينات وحتى الان لدرجة انها في عام 2005  كانت من الدول القليلة التي يتم فيها عرض الأفلام المحلية أكثر من الأجنبيةأجبية المستوردة من امريكا وأوربا وغيرها !  وذلك بسبب القوانين التي تضع قيودًا على عدد الأفلام الأجنبية التي يمكن عرضها في كل مسرح سنويًا. في المسارح ، يجب تشغيل الأفلام الكورية لمدة 73 يومًا في السنة منذ عام 2006. على الكابل سيتم تخفيض حصة الأفلام المحلية بنسبة 25٪ إلى 20٪ بعد اتفاقية التجارة الحرة بين كوريا والولايات المتحدة.
هذه النتيجة تتزامن مع اعلان مجلس الأفلام الكوري وذروة نشاطه والذي كان قد بدأ عام 1973 ثم تحول لمسمى لجنة الأفلام الكورية عام 1999  ويصبح أكثر فعالية قبل ان يستقر عام 2004 على مسمى مجلس الأفلام الكوري خاصة بعد ان اصبح مضربا للمثل في المجتمع السينمائي العالمي في تحقيق الدعم والانتشار والنجاح الفني والتجاري حيث تصنف كوريا الجنوبية حاليا ضمن اكثر 10 دول في العالم دخلا في شباك التذاكر ( السابعة ) وحضورا جماهيريا في السينما ( الخامسة ) حسب احصائيات مابين اعوام 2012-2016 !! والنجاح الاكبر ان 8 أفلام كورية ضمن أكثر 10 أفلام دخلا في شباك التذاكر في كوريا لعام 2016 !! نجاح استثماري هائل يتزامن مع النجاح الفني العالمي!

ومن هنا يقفز السؤال الأهم : ماالذي فعله مجلس الأفلام الكوري والذي يمكن ان يكون ملهما ل للمجلس السعودي للأفلام بغض النظر عن الاختلاف مابيننا تاريخيا وتكريسا للفن ووجود أرضية للصناعة – ففي النهاية هناك ولابد مايمكن التماسه في هذه التجربة الناجحة !!
دعونا ننظر الى مايعلنه المجلس عن نفسه : ” يسعى مجلس الأفلام الكوري KOFIC وهو هيئة مدعومة من قبل الحكومة الى تعزيز ودعم الأفلام الكورية في كوريا وفي الخارج .هدف KOFIC  الأساسي هو تعزيز ودعم إنتاج الأفلام الكورية من خلال التمويل والبحث والتعليم والتدريب كما تسعى الى زيادة تطوير الأسواق الدولية للأفلام الكورية وتعزيز التفاهم بين الثقافات من خلال التبادلات الثقافية القائمة على الأفلام ”
هذا الاعلان لهوية المجلس واهدافه لم يكن مجرد مرسوما دعائيا
حيث حدث التالي:
1984 تأسيس اكاديمية فنون سينمائية
1997 إنشاء استديوهات وصندوق ترويج للأفلام الكورية
1998 الإطار القانوني للمجلس والصناعة
2007 أنشاء صندوق دعم الأفلام وتنميتها
2012 افتتاح مركز اعمال الكوري للأفلام ببكين!!
وعلى مستوى التفاصيل هناك الكثير مما يمكن معرفته واستفادته باستلهام هذه التجربة الفريدة سواء من حيث كيفية التعليم والتدريب او آلية الدعم المادي او استراتيجية الاستثمار باستقطاب الشركات الخارجية ودفع الشركات المحلية الكبرى للاستثمار في صناعة السينما أو شروط التوزيع في الصالات!
بطبيعة الحال كان من الممكن استلهام تجربة أكثر قربا من حيث اللغة والثقافة والهوية لكننا للأسف لانجد أي تجربة عربية تقوم على اساس الدعم الحكومي والمؤسساتي المتقن ليمكن الاستفادة منها فضلا عن كون ” التجربة الكورية ” تكاد تكون مثالا وأنموذجا ناجحا للكثير من الدول مما يستدعي حقيقة أن يقوم ” المجلس السعودي للأفلام ” بدراسة التجربة ومعرفة أساسيات نجاحها ومايمكن تطبيقه على الواقع السعودي خاصة وأن الدعم المادي والذي يبدو  قاسما مشتركا بيننا يتوفر بشكل مشجع .

  • تم نشر المقال في مجلة ” زهرة الخليج “

اختطاف .. الجريمة في مواجهة عقدة اجتماعية !!

تواصل منصة #شاهد تقديم مسلسلاتها السعودية حيث تزامت نهاية مسلسل #رشاش @ShahidVOD مع بداية مسلسل آخر يتخذ نمط التشويق والإثارة في قالب الدراما الاجتماعية ومن تأليف الكاتبة السعودية أماني السليمي التي رجعت لإحدى رواياتها القديمة لتقتبس منها قصة مازالت وحتى نهاية الحلقة الرابعة قادرة على التمسك بإثارة انتباه المشاهد وتشويقه لانتظار القادم .

هناك أمران مهما في هذا المسلسل بجانب الحشد الجيد من نجوم الدراما السعودية والإخراج المتقن من البريطاني مارك إيفرست وهما : أن لدينا بالفعل قصة مهمة وذات تعقيد متصاعد يجعل المسلسل في حالة دائمة من التشويق فهناك شخص يقوم بخطف فتاة في العاشرة من عمرها ثم هانحن بعد عشرين سنة وقد تمكن من عزل الفتاة تمام عن العالم الخارجي لتبدو وكأن عقلها قد توقف كطفلة في العاشرة ولم تعد تعرف سوى خاطفها الذي يحتجزها داخل بيت في مزرعة نائية لكن التعقيد الجيد هنا والذي لايدركه حتى الخاطف هو أن هذه الفتاة هو الأخت التوأم لفتاة أخرى ومن هنا سننتقل في خط درامي آخر يتعلق بهذه الأخت التي تريد أن تعيش حياتها بعيدا عن ذكرى مؤلمة قبل عشرين سنة فيما مازال الأبوين يحدوهم الامل للعثور على ابنتهم المخطوفة بعد كل هذه المدة وهذا ماسيدفع الامرو للتصاعد بشكل دراماتيكي غريب حيث لا أحد يعرف الآن شكل الفتاة المخطوفة بعد عشرين سنة لكن وجود أختها التوأم كافي لمعرفة الأمر لولا أنها متشبثة بتغطية وجهها حسب إصرار زوجها المتعنت في تمسكه بالعادات والتقاليد .

أما الأمر الآخر فهو الأداء الجميل لأبطال المسلسل (خالد صقر) بدور الخاطف و ( إلهام علي ) بدور الفتاة المخطوفة لينا وشقيقتها التوأم خلود . وحينما ينفرد المشهد بالخاطف والمخطوفة فنحن غالبا على موعد من مشاهد مؤثرة ذات تنافر عاطفي غريب وتحرك مسرحي ” ميزانسيني ” بشكل ممتع بصريا أجاد ايفرست تقديمه اتساقا مع جودة حوارات الكاتبة وتعبيرها عن الشخصيات , الانسجام الكبير بين الشخصيتين والترقب الذي يخلقه المشهد كلما عدنا إليهم يجعل هذا المسار هو رمانة ميزان العمل والذي نتمنى ألا ينحدر مستواه أو يخفق في صنع النهاية اللائقة في باقي الحلقات .

 

https://shahid.mbc.net/ar/series/%D8%A7%D8%AE%D8%AA%D8%B7%D8%A7%D9%81/series-885035

 

@ShahidVOD

#ShahidVip