الأزياء … شيء من جمالية الفيلم السينمائي

في عام 1948 بدا الاعتراف الفعلي بالقيمة الفنية والعامل المهم والمؤثر للأزياء والملابس في الفيلم السينمائي، حينما منحت أكاديمية الأوسكار وبعد 20 عاماً من بداية حفلات توزيع جوائزها، أول جائزة في هذا الشأن لفيلم هاملت / Hamlet لأفلام الأبيض والأسود، وفيلم Joan of Arc للأفلام الملونة، حيث اعتادت الأكاديمية تقسيم الجائزة بين النوعين، ثم في عام 1958 تم دمجها لتكون جائزة أفضل تصميم أزياء لفيلم واحد سواء أكان ملوناً أم بالأبيض والأسود قبل أن يعود الفصل من جديد لسنوات محدودة.
كان اللافت أيضاً أنه في بداية الجائزة، كانت الأفلام الفائزة بأوسكار أفضل تصميم أزياء من أفلام الأسود والأبيض هي أفلام تحكي الواقع المعاصر، بينما الأفلام الفائزة من الأفلام الملونة هي غالباً ما تكون من أفلام الملحميات والمسرحيات، وهنا تظهر قوة اللون في الإفصاح أيضاً عن قوة الأزياء. بينما يمكن ملاحظة أمر مثير آخر في هذه الجائزة منذ الستينات وحتى اليوم، وبعد أن تم دمج الجائزة بشكل نهائي لتتنافس أفلام الأبيض والأسود والأفلام الملونة معاً، وهو أن الأفلام الفائزة دائماً هي أفلام تعود للماضي أو أفلام الخيال العلمي والفانتازيا – ولذا كان فيلم Black Panther هو الفائز في آخر حفلات الأوسكار، بينما طيلة هذا التاريخ لم يفز فيلم يحكي واقعاً معاصراً لتاريخ إنتاج الفيلم وأحداثاً حديثة، سوى بضع مرات قليلة منها Travels with My Aunt عام 1972 وفيلم The Adventures of Priscilla, Queen of the Desert عام 1994.
كانت هذه لمحة سريعة تعبر عن الاعتراف بقيمة تصميم الأزياء، والذي ربما يأتي استجابة متأخرة نوعاً ما للشكل الفني الذي كان معتاداً منذ أيام المسرح، ويمثل قوة تعبيرية عن معنى القصة وفكرة العمل الفني ومغزاها.
الأزياء ليست عنصراً منعزلاً
يقول لوت أزنر في مجلة السينما التي خصصت عام 1948 عدداً خاصاً عن الأزياء حينها: «الملابس في الفيلم لا تكون مطلقاً عنصراً فنياً منعزلاً، وينبغي النظر إليها من جهة أسلوب خاص للإخراج في إمكانها أن تزيد أو تنتقص من تأثيره»، بينما في مقولة أخرى جميلة عنونها كلود أوتان لاراه، الذي عمل في تصميم الأزياء والملابس حتى قبل أن يكون مخرجاً: «على صانع ملابس السينما أن يكسو الشخصيات»، مشيراً بهذه المقولة إلى قوة الأزياء والملابس في التعبير عن الشخصيات وهويتها وحتى سلوكياتها. يقول جاك مانويل: «إذا أردنا حقاً أن نعتبر السينما عيناً فضولية تحوم حول الإنسان قانصة مواقفه وحركاته وانفعالاته، فإن علينا أن نقر بأن الملبس هو أقرب شيء إلى الفرد، فهو الذي يقترن بشكله ويجمله أو على العكس يميزه ويؤكد شخصيته».
النماذج الاجتماعية
إذا كانت الملابس ستحدد للوهلة الأولى جنسية الممثل أو مرجعه، كما هو الزي المكسيكي أو ملابس الهنود الحمر في أي فيلم من أفلام الغرب الأميركي الشهيرة، فإن الأهم أيضاً هو تحديد النماذج الاجتماعية وتفاوت الطبقات، وهذا يمكن ملاحظته في أي فيلم من حقبة الخمسينات مثلاً. وربما تجاوز الأمر التعبير الموضوعي في الفيلم إلى التصميم الفني في الشكل، كما هي أفلام حقبة العصور البريطانية الشهيرة كالعصرين الإليزابيثي والفيكتوري، والتي كثيراً ما تكون حاضرة في موسم الجوائز، وهو ما يفسر وجود فيلمين مرشحين للجائزة في آخر حفلات الأوسكار من بين خمسة أفلام وهما Mary Queen of Scots, The Favourite.
التعبير العاطفي
في إضافة جميلة حول هذا الموضوع يذكرها الناقد مارسيل مارتن في كتابه «اللغة السينمائية» حول التعبير العاطفي الذي يمكن أن تحدثه الأزياء، خاصة مع دخول اللون كتعبير عن تغير حال الشخصية ذاتها، حيث يقول: «يستطيع صانع الملابس أن يخلق مؤثرات سيكولوجية بالغة الدلالة»، ثم يستشهد بوصف آل سوريو في كتاب (العالم الفيلمي)، حيث يضرب مثلاً بالتطور العاطفي الذي حصل لشخصية ماريان في الفيلم الشهير روبن هود، حيث كانت في البداية ترتدي الأحمر مثل شخصية جنسبورن، باعتبارها أحد أنصاره وتابعيه لكنها فيما بعد حينما تتقرب رويداً للبطل روبن هود، فإنها تتحول في لبسها على نوع من الملابس الفاتحة التي يسود فيها اللون الأخضر وهو لون البطل الشعبي روبن هود نفسه.

  • نشر في مجلة ” زهرة الخليج “

في تاريخ السينما … كيف جاءت النجوم !!

قبل فترة نشرة مجلة ” فوربس ” الامريكية للمال والأعمال قائمة بأكثر الممثلين النجوم دخلا خلال عام 2017  في عالم السينما حيث تشير الأرقام الكبيرة جدا إلى ارتفاع القيمة التسويقية للنجوم الممثلين وإيمان  شركات الإنتاج بأهمية ‘امل وجود النجم الممثل في الفيلم  لجذب الجماهير . حيث تشير مجموع مادخله أعلى 20  ،جما ممثلا إلى 720  مليون دولار  يتصدرهم النجم مارك والبرغ بمبلغ  68 مليون دلار عن فيلم Transformers: The Last Knight وهو مايعد مبلغا ضخما حتى بقياس ميزانية الفيلم العامة التي بلغت 217  مليون دلار  ثم يليه  دوين جونسون 65  مليون دولار  , وفين ديزل 54 مليون دلار إلى آخر القائمة التي ضمت ايضا في المراتب العشر الأولى نجوم التمثيل في السينما الهندية مثل أكشاي كومار و سلمان خانت وشارو خان بمبالغ تتراوح مابين 35-38  مليون دولار .
ولكي نفهم كيف وصلت الامور إلى هذا الحد ربما علينا ان نعود عقودا من السنوات إلى الوراء والمرحلة التي تم فيها خلق فكرة ” النجم ” بعد فترة من التردد التي وجد المنتجون أنفسهم فيها مابين إعطاء النجم قيمة   كعامل جذب جماهيري  أو الخشية من إدراك هذا النجم لقيمته مما قد تدفعه لفرض شروطه واستقلاليته والمغالاة في أجره !
في مطلع القرن التاسع عشر حينما بدأت السينما ذاتها كان عليها أن تجد مكانا مناسبا امام الفن المسرحي الأهم والأشهر حينها خاصة مع حداثتها وقصر مدة عرضها التي لم تتجاوز في البداية الخمس عشرة دقيقة ولم يكن الممثل السينمائي ليجد أي مكانة قريبة من نجوم المسرح وقتها . والى وقت متأخر من بداية السينما كانت رابطة مخرجي برلين المسرحيين مثلا ترفض السماح لممثلي المسرح بالعمل في الأفلام باعتبارها فنا لايرقى لسمعة المسرح.وكذا الحال في بداية السينما اليابانية حينما رفضت مسارح الكابوكي السماح لممثليها بالظهور في الأفلام السينمائية. وفي أمريكا نفسها كان الممثلون في البداية يخجلون من وضع اسماءهم على الأفلام او مايطلقون عليها استهزاء ” صور الصفيح المهرولة “!!
لكن الأمور اصبحت تتجه بشكل آخر حيث اصبح الجمهور يرغب أكثر بالتعرف على هؤلاء الممثلين النجوم ويطالب ايضا بالكشف عن اسمائهم بدلا من اطلاق الألقاب عليهم كما كانت العادة مثل فتاة البايوغراف ” نسبة لشركة بايوغراف التي تظهر فلورانس لورانس في أفلامها والتي يمكن اعتبارها اول نجمة سينمائية بالمعنى الحديث و “ماري الصغيرة ” للممثلة ماري بيكفورد وغيرها .
وبالرغم من ممانعة المنتجين الذين كانوا وقتها يقفون على رأسه الهرم في الصناعة السينمائية ابتداء من المغامرة بإعطاء كل هذه القيمة للنجوم إلا أن بعضهم تعامل مع الأمر بطريقة مختلفة لتحقيق مكاسب أكبر كما هو حال شركة “أدولف زوكور ” التي اصبحت فيما بعد الشركة الكبرى الشهيرة ” بارمونت ” فقد عملت على تطوير النجمات تحديدا ولكن وفق عقود احتكارية مما دفع هوليود ايضا إلى صياغة سيناريوهات خاصة لمثل هؤلاء النجوم من الممثلين والممثلات  والتي استطاع البعض منهم التحرر من هذا النظام وتلك العقود الاحتكارية لينتهي الوضع بإنشاء مايسمى بشركة ” الفنانون المتحدون ” بأسماء كبيرة مثل شارلي شابلن ودغلاس فيربانكس وماري بيكفورد معلنين استقلالهم التام عن كبار استديوهات شركات هوليود ومحققين في نفس الوقت نجاحا مشهودا مع بداية إنتاج الشركة تحديدا وتعثرها لاحقا لتتم العودة من جديد لسلطة الشركات المنتجة الكبرى في مرحلة مايسمى بنظام الاستديو.قبل ان تتغير فكرة ” النجم ” أيضا حينما قامت شركات الانتاج لاحقا  باغراق الجمهور بمختلف وسائل الدعاية من صور فوتغرافية وصور حائطية وبطاقات بريدية اضافة لمجلات السينما التي تقوم بالترويج لهؤلاء النجوم جاعلة منهم اناسا اشبه بالأساطيرويقال انه كان في هوليوود وحدها مالايقل عن خمسمائة مراسل صحفي  لنقل آخر أخبار النجوم وتحركاتهم واسرارهم وترى الكاتبة تري مارغريت ان هولييود حينها كانت ثالث اكبر مصدر للاخبار بعد واشنطون ونيويورك ونحو مائة الف كلمة كانت تخرج يوميا منها  ونشأت حينها العديد من الاندية الخاصة بمعجبي نجم معين
لكن أطرف مايمكن الحديث عنه في موضوع استثمار النجوم وابرازهم  تلك الفترة هو ماذكره الكاتب والمؤرخ السينمائي دافيد أي كوك في كتابه ” تاريخ السينما الروائية ” حينما أراد كارل ليمبل احد المنتجين المستقلين ان يعلن عن انتقال “فتاة البايوغراف ” فلورانس لورانس من شركة “بايوغراف ” الى شركته “الشركة المستقلة للأفلام ” حيث قام بعملية مفبركة ناجحة فبعد التعاقد مع فلورانس قام باشاعة خبر موتها ذاكرا اسمها الحقيقي لأول مرة عبر تقارير صحفية مجهولة ولاتحمل توقيعا . ثم أتبع ذلك بعمل حملة اعلانية كبيرة باسم شركته لنفي اشاعة موت الممثلة وانها مجرد كذبة للتشويش حول انتقال الممثلة فلورانس وتأكيدا لهذا الأمر فقد وعد كنغ باغوت الممثل الأول لشركة كارل ليمبل والذي يظهر اسمه لأول مرة كذلك بأن يرافق الممثلة فلورانس الى سانت لويس لحضور افتتاح أول أفلامها مع ” الشركة المستقلة للأفلام”  مما دفع الكثير جدا من الجماهير والمعجبين الى التجمع والاحتشاد عند محطة القطار ليحضوا برؤية  نجمتهم “فتاة البايوغراف” السابقة وهي على قيد الحياة. ويقال ان بعض المهووسين قاموا بتمزيق شيئا من ملابسها للاحتفاظ بها كذكرى  ليعلن بذلك عن احدى اهم عوامل الجذب الجماهيري ومحاوراقتصاديات السينما التي مازلنا نرى تأثيرها حتى هذا اليوم.

عن أفلام الخيال العلمي !

منذ بدأت الحكاية مع الإنسان كان هناك الخيال. كانت الفانتازيا وقصص الميثولوجيا من مكونات القصة الأساسية، ولذا لم يكن مستغرباً أن تتأثر الفنون حينما تكونت وتطورت بهذا الأمر، منذ الأدب بتنوعاته الشعرية والقصصية والملحمية، وحتى ظهور المسرح إلى مطلع القرن الـ19 مع بروز السينما، حيث جاء الخيال كمحور أساسي في قصص الأفلام، ومنها الخيال العلمي، والذي تراوحت تعريفاته ما بين كونه «يدور حول مستقبل العلم والعلماء»، كما يقول أزيك أسيموف، أو تعريفاً أكثر شمولية يقدمه الأميركي جي أو بايللي بأنه «يترجم المكتشفات والمخترعات والتطورات التكنولوجية قريبة الظهور أو التي لم تظهر بعد إلى مشاكل إنسانية ومغامرات درامية».
الفيلم الأول
بطبيعة الحال ومنذ قام جورج ميليس بفيلمه التاريخي A Trip to the Moon عام 1902، وهو الفيلم الأول في هذا المجال، معتمداً على بعض الخدع البصرية لإظهار مركبة تصل إلى القمر، مروراً بفيلم فرانكشتاين /‏Frankenstein عام 1910، وهو فيلم مقتبس عن رواية ماري شيلي حول العالم، الذي يخلق وحشة عبر الكهرباء، ثم فيلم الدكتور جيكل والسيد هايد /‏ Dr. Jekyll and Mr. Hyde عام 1920، استناداً إلى القصة النفسية لروبرت لويس ستيفنسون. وحتى يومنا هذا فإن أفلام الخيال العلمي لا تقدم سوى تصور تخيلي معتمد في أساسه على العلم، لكنه ليس ذلك العلم القطعي في ثبوته ودلالته، كما هي أفلام الكواكب والكائنات الحية عليها، والتقدم الذهني والعاطفي للروبوتات وغير ذلك.
حضور مكثف
في المقابل لم تكن هذه أفلام الخيال العلمي، لتحظى بمثل هذا الحضور المكثف سينمائياً، لولا الإقبال الجماهيري والشعبية الكبيرة من محبي هذا النوع من القصص، والتي كثيراً ما استخدمت أيضاً كنوع من الإسقاطات الاجتماعية والسياسية، كما فعل المخرج الألماني الهارب إلى أميركا فريتز لانج، عبر فيلمه الشهير ميتروبوليس Metropolis عام 1927، الذي يدور حول قصة مدينة مستقبلية ذات طبقية فجة ومقسمة ما بين الطبقة العاملة ومخططي المدينة، إلا أن ابن العقل المدبر للمدينة سيقع في حب شخص من الطبقة العاملة والذي يعتقد أنه يتنبأ بقدوم المنقذ المخلص للمدينة من مشاكلها والظلم الطبقي فيها.
لكن هذه البدايات الشهيرة منذ السينما الصامتة، عبر أفلام قصيرة ثم فيلم هولغر مادسن «رحلة إلى كوكب المريخ» A Trip to Mars عام 1920، الذي يعد حينها أطول فيلم خيال علمي حيث تجاوز الساعة والنصف، لم تكن أفلام الخيال العلمي لتحظى بالاعتراف الكبير وتؤسس لنفسها مكانة مهمة بين أصناف الأفلام السينمائية، وتجلب كل هذه الإمكانات الإنتاجية الهائلة، ورصد الأموال الضخمة طمعاً في استرداد أضعافها من الجمهور؛ لولا أن مخرجاً عظيماً مثل ستانلي كيوبريك قدم عام 1968 فيلمه الشهير والتاريخي A Space Odyssey، الذي يعده البعض أفضل أفلام الخيال العلمي، حيث يروي الفيلم معتمداً على قصة قصيرة كتبها أرثر كلارك حكاية مركبة ترسل للفضاء، يتمرد فيها جهازها الآلي على الطاقم، محاولاً الاستبداد بالسيطرة على المركبة بما فيها. لكن الفيلم كان أبعد من ذلك على المستوى الفلسفي حسب المعالجة التي قدمها كيوبريك. وباعتباره فيلماً في الستينات، فقد كان أشبه بالتنبؤ المستقبلي لصراع البشر والآلة.
مرحلة أخرى
انتقل فيلم الخيال العلمي لمرحلة أخرى خاصة مع نجاح سلسلة جورج لوكاس «حرب النجوم» التي بدأت نهاية السبعينات، ولا تزال ترسل أجزاءها حتى هذا اليوم لإضافة العديد من المليارات عبر شباك التذكر، أو ربما تلك الأفلام المفردة كما فعل ريدلي سكوت عام 2015 بفيلم «المريخي» The Martian، حيث حقق عائدات مالية بأكثر من نصف مليار، حيث لم تكن تكلفة الفيلم تتجاوز 110 ملايين دولار، فضلاً عن النجاح الفني، حينما تم ترشيح الفيلم لسبع جوائز أوسكار، منها «أفضل فيلم وسيناريو» كما هي الحال مع فيلم خيال علمي آخر شهير Gravity عام 2013، محققاً الأرباح والتكلفة تقريباً، لكنه أضاف لذلك الفوز بـ«أوسكار أفضل إخراج». ومع تزايد ظاهرة العناية الكبيرة بأفلام الخيال العلمي وتكلفتها العالية، كان للصين تجربة مثيرة للانتباه حينما تم أعلى رصد ميزانية لفيلم في تاريخ السينما الصينية، وهو فيلم تم إنتاجه هذا العام بعنوان The Wandering Earth، حيث كلف الفيلم 48 مليون دولار وهو ما يعتبر شيئاً عالياً في معيار السينما الصينية، لكنه في المقابل حقق الدخل الأعلى في التاريخ، حيث تجاوز الملياري دولار عبر العالم. وهنا تستمر ثنائيات التكلفة والمردود في أفلام الخيال العلمي، لكنها تبرع أحياناً لتكون ثلاثية التكلفة والمردود المالي والمستوى الفني، كما يحدث كثيراً مع أفلام ستيفن سبيلبيرغ وجيمس كاميرون.

الحقيقة وأفلام السيرة الذاتية … فيلم غاندي أنموذجا !!

يقول الكاتب والروائي الفرنسي أندريه موروا، الذي اشتهر بكتابة عدد من سير الأدباء والفلاسفة: «أن نقول الحقيقة كلها ليس بالأمر الجيد».
هل هذا إذاً ما يدعونا إلى أن نتعامل مع السينما، حينما تتولى تقديم سير الشخصيات، تعاملاً مشوباً بالتساهل حتى وهي تبدو منحازة بعض الشيء أو انتقائية؟!
المهاتما غاندي
لننظر إلى أحد أشهر وأفضل أفلام السير الذاتية التي حققت نجاحاً كبيراً وعززت من مفهوم هذا النوع من الأفلام، وهو فيلم المخرج البريطاني الراحل ريتشارد أتينبرو عن الشخصية العظيمة والملهمة المهاتما غاندي عبر فيلم Gandhi عام 1982، والذي كان قد رشح حينها لـ11 جائزة أوسكار، فاز منها بثمانٍ، مثل: أفضل فيلم وإخراج وسيناريو أصلي وتصوير وممثل رئيسي للنجم بن كنجسلي بأدائه الرائع لشخصية غاندي. جاء الفيلم حينها عبر رحلة دراما ملحمية، تتبعت شخصية هذا الزعيم الروحي الشهير المهاتما غاندي، منذ كان طالباً في القانون في بريطانيا مروراً بعمله في جنوب أفريقيا حتى عودته للهند، ومقاومته السلمية اللاعنفية للجيش البريطاني، مروراً بالصراع السياسي بين زعماء الهند وباكستان إلى حين اغتياله بسبب تداعيات الصراع الديني.
موضوعية
ما يجدر ذكره هنا هو أن الفيلم فنياً لا يمكن الشك فيه، وهو يحتل مرتبة جيدة في قوائم أفضل الأفلام السينمائية، لكن على مستوى الموضوعية. فالفيلم تلقى الكثير من الانتقادات، باعتباره فيلماً احتفائياً تبجيلياً، يظهر أفضل ما تمثله صورة المهاتما غاندي دون ما هو موضع نقد واستياء في جوانب شخصيته، كما فعل الكاتب ريتشارد غرينر في مقاله «غاندي.. ما لا يعرفه أحد»، والعقيد جي بي سينغ في كتابه «غاندي وراء قناع الألوهية»، لكننا سنتفهم شيئاً من الأمر، حينما نعلم أنه قبل تصوير الفيلم كان المخرج ريتشارد أتينبرو قد عقد مؤتمراً صحافياً في دلهي، للإعلام الهندي، ليطمئن قلقهم حول كيفية تصوير غاندي، الذي هو بمثابة إله عند الكثيرين من الهنود، لدرجة أن إحدى الصحافيات قد اقترحت أن يظهر غاندي كضوء أبيض لامع يتحرك في الشاشة! ولذا لم يكن شيئاً غريباً أن يتطوع أكثر من 300 ألف هندي، من أجل تصوير مشهد جنازة المهاتما غاندي، ليصبح الرقم القياسي حالياً في عدد «الكومبارس» لمشهد واحد.
الشخصية ضمن سياق معين
من هنا يمكننا أن نرى السينما تجاه هذا الموضوع، لا تقدم نفسها كمصدر معرفي عن الشخصية، بقدر ما تريد أن توظف هذه الشخصية ضمن سياق معين. وحينما نستعرض العديد من أفلام السير الذاتية الشهيرة سنصل إلى مثل هذه النتيجة، وسنجد أن كل مخرج يعزز هذا الرأي بأنه ليس كتاباً علمياً ولا بحثاً أكاديمياً بقدر ما هو فنان يستلهم من حياة الشخصية أفضل ما يظنه ملهماً أو مثيراً، حدث هذا مع الكثير من أفضل أفلام هذا النوع مثل شخصية موزارت في فيلم ميلوش فورمان Amadeus عام 1984 وسكورسيزي مع جاك لاموتا في Raging Bull وسبيلبيرغ مع لينكولن وأوليفر ستون مع الإسكندر المقدوني، وجورج دبليو بوش وكنيدي وسدوربيرغ مع تشي جيفارا.
سير ذاتية
مؤخراً شاهدنا في السنوات الأخيرة العديد من أفلام السيرة الذاتية التي حققت نجاحات فنية وتجارية وسابقت في مضمار الأوسكار بأكثر من جائزة، مثل Vice عن نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، وBohemian Rhapsody عن مغني فرقة كوين فريدي ميركوري، وقبلها كان هناك Darkest Hour لجو رايت عن الرئيس البريطاني فترة الحرب العالمية الثانية، ونستون تشرشل وThe Theory of Everything لجيمس مارش عن العالم الفيزيائي الشهير ستيفن هاوكينق، وThe King’s Speech لتوم هوبر عن الملك جورج السادس ومشكلته في النطق، وThe Social Network لديفيد فينشر عن مؤسس «فيسبوك» مارك زكربيرغ، وThe Iron Lady عن رئيسة وزراء بريطانيا الشهيرة مارغريت تاتشر.
طابع سياسي
وبما أنه يغلب على هذه الأفلام الطابع السياسي، الذي هو امتداد لكون شخصية نابليون بونابرت، الشخصية الأكثر عرضاً في الأفلام عبر تاريخ السينما، عطفاً على كون الشخصية السياسية هي الميدان الأفضل، لتجاوز محورية الشخصية ذاتها نحو السياق العام اجتماعياً وسياسياً، والتعامل مع فيلم السيرة الذاتية كوثيقة تاريخية، لكننا بطبيعة الحال لن ننسى ما ذكره أندريه موروا من أن قول كل الحقيقة ليس شيئاً جيداً!
 
 
* نشر في مجلة زهرة الخليج
 

السينما والصورة … العلاقة والتحول !!

حينما قالوا إن السينما هي الفن السابع وآخر الفنون البصرية حتى الآن كان لابد إذن من الحديث عنها مقارنة أو تماهيا مع ماسبقها من الفنون كالرسم والنحت والمسرح والتصوير الفوتغرافي والرواية سواء كان الحديث حول علاقة أحد هذه الفنون بالسينما أو كيف أن السينما طوعت شيئا من هذه الفنون السابقة أو كيف تقدم السينما مثل هذه الفنون عبر أفلامها . وهنا سنحاول أن نعرف شيئا من العلاقة أيا كان اتجاهها مابين السينما والتصوير الفوتغرافي والتشكيلي تحديدا
يقول جيمس موناكو في كتابه ” كيف تقرأ فيلما ” : في البداية لم تستطع السينما السينما المنافسة المباشرة مع مع فن التصوير التشكيلي إلا في مدى محدود وكان عليها أن تنتظر حتى نهاية الستينات حينما أصبح الفيلم الملون متقنا بما فيه الكفاية ” ثم يضيف ” ظلت المحاكاة منذ بداية عصر النهضة قيمة أساسية في جماليات التصوير … وكانت مستنسخات المناظر الطبيعية ساحرة كما كان للوحات البورترية تجربة صوفية ”
ثم يتحدث المؤلف عن بدايات التصوير منذ أعلن فرانسوا آراجو في أكاديمية الفنون الفرنسية عام 1839 عن اختراع ألة ستكون وسيلة لتسجيل صورة فوتغرافية باقية .ثم تطور الأمر وكيف صار المصورون الفوتغرافيون منتصف القرن التاسع عشر ينظرون إلى الحركة ( عنصر الزمن ) ليحققوا اكتمال فنهم  وجاءت تجارب أمثال أوسكار جي ريلاندر  وهنري بيتش في إنجلترا في الجمع بين شكلين بإعداد مناظر معقدة شبيهة بالمسرح الجماهيري حينها واستخدموا ممثلين لتحقيق التأثير عبر أيضا مجموعة من الصور .. كانت تجربة درامية بطريقة ما .
وحينما نقفز بالزمن حتى نهاية عام 1895 واختراع السينما ونتذكر كيف أن الرسام الشهير مارسيل دوشامب ذهب لمشاهدة فيلم ” سرقة القطار الكبرى ” وأعجبه الأمر ثم عاد ليرسم لوحته ” عارية تنزل من على السلم ” لندرك أن حلم التفلت من لحظة الزمن وبث روح الحياة في الصورة أصبح متاحا بعد أن جاءت السينما … فالسينما في النهاية هي صورة … والمشهد هو مجموعة صور تمثل مفهوم الصورة الفوتغرافية في لحظة ما .
يقال أن رساما صينيا كان قد رسم وادجيا يتلوى فيه ممر يختفي في نهايته خلف جبل فلما انتهى من الرسم أعجبه المنظر فدخل الممر وذهب بعيدا خلف الجبل في اللوحة حتى اختفى ولم يرى بعد ذلك … ينقل هذه الحكاية الدكتور عقيل مهدي يوسف في كتابه ” جاذبية الصورة السينمائية ” بعد أن علق قائلا ” الكادر السينمائي يقدم صورة فيها إيقاع بصري وذبذبة خطوط واتجاهات وتكوينات وإنشاءات مرئية جذابة وفضاءات الصورة التشكيلية ” ثم يذكر تعليق الباحث السينمائي مارسيل مارتين على حكاية الرسام الصيني بقوله ” كم من المتفرجين يدخلون على هذا النحو في العالم الذي تقدمه لهم الشاشة ولايعودون قادرين على التخلص منه ”
لنتذكر أن أهمية الصورة عززت من أهمية التصوير ذاته ولذا كانت هناك جائزة التصوير السينماتوغرافي في جوائز الأوسكار منذ عام  Best Achievement in Cinematography ) 1927 ) وبدأت نقابة المصورين في أمريكا American Society of Cinematographers  منذ عام 1987 ومن قبلها كان هناك جمعية لمشغلي الكاميرا Society of Camera Operators  بدأت عام 1981.
بقي أن اشير إلى فيلمين تناولا التصوير الفوتغرافي كموضوع بشكل رائع ومؤثر .. الأول هو فيلم المخرج الألماني  فيم فندرز عام 2014 The Salt of the Earth المرشح لجائزة أوسكار أفضل فيلم وثائقي لعام 2014 للمخرج الألماني فيم فيندرز , حيث يتتبع حياة المصور البرازيلي الشهير سباستيو سلجادو  الذي قضى أربعين سنة يدور في القارات والمدن حيث البؤس والعجز, فنقل العديد من مآسي الإنسان والحياة والحروب, فيلم رائع فنياً كما أنه مؤثر جداً بفيض إنساني عالي يجعلك ترى العالم بطريقة مختلفة . والثاني كان عام 2013 Finding Vivian Maier حول حياة الفنانة المصورة فيفيان ماير فبعد زيارة جون مزاداً لبيع الخردوات للحصول على صور قديمة من أجل كتابه الجديد ، يلفت انتباهه صندوق مليء بصور قامت بتصويرها مربية أطفال ليبدأ رحلة البحث عنها ومن هنا تبدأ الاحداث . وكان الفيلم قد ترشح لأوسكار أفضل فيلم وثائقي .
فيما يمكن مشاهدة جمال التصوير عبر الأعمال الوثائقية للمخرج رون فريك Baraka  , Samsara   ومن قبله المخرج غودفري ريغيو الذي كان قد بدأ ثلاثيته التصويرية الوثائقية الجميلة في بداية الثمانينات Koyaanisqatsi  “في لغة الهوبي، معناها “الحياة الخارجة عن التوازن.” Powaqqatsi     تعني “الطريقة الطفيلية للحياة” أو “الحياة التي تمر بمرحلة انتقالية””. Naqoyqatsi   ” وتعني “الحياة كحرب” “عنف متحضِّر” و “حياة تقتل بعضها البعض”.

السينما وبدايات الفيلم الطويل !!

  • لنعرف أولا أن السينما بدأت كفيلم قصير تحت وقع الظروف التقنية حينها وعدم القدرة على تصوير أفلام طويلة والتي تستلزم العديد من بكرات شرائط السيلولويد وهو مما يصعب توفيره وترتفع تكلفته إضافة لكون السينما في بداياتها كانت فنا جديدا يلتمس خطواته الأولى ليكون هويته الخاصة ولذا فلم يكن هناك أنموذج مثالي لطريقة السرد او التصوير وكان الجميع في مضمار التجربة.

حاليا يقف الفيلم القصير خلف شهرة الفيلم الطويل ولم يعد مربحا على مستوى التجارة لكنه مازال يحضى بالكثير من الاهتمام حيث لايخلو مهرجان شهير للأفلام الطويلة من مسابقة الأفلام القصيرة مثل  مهرجانات كان وبرلين وفينيسيا بالإضافة لتخصيص مهرجانات شهيرة وهامة للأفلام القصيرة فقط أهمها مهرجان كليرمون فيران في فرنسا, كما وا،ه أزال الفيلم القصير هو محطة البداية والتجارب لعدد من المخرجين إن لم يكن كلهم قبل بدايتهم في إخراج افلامهم الطويلة بل إن الكثير منهم يعود من جديد بين الفترة والأخرى ليقدم فيلما قصيرا.
كما يمكن الإشارة إلى أن مفهوم الفيلم القصير لم يستقر تماما واختلفت تعاريفه بين فترة وأخرى ففي الثلاثينات مثلا نصت لائحةالأفلام السينمائية في إنجلترا على تعريف الفيلم القصير بأنه الفيلم الذي يقل طوله عن 3000 قدم أي 33 دقيقة تقريبا بينما في الستينات يعرف المركز الوطني للتصوير السينمائي في فرنسا الفيلم القصير بأنه “فيلم سينمائي لا يتعدى 600 مترا في شكل 35مم” ومدته حوالي 59دقيقة. وكان الموقع السنيمائي الشهير IMDB  يشير للفيلم القصير بما قلت مدته عن 45 دقيقة .
لكن مايمكن ملاحظته حاليا ان التعريف الفرنسي للفيلم القصير بأقل من ساعة يبدو هو الأكثر رواجا .وحين العودة لبدايات السينما منذ عام 1895 كان الاعتماد الفعلي  على الأفلام القصيرة وحتى مجيء الأفلام الطويلة كانت الأفلام القصيرة تقدم في بداية العرض لكن الانطلاقة الأولى للأفلام الطويلة كما يشير المؤرخون والتي غيرت الكثير فيما بعد  جاءت في العام 1911 حيث بدأ فجر حينها الفلم الروائي الطويل واكتسب شعبية هامة بعد أن تم عرض فلمين أوربيين هما الأيطاليان الصامتان ” الصليبيون/ The Crusaders” لانريكو غوازوني و ” جحيم دانتي/ Dante’s Inferno” لثلاثة من المخرجين , والمسجلين على أكثر من أربع بكرات خلافا للسابق حين كان الفلم لايتجاوز بكرتين.
ولكنه بحسب المؤرخ دافيد كوك فان الفلم الفرنسي ” الملكة اليزابيث / Queen Elizabeth” عام 1912 والذي يبلغ طوله ثلاث بكرات ونصف كان هو الفلم الفعلي الذي حقق نجاحا كبيرا وأقنع رجال صناعة السينما الامريكيين بجدوى الأفلام الروائية الطويلة وهو اشبه بمسرحية مصورة من اخراج “ميركانتون و ديسفونتاينيس “وبطولة الممثلةالمسرحية الشهيرة حينها ” سارة برناردت”.
ثم جاء مرة أخرى الإيطالي انريكو غوازوني بفيلمه الطويل  ” كو فاديس / Quo Vadis” ببكراته التسع التي يزيد عرضها على ساعتين ومشاهدة الضخمة ومؤثراته الخاصة المبهرة ذلك الوقت وانجذاب الجمهور الكبير له ليقطع الشك تماما بأهمية التوجه لانتاج الأفلام الروائية الطويلة عند صناع السينما الامريكية. رغم ارتفاع تكلفة انتاجها وصعوبة توزيعها علما بأن مردودها المادي كما لاحظ المنتجون وأصحاب دور العرض يستحق كل هذا العناء والتكلفة .
والطريف ان هذا الفلم الايطالي الناجح ” كو فاديس ” كان سببا في تأسيس قاعدة مهمة غير مسبوقة من المشاهدين وهم اصحاب الثراء  والثقافة بسبب اقتصار عرضه على دور العرض الفاخرة  كما ان نجاح هذا الفلم كان سببا في ان تضع ايطاليا يدها على سوق السينما العالمية حتى بداية الحرب العالمية الأولى. ثم في عام 1914 كان هناك فلم تاريخي آخر من اثني عشرة بكرة حقق نجاحا تجاريا كبيرا هو الآخر وهو فلم ” كابيريا / Cabiria ” من اخراج ” جوفاني باستروني “.
من جانب آخر فان التوجه لهذه الأفلام الطويلة كما يقول دافيد كوك كان سببا في ان تصبح السينما فنا محترما من وجهة نظر الطبقة المتوسطة لانها استطاعت ان تقدم شكلا فنيا لذلك الذي يقدمه المسرح التقليدي.

جورج سادول … مؤرخ السينما الأول ومؤلف كتابها الأشهر !

 
 
اذا ماجاء الحديث عن التأريخ السينمائي وأبرز كتبه فسيأتي المؤرخ والناقد السينمائي الفرنسي جورج سادول في مقدمة كل الاسماء الأخرى ممسكا بكتابه الهام والاشهر ” تاريخ السينما في العالم ” الذي أضحى الآن مرجعا مهما ومصدرا لكل من يبحث في تاريخ السينما ويكتب عنها.
ولد جورج سادول في باريس عام  1904 وكان صحفيا وكاتبا سينمائيا لكنه حصل على دكتورة في تاريخ الفن من جامعة موسكو ودرس في المعهد السينمائي الفرنسي وكتب عدد من الاعمال السينمائية المؤثرة كما كتب سيرا ذاتية عن مشاهير السينما مثل جورج ميليس وشارلي شابلن , وفي الثلاثينات الميلادية كان شيوعيا ماركسيا مما جعل البعض ينتقده معتقدا ان نظرياته السينمائية كانت قد تأثرت بتوجهاته السياسية .وتوفي جورج سادول في باريس عام 1967 بعد تسع سنوات من تاليفه الاول لكتابه الشهير  ” تاريخ السينما في العالم ” وهو انموذج لما كان عليه جورج سادول من الدقة وبذل الجهد والتحري في تاليف هذا الكتاب . فكان قد أنها بداية في كتابة تاريخ السينما منذ نشأتها حتى عام 1919 في أربعة أجزاء ضخمة مركزا فيها على ستة أو سبعة من الدول الاساسية  المتقدمة في الانتاج السينمائي دون اهتمام يذكر بالسينمات الاخرى القادمة من أفريقيا وآسيا واميكا اللاتينية . لكنه استمر ولمدة ثمانية عشر سنة يقوم بتعديله والاضافة اليه في كل طبعة حتى انهاه عام 1958 تحتى مسمى ” تاريخ السينما في العالم ” متحدثا باسترسال عن اكثر من خمسين دولة  ذات انتاج سينمائي  بعد عناء كبير وسنوات من السفر والتنقل  والتردد على المكتبات السينمائية وحضور أكثر من مائة مهرجان سينمائي حول العالم والانتقال للعيش في دول متعددة ليكون اقرب الى ادراك انتاجها السينمائي حيث زار الهند والصين والايابان والمكسيك وكوبا والبرازيل والارجنتين والاتحاد السوفيتي وتشيكسلوفاكيا – في وقته- ورومانيا وهنغاريا ويوغسلافيا وتونس والجزائر ومصر وسوريا ولبنان وكان على حد قوله في زياراته هذه يمتنع عن زيارة المتاحف والاماكن السياحية ويحبس نفسه في قاعات العرض ليشاهد مايقارب المائة فلم  من الافلام الطويلة في كل بلد حتى خرج الكتاب في طبعته الفرنسية فيما يقرب الخمسمائة واربعين صفحة وتم ترجمته الى اكثر من عشرين لغة مع ان سادول كان يحرص في طبعة كل ترجمة ان يكثف اهتمامه بسينما تلك البلد ويوسع صفحاتها كما حدث في الطبعة العربية التي كتبها استجابة لما عهدت اليه اليونسكو بكتابة مقتطفات مكرسة عن السينما العربية وتاريخها وحالها الحاضر  وتطوراتها . وهو مع ذلك يقول عن كتابه هذا ” انها لصفحات قليلة تعجز عن احتواء سبعين عاما من التاريخ في سبعين بلدا خصوصا اذا ماأريد للكتاب أن يظل مقروءا وان لايأتي شبيها بدليل للهاتف يعدد اسماء السينمائيين وعناوين الأفلام ”
وقد احتوى كتابه ” تاريخ السينما في العالم ” على سبعة وعشرين فصلا ابتداها بنشأة السينما منذ اختراعها وبداياتها مع لوميير وميليس  وباتيه مرورا بما سماه بالاندفاع الامريكي الأول وفلم الفن عند فرنسا والسينما الشمالية الايطالية ثم مادعاه بالارتقاء الامريكي والكشوف الالمانية والانطباعية الفرنسية والانفجار السوفيتي  .ثم بناء هوليوود وظهور السينما الناطقة قبل ان يعود مرة اخرى الى الواقعية الشعرية الفرنسية وانطلاقة السينما السوفيتية الجديدة ونهضات في انجلترا واوربا ثم الحديث عن الواقعية الايطالية الجديدة والموجة الفرنسية فترة الخمسينات الميلادية ثم تحدث في الفصول الاخرى عن السينما في العالم مثل امريكا اللاتينية والشرق الاقصى والسينما الاسيوية والهندية والعالم العربي والسينما الافريقية متحدثا عن عدد من الدول التي لايكاد يوجد لها أي اثر سينمائي حاليا او لاتمتلك أي صناعة سينمائية مطلقا. وقد تحدث عن التاريخ السينمائي في السعودي فترة الستينات الميلادية معتقدا ان القانون حينها يحرم وجود سينمات مخصصة للعرب في حين ان التواجد الموظفين الغربيين في كبرى الشركات السعودية مثل ارامكو كان يحضى بصالات سينمائية تستقبل آخر انتاجات هوليوود وكيف انه في عام 1965 كانت السعودية الدولة الوحيدة في العالم العربي التي يجهل سكانها رسميا كل شيء عن السينما ويستشهد ايضا بكلام محرر جريدة لوموند الفرنسية ايريك رولو الذي ذكر انه في تلك الفترة تجاوز الملك فيصل ذلك القانون الذي يحرم السينما وافتتاح دور العرض وذلك باقامة شبكة تلفزيونية رغم معارضة واحتجاجات الجهات الدينية في البلد  وكيف ان البرامج حينها كانت  دينية تعليمية في  باديء الامر قبل ان تتطور الى صيغة اكثر تسرية عبر عرض ميلودرامات مصرية يجتزأ منها تلك المشاهد التي تبدو فيها النساء على شيء من التعري..
واخيرا فانه بقدر مايعني كل مهتم بالسينما وتاريخها مثل هذا الكتاب فانه من المؤسف ان يكون مثل هذا التأريخ السينمائي قد وقف عند منتصف الستينات الميلادية والاكثر أسفا هو الانجد مؤلفا عربيا قد عني بكتابة التأريخ السينمائي وتقصيه في البلدان العربية ونضطر الى الرجوع دائما الى مثل جورج سادول للتعرف على هذا التاريخ.
 

باستر كيتون … أيقونة الكوميديا والمخاطرة !!

في فيلم المخرج الايطالي برناردو بيرتلوشي THE DREAMERS يحتدم النقاش بين شابين صديقين حول المقارنة مابين أشهر نجوم السينما الصامتة شارلي شابلن وباستر كيتون ليقرر الشاب الامريكي أن باستر كيتون منتج افلام حقيقي وأكثر اضحاكا من أي شخص آخر وسط معارضة صديقه الفرنسي الذي يميل لتفضيل شارلي شابلن .
والحقيقة أن هذه المقارنة هي انعكاس تقليدي لواقع كثير من الاحاديث السينمائية بمتابعيها ونقادها منذ زمن النجمين شابلن وكيتون بالرغم من كون شابلن الاشهر والاكثر ايقونية لكن فترة ظهورهما بنفس الوقت مابين شابلن في بريطانيا وباستر كيتون في أمريكا وتشابه اسلوبيهما ومحورية الشخصية لدى كل منهما واستحواذهما على الانتباه الاكبر فترة السينما الصامتة هو مايجعلهما في مجال للمقارنة وبشكل دائم .
وفيما يبدو الحديث متكررا عن شابلن فإن الحديث عن كيتون لن يكون أقل أهمية ومتعة بالنظر لحياته وانتاجه السينمائي الاستثنائي .
حيث عمل باستر كيتون (الملقب بالوجه الحجري العظيم ) بين 1920 و 1929 كمخرج و ممثل و كاتب و منتج بدون انقطاع ليقدم لنا مجموعة هائلة من التحف الصامتة ما بين (12) فيلما طويلا و ( 19 ) قصيرا هي بالطبع ضمن أهم الأعمال من ذلك العقد العشريني . بدأ كيتون العمل مع استوديو يونايتد آرتست في 1917 كممثل جانبي مع “فاتي أربكل” و سرعان ما أصبح مساعد المخرج و المسؤول عن قسم الكوميديا في أفلامه. ثم بعد النجاح الذي قدمه كيتون مع أربكل , استحق الأستوديو الخاص به “كوميديا باستر كيتون” و التي بدأ العمل بها بشكل مستقل بإخراج أفلام قصيرة مدتها عشرون دقيقة من أهمها “One Week” و “Cops” و “The Scarecrow” و “Neighbors”. و في عام 1923 و بعد أن أخرج ( 19 ) فلم قصير , تحول كيتون إلى إخراج الأفلام الطويلة و أولها كان “Three Ages” و الذي يحكي ثلاثة قصص من ثلاثة أزمنة مختلفة ( العصر الحجري , الروماني , الحديث ) عن الحب الذي لم تختلف طبيعته مع مرور الأزمنة .لكن السبب الرئيسي حقيقة لتقسيم الفلم على ثلاثة أجزاء هو الخوف من الفشل التجاري , باعتبار أن نجاح كيتون كان قد اشتهر من خلال الأفلام القصيرة فقط و لم يسبق له إنتاج عمل طويل فجاء هذا الاحتياط فيما لو فشل الفلم فأنه يمكن تقسيمه إلى ثلاثة أجزاء و عرضها كثلاثة أفلام قصيرة منفصلة . و في نفس السنة , يقدم كيتون تحفته الأولى “Our Hospitality” يلعب فيها دور الشخص الساذج البسيط الذي يجد نفسه في بيت عائلة كانت قد أقسمت على قتله لإنتقام عائلي قديم لكن كرمهم الجنوبي لا يسمح لهم بقتل ضيفهم وحينما يلاحظ كيتون هذا الشيء فأنه يسعى للاستمتاع بضيافتهم رافضا المغادرة الخطرة وسط مجموعة من أطرف الكوميديا الجسدية الساخرة و أشهرها مثل مشهد الشلال الذي تدلى فيه كيتون من جذع شجرة لينقذ الفتاة التي يحبها قبل أن تقع في الشلال فيما يذكر صناع الفيلم أن حبل الأمان قد انقطع في تلك اللحظة مما كاد أن يودي بحياته . وهذا مايقودنا الى التميز الفريد الذي لايجاري احد فيه باستر كيتون حيث كمية المشاهد الخطرة التي يؤديها كيتون بنفسه دائما مهما اورثته من اصابات وكسور ( مثل تعرض رقبته لكسر في مشهد تعلقه بمضخة ماء لتعبئة صهاريج القطارات في فيلم شيرلوك جونيور ) ويقدمها ضمن قوالب كوميدية مضحكة معتمدا على دقة الاخراج والتوقيت والاستعداد مما لاتجده عند ممثل ومخرج آخر وحتى هذا اليوم .( ربما لايعرف الكثير ان المشهد الصامت الشهير الذي يسقط فيه جانب من حائط البيت الخشبي الكبير ليتزامن مع وقوف رجل في نقطة تجعله يتجنب سقوطه تحت هذا الحائط بعبوره عبر احدى نوافذه … هذا الرجل كان هو باستر كيتون كما في فيلم ستيمبوت بيل جونيور )
في عام 1924 أخرج كيتون إثنين من أهم الأعمال التي قدمها في تاريخه , الأول هو “Sherlock Jr.” و الذي غالبا ما يعد ضمن أفضل أفلام كيتون و يحتوي على مجموعة من أذكى الكوميديا التي قدمت على مر التاريخ و أكثرها طليعية . ففي مشهد من أشهر ما أخرج كيتون , حيث يعمل كمشغل أفلام في صالة عرض لكن النوم يغلبه فنرى كيف تخرج روحه من جسده و تتداخل مشاكل حياته الخاصة مع الفلم المعروض أمام المشاهدين في أحد أروع مشاهد الأحلام في تاريخ السينما . فلمه الثاني في نفس السنة هو “The Navigator” و الذي صرف فيه 25000$ لشراء السفينة التي تدور على متنها أحداث الفلم وهذا ما أغضب أصحاب الأستوديو كثيرا بسبب هذه التكلفة المدة الباهضة وقتها , لكن النجاح الذي حققه الفيلم دفهم من جديد لصرف نفس المبلغ لشراء حقوق مسرحية من الدرجة الثالثة و التي حولها كيتون إلى تحفته الشهيرة المميزة “Seven Chances” والذي تدور قصته حول شاب يشارف على الافلاس في عمله لكن ماينقذه بشكل مفاجيء هو وصية من جده المتوفى بتوريثه سبعة ملايين دولار بشرط أن يكون متزوجا قبل الساعة السابعة في يوم ميلاده السابع و العشرين وهو ما يصادف أن يكون نفس اليوم التي تدور أحداث القصة فيه وبما أنه كان عازبا فإن عليه تدبير أمر هذا الزواج خلال الساعات المتبقية من الفيلم بداية من عرض الزواج على حبيبته التي كان مترددا بخوف وخجل في السنوات السابقة لتقديم هذا العرض الا ان الامور ستنحى منحى آخر بطريقة دراميتيكة مضحكة للآخر.
ومنها إلى رائعة أخرى من روائع افلامه وتحفته الأشهر باختيار أغلب النقاد ومحبيه وهي فيلم “The General” في عام 1926 حيث تدور أحداث الفيلم إبان الحرب الأهلية الأمريكية عام 1862 . والحقيقة أن الفيلم لاقى فشلا نقديا و تجاريا حين عرضه , ووصفه نقاد ذاك الزمن بأنه ممل و مخيب للآمال كما لم يلق إقبالا جماهيريا حيث حقق أرباحا ضئيلة مقارنة بميزانيته العالية ( يذكر أن الفلم يحتوي على أغلى مشهد تم تصويره في تلك الفترة عندما دمر كيتون قطارا في أحد مشاهد الفلم ) . كل هذا أدى إلى خسارة كيتون لإستقلاليته كصانع أفلام و أجبر لاحقا على توقيع عقد مقيد مع MGM مما أدى إلى تدني مستوى أفلامه اللاحقة نسبيا . لكن ما يجدر ذكره الآن هو أن الفلم يعتبر حاليا أحد أفضل الأعمال في تاريخ السينما و كثيرا ما يذكر ضمن أشهر القوائم العالمية و قوائم النقاد الخاصة , يقول المخرج الأمريكي الشهير أورسون ويلز صاحب تحفة ” المواطن كين ” عن الفلم أنه ” أعظم كوميديا صنعت في التاريخ و أعظم فلم عن الحرب الأهلية صنع في التاريخ , و ربما أعظم فلم صنع في التاريخ ” , كما يعده الناقد الأمريكي الراحل روجر إيبرت ضمن أفضل عشرة أفلام في التاريخ , كما أنه حضي بالتصويت ضمن استطلاعات مجلة Sight & Sound لأفضل الأفلام في تاريخ السينما ثلاث مرات ( في المركز التاسع عشر عام 1962 و في المركز الثامن عام 1972 و في المركز الرابع و الثلاثين عام 2012 ) .
و في أواخر الحقبة الصامتة نجد أيضا تحفتين لهذا الفنان العظيم الاستثنائي , الأولى “Steamboat Bill, Jr.” و يقوم كيتون بلعب دور الشاب المدلل الذي عاش مع أمه حتى أنهى الجامعة ثم رحل للقاء أباه الذي يعمل كقائد باخرة و الذي كان يتوقع أن يكون ابنه ضخما و قويا ليساعده في عمله و عندها يفاجئ بابنه الصغير الهزيل المدلل , الفلم يحتوي على أحد أروع المشاهد ضمن أعمال كيتون ( مشهد الإعصار الذي هب على المدينة و أثار فوضى عارمة و كيتون في خضم هذه الأزمة يحاول أن يسيطر على الموقف في سلسة من المواقف الطريفة و الأداءات الجسدية المضحكة كعادته). كان هذا الفلم هو آخر أفلام كيتون مع يونايتد آرتست قبل أن يوقع مع MGM و يخرج آخر أفلامه بشكل مستقل تماما وهو “The Cameraman” و الذي أراه احد أكثر أفلام كيتون عمقا و ذكاء باعتبار ان كيتون لطالما اعتمد القصة البسيطة القائمة على المفارقة المضحكة وسلسلة الاحداث العفوية المتتالية.
ثم لنصل بعد ذلك الى المرحلة الأسوأ في حياة كيتون والتي يصطف فيها ضمن طابور النجوم المبدعين فترة السينما الصامتة مشكلين بذلك مسيرة الخبوت والاخفاق كضحايا لدخول الصوت في السينما وصناعة الأفلام والتحول لانتاج الأفلام الناطقة
حيث أراد كيتون أن يواكب هذا التحول في فلمه القادم “Spite Marriage” لكن الأستوديو لم يسمح له بذلك و أجبره على أن يكون الفلم صامتا مما أدى إلى الفشل التجاري و منع كيتون من إخراج أي فلم في المستقبل بحرية مما أضر بعمله و سرعان ما طرد من MGM ليعيش باطلا بقية حياته حتى توفي في عام 1966 كأحد شواهد سلطة الاستبداد التجاري الرأسمالي تجاه روح الفن وكينونة الفنان واستقلاله!!
في التحفة الشهيرة Sunset Blvd. لبيلي وايلدر عام 1950 يشارك باستر كيتون بشكل بسيط بشخصيته الحقيقية كصديق ضيف عند نجمة أفلام صامتة تنحسر عنها الأضواء كما هي قصة الفيلم … يعلق أحدهم على مجموعة الممثلين الضيوف من أمثال كيتون في منزل النجمة : ” الآخرون حول المنضدة كانوا أصدقائها من الممثلين .بعض الأوجه الخافتة التي قد تتذكرها من أيام الأفلام الصامتة.. كنت أظن أنهم كتماثيل من الشمع ” !!

هيتشكوك … لماذا هو سيد الإثارة!

 
 
ربما يكون المخرج البريطاني ” ألفريد هيتشكوك ” هو الاسم الاشهر والابرز عالميا حتى عند الذين لم يشاهدوا أفلامه أو يقرأوا القصص التشويقية التي انتحلت اسمه .. ولم يكن مستغربا أن تسمع شخصا يتحدث او معلقا رياضيا ليصف توالي الأحداث وغرابتها الغامضة او المشوقة بأنها جاءت ” بطريقة هيتشكوكية ” حيث يحل الاسم بديلا لمعاني التوشق والغموض والاثارة !! وهذا مايدفع لتساؤل دائما عن السبب بكونه ” سيد الإثارة ” كما يطلق عليه والدور الذي أضافه للسينما عبر أفلامه المتعددة والشهيرة فيلما لم ينتظمها مخرج من قبله أو بعده بهذا الشكل !!
 
في البداية كان ألفريد هيتشكوك ( 1899 – 1980 ) قد بدأ العمل في بريطانيا ليحضى  بنجاح لافت و شعبية كبيرة في الأفلام الصامتة و الناطقة المبكرة , حتى انتقل إلى الولايات المتحدة في عام 1939 ليكمل مسيرته في هوليود وحتى وقت وفاته عام 1980 بعد أكثر من نصف قرن من العمل المجهد والتفكير الخلاق والقصص الاستثنائية ليترك من بعده إرثا عظيما من روائع السينما العالمية وتحفها الشهيرة من مثل
 
The 39 Steps  التسع و ثلاثون درجة (1935) عن شخص يتورط في قضية عالمية و يفر من العدالة بلمسات كوميدية خفيفة ,
The Lady Vanishes   المرأة التي اختفت (1938) عن شابة تتعرف على سيدة مسنة في قطار ثم تختفي المرأة المسنة و تتهم الشابة بالهلوسة ,
Rebecca  ريبيكا (1940) شابة تتزوج من أرمل ثري و تعيش في قصره لكن شبح الزوجة الأولى يؤرقها ,
Shadow of a Doubt  ظل الشك (1943) عن قاتل للأرامل المسنات الذي ينتقل إلى قرية صغيرة و علاقته من ابنة أخته التي تحمل نفس اسمه ,
Notorious   نوتوريوس (1946) عن امرأة يتم توظيفها كجاسوسة للإيقاع بمجموعة من النازيين ,
Rear Window  النافذة الخلفية (1954) عن شخص مقعد يقضي يومه بمراقبة جيرانه و يبدأ يشك بوقوع جريمة قتل في الحي ,
Vertigo   فيرتيقو (1958) عن محقق خاص يكلف بملاحقة زوجة شخص ثري ثم يقع في حبها ,
North by Northwest  الشمال في الشمال الغربي (1959) عن منظمة سرية تعتقل شخص بالخطأ تظن أنه جاسوس ,
Psycho  سايكو (1960) عن امرأة تسرق مبلغ كبير من المال و تهرب من المدينة.
 
 
وحينما نعود للسؤال الأول عن السبب في كون هيتشكوك هو سيد الاثارة والغموض والتشويق بلا منازع فلن نكتفي بالإجابة البدهية التي تعول على مستوى قصصه فائقة الجودة والمفعمة بأجواء من الإثارة وحبكة الحدث مما اشتهر به هيتشكوك بشكل أكبر من غيره وإنما علينا أن نضيف لذلك رؤيته الخاصة في سرد هذه القصص وأسلوبه الفريد في معالجتها من حيث  توظيف جميع الأدوات من موسيقى تصويرية و مونتاج و حركة الكاميرا وزوايا الالتقاط والتي أصبحت من علاماته المميزة حيث تتحرك بشكل مشابه لمنظور الشخص لإجبار المشاهد للتفاعل مع المشهد , كما يتميز بإختياره للكوادر التي تلبي أفضل غرض مطلوب من المشهد ( من خوف , تعاطف , إثارة ) و إستخدام المونتاج و الموسيقى بطريقة عبقرية جدا تجعل من مشاهدة معبأة بالمشاعر ويمكن ملاحظة ذلك في مشهد القتل الشهير في فلمه سايكو (1960) وصرخات الممثلة المفزعة تحت دش الاستحمام والذي يشاع وقتها ان الكثير من الفتيات اصبحن يخشين الاستحمام للأثر الذي أحدثه المشهد حينها فيما سنلاحظ من جهة أخرى أن غالب أفلام هيتشكوك تدور حول قصة الهوية الخاطئة أو الفار من العدالة أو عن جريمة قتل مخطط لها أو العميل السري و المؤامرات الدولية و وجود النساء الشقروات الباردات بقالب إثارة نفسية .فيما لايتوانى عن استخدام الكثير من  الإشارات الجنسية و الكوميديا  السوداء في أغلب أفلامه مما يجعل المشاهد أكثر تفاعلا معها .
وحيث ان هيتشكوك فرض نفسه كأيقونة سينمائية في السرد والاخراج فمن الطبيعي أن يلقي بأثره على الكبير على أجيال من صناع الأفلام الذين أتو بعده من مثل الفرنسي فرانسوا تروفو ( الأربع مئة ضربة , اقتل عازف البيانو ) والذي قام بكتابة مقال شهير جدا يتحدث فيه عن سينما هيتشكوك و بالأخص فلم ظل الشك كما قام بإخراج مجموعة من الأفلام بها محاكاة لما كان يصنعه هيتشكوك فضلا عن التحية التي قدمها تروفو لهذا المخرج العظيم في آخر أفلامه  دون أن ننسى بطبيعة الحال الكتاب الشهير لتروفو حينما أجرى لقاء مطولا وشيقا مع هيتشكوك . كما يمكننا الاشارة ايضا للمخرج الأمريكي براين دي بالما ( كاري , سكارفيس ) حيث أخرج بعض الأفلام التي فيها احتكاك مباشر بهيتشكوك.فيما يرى البعض ان المخرج ديفيد فينشر ( سبعة , نادي القتال , زوردياك ) يأتي كامتداد لجيل المخرجين المتأثرين بهيتشكوك في عالم صناعة افلام الاثارة والغموض فضلا عن أن عددا من المخرجين كانوا قد استعانوا بنفس الموسيقار الذي عزف أشهر المقطوعات في أفلام هيتشكوك , (بيرنارد هيرمان ) مما جعل أفلامهم تحمل الطابع الهيتشكوكي بشكل عالي .

حكاية آبو … رائعة الثلاثيات السينمائية !

منذ عقود طويلة والمخرجون يسعون إلى وضع مجموعة أفكارهم أو تتبع شخصياتهم وحكاية قصصهم عبر أكثر من فيلم ليظهر ما تمت تسميته بالثلاثيات، والتي تضم ثلاثة أفلام متتابعة حتى لو اختلفت القصة في كل فيلم، لكنها توحدت في المغزى والمفهوم كما هو مع الياباني هيروي تشيغاهارا وثلاثيته التي بدأ بها الإخراج في الستينات (Pitfall, Woman in the Dunes, The Face of Another) أو ثلاثية الألماني مايكل هينيكي في الثمانينات (The Seventh Continent, Benny’s Video, 71 Fragments of a Chronology of Chance) أو ثلاثية الحرب لدى الإيطالي روسيليني في الأربعينات، والياباني كوباياشي (The Human Condition) أو ذات قصة واحدة متسلسلة كما هي بعض الثلاثيات الشهيرة مثل العراب وسيد الخواتم.
لكننا بالإجمال حينما نريد ذكر أبرز روائع الثلاثيات السينمائية، فسيأتي في مقدمتها «ثلاثية آبو» في الخمسينات للمخرج الهندي ستاياجيت راي (1921-1992) والتي تحكي قصة واحدة لحياة آبو راي منذ الصغر في قريته بين أهله وحتى هجرته للمدينة.
جائزة فرنسية
كان الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران من أشد المعجبين بأعمال ستايجيت راي، وقد سافر ذات يوم بنفسه إلى كلكتا في الهند، ليقدم له جائزة The Legion of Honor، وهي جائزة مرموقة في فرنسا تم تقديمها لأولئك الذين أظهروا إنجازاً رائعاً مدى الحياة في مجال العمل الذي اختاروه، بدلاً من دعوته إلى فرنسا لحضور الحفل. وهو المخرج أيضاً الذي كان قد اختير عام 1967 ضمن أفضل 20 مخرجاً على الإطلاق في مجلة Entertainment Entertainment.
ومن اللافت أن هذا المخرج العظيم كان قد بدأ مسيرته في الإخراج مع أول أفلامه عام 1955 Pather Panchali وهو الفيلم الأول من الثلاثية، والذي يحكي فيه بسرد درامي رائع ومؤثر لا يخلو من حس شاعري التقطته الكاميرا وعبرت عنه الموسيقى الهندية الخالصة، قصة الطفل الصغير «آبو راي» وأهله في قرية صغيرة في حالة من البؤس والفقر يضطر معها والده الكاتب والشاعر الذي يعول أخته وأمه أيضاً إلى ترك القرية لفترة من أجل البحث عن سبيل لتحسين معيشتهم تاركاً آبو وعائلته يعانون الفقر والمرض. ثم في السنة التي تليها عام 1956 يقدم ستاياجيت راي الفيلم الثاني من الثلاثية Aparajito حينما يغدو آبو شاباً يافعاً ليترك القرية بنفسه حتى مع عودة والده ووفاته في ما بعد، حيث يترك أمه وحيدة ليتجه نحو مدينة كلكتا من أجل أن يحظى بحياة أفضل ويخفف عبء معيشته عن والدته.
عامان
بعدها توقف المخرج ستايجيت لمدة سنتين عن إكمال القصة وختام الثلاثية ليقدم خلال سنة واحدة وهي 1958 فيلمين أحدهما الفيلم الكوميدي الطريف Paras-Pathar حول كاتب في منتصف العمر براتب منخفض يجد حجراً يعمل على تغيير الحديد إلى ذهب عند لمسه. ثم فيلمه الثاني التحفة السينمائية وأحد أشهر وأفضل أفلامه أيضاً The Music Room وهو دراما موسيقية حول تاجر ومالك عقار يعشق الموسيقى ويقيم الحفلات الخاصة في منزله وهو يواجه مهمة دعم مكانة أسرته أمام الأزمات الاقتصادية.
الفيلم الثالث
وفي عام 1959 يعود ستايجيت لإكمال الثلاثية بفيلمه الثالث The World of Apu حينما يختم قصة آبو بمنتهى الروعة والتأثير وقد غدا شاباً بلا والدين ولا أقارب، لكنه يسعى حثيثاً إلى تحقيق طموحه ليكون كاتباً مرموقاً تسوقه الأقدار إلى صداقات وعلاقات تؤثر في حياته. ليأتي بعدها الناقد الراحل الشهير روجر إيبرت مضمناً هذا الفيلم الأخير ضمن قائمته للأفلام العظيمة، كما صنفته مجلة TIME عام 2005 كأحد أفضل 100 فيلم في كل العصور. بينما وضعها ستيفن شنايدر ضمن قائمته الشهيرة «1001 أفلام يجب أن تراها قبل أن تموت» فيما صرح الكاتب والرسام والمنتج مات غرينينغ أكثر من مرة بأن ثلاثية أفلام Apu هي أفلامه المفضلة.
ذات يوم صرح المخرج الياباني الكبير أكيرا كوروساوا قائلاً: «إن عدم مشاهدة أفلام راي هو أن تعيش في العالم دون أن ترى القمر والشمس أبداً».

  • نشر في مجلة ” زهرة الخليج “